تجربة جديرة بالاهتمام تلك التى أقدمت عليها السلطات الألمانية وهى تدريس مادة الدين الإسلامى لطلاب المرحلة الابتدائية فى المدارس العامة الحكومية من خلال مدرسين مدربين من قبل الدولة وباستخدام كتب مدرسية أعدت خصيصا لهذا الغرض، وذلك بهدف تحسين عملية دمج الأقلية المسلمة المتزايدة فى المجتمع الألمانى ومواجهة التأثير المتنامى للفكر الدينى المتطرف. التجربة التى تعد الأولى من نوعها على مستوى أوروبا بدأ تنفيذها فى ولاية هيسن الألمانية وهى تعبر عن قناعة متزايدة من قبل ألمانيا بضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات على طريق الاعتراف بسكانها المسلمين وخدمتهم، بعد إهمالها لهم على مدار عقود، إذا ما كانت ترغب فى تعزيز التناغم الاجتماعى، ودرء تهديدات أمنية داخلية محتملة. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن كثيرين فى ألمانيا يرون أن الحاجة لذلك أصبحت أكثر إلحاحا من أى وقت مضى وذلك بعد أن كشف مسئولون أمنيون ألمان وتقارير فى وسائل الإعلام الألمانية أنه خلال الفصل الدراسى الماضى قتل فى سوريا ما لا يقل عن شابين ألمانيين من ولاية هيسن بعد تلبيتهما الدعوة إلى الجهاد وأنه على ما يبدو تم تجنيدهما من قبل دعاة إسلاميين متشددين فى فرانكفورت. وكان الارتياب بشأن التطرف الإسلامى ازداد بعدما تورطت خلية من العرب كانت تتخذ من هامبورج مقرا لها فى هجمات 11 سبتمبر 2001، بالإضافة إلى تورط مواطنين ألمان فيما أطلق عليه خلية ساورلاند التى استهدفت الألمان فى عام 2007، وكذلك المحاولة الفاشلة لتفجير محطة قطار بون فى ديسمبر 2012. وتضيف «نيويورك تايمز» أن مثل هذه الحالات قد أثارت الانتباه ليس فقط لحقيقة أن بعض الشباب الألمان يشعرون على نحو متزايد بالغربة وبالتالى فهم عرضة لعمليات التجنيد، ولكن أيضا أنهم فى نهاية المطاف سينقلون العنف إلى بلادهم، إلى جانب المهارات الجديدة فى استخدام الأسلحة والمتفجرات التى اكتسبوها فى ميادين القتال فى المناطق البعيدة. وتؤكد نيويورك تايمز أن مواجهة انتشار الفكر الدينى المتطرف يشكل مشكلة محيرة للسلطات الألمانية. فوفقا لتقرير حكومى يصدر بصفة سنوية، وصل عدد الإسلاميين المتشددين الموضوعين تحت مراقبة جهاز الاستخبارات الداخلية إلى 5500 شخص فى عام 2012. ورغم أن الأرقام لعام 2013 لم يعلن عنها حتى الآن ، إلا أن مسئولا أمنيا رفض الكشف عن اسمه صرح بأنها ارتفعت عن العام السابق. ولذا تحول الانتباه بشكل متزايد إلى التعليم وسبل التنشئة من أجل احتواء الأقلية المسلمة البالغ عددها نحو أربعة ملايين شخص والتى طالما شكلت مسألة اندماجها فى المجتمع مصدرا للتوتر فى بلد يزيد عدد سكانه على 80 مليون نسمة، خاصة أن هؤلاء السكان كافحوا- بل وقاوموا- عملية استيعاب المسيحيين والأوروبيين الغرباء فى نسيج الحياة الألمانية. ومن خلال تدريس تعاليم الإسلام المبنية على التسامح وقبول الآخر فى وقت مبكر كالمرحلة الابتدائية، وتوجيه الأطفال من قبل معلمين دربتهم الدولة وباستخدام مناهج تحظى بموافقتها، تأمل السلطات الألمانية أن تحصن أبناءها المسلمين من الآراء الدينية المتطرفة وأن تعبر لهم فى الوقت نفسه عن تقبل الدولة لعقيدتهم. وبالنسبة للكثير من المسئولين الألمان تعتبر هذه الخطوة جهدا متأخرا لإصلاح سنوات التهميش للمسلمين والتى أدت إلى تعلم الكثير منهم عقيدتهم فى مدارس تحفيظ القرآن أو من المفكرين المتشددين عبر الإنترنت أو فى ساحات المساجد بأحياء المهاجرين فى المدن الكبرى مثل هامبورج أو برلين. نيكولا بير، وزيرة التعليم فى ولاية هيسن والتى كانت واحدا من بين العديد من السياسيين والأساتذة والمعلمين الألمان الذين عملوا على تنفيذ برنامج تدريس مادة الدين الإسلامى، قالت إنها تعتقد أنه من الواضح الآن «أننا ارتكبنا لسنوات خطأ يتعلق بإبعاد المسلمين عن المجتمع الألمانى. أما الآن، يدرك الألمان أننا هنا معا، نعمل معا، نعلم أطفالنا معا». أما سابين عاشور، معلمة ألمانية فى برلين ومتزوجة من محام مغربى، فتعرب عن شكها فى استعداد الألمان لاستيعاب المسلمين، وتقول إن «المعلمين هنا لديهم شعور بأن شيئا ما يجعل الإسلام لا يتناسب مع الديمقراطية. وحتى عندما تتناسب الشريعة الإسلامية مع الممارسات الألمانية، لا يتم تطبيقها لأنه ينظر إليها كشىء تقليدى، بل حتى تنطوى على ازدراء للبشر». وبالمثل، يواجه المسلمون فى الدول الأوروبية الأخرى التى تضم أقليات مسلمة متزايدة، بما فيها فرنسا وبريطانيا وأسبانيا والدول الاسكندينافية، ظروفا مشابهة مما يستدعى الحاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لتعزيز الاندماج ومواجهة التشدد. وفى تقريرها الرقابى السادس عن الإسلاموفوبيا فى الغرب، أشارت منظمة التعاون الإسلامى إلى أن تفجيرات لندن ومدريد، إضافة إلى الحوادث المشابهة، كان لها تأثير على نظرة الغرب للإسلام والمسلمين وزادت مما اعتبرته «ثقافة تعصب» نحو الإسلام والمسلمين. ففى هولندا، على سبيل المثال، يرى ما يقرب من ثلاثة أرباع الهولنديين علاقة بين الإسلام والأعمال الإرهابية الأخيرة فى بوسطن ولندن وباريس، فى حين يفضل أكثر من نصفهم 55%، منع الهجرة من الدول الإسلامية، ويعارض 63% بناء المساجد، ويؤيد 72% إصدار قانون يحظر الشريعة الإسلامية. وفى فرنسا، يعتقد 74% من الفرنسيين الذين شملهم الاستطلاع أن الإسلام دين «متعصب» يتعارض مع قيم المجتمع الفرنسى. كما كشفت تقارير الشرطة البريطانية أن مقتل الجندى البريطانى لى ريجبى فى مايو الماضى على يد اثنين من الإسلاميين المتطرفين من أصول نيجيرية أدى إلى زيادة حادة فى جرائم الكراهية ضد المسلمين، حيث بلغ عددها العام الماضى 500 جريمة بالمقارنة ب 336 جريمة فى عام 2012 و318 جريمة فى عام 2011.