لقد وقف نابليون تصيبه الدهشة.. كيف أن الإسلام فتح نصف العالم فى أقل من نصف قرن.. ولم يدرك أن الدعوة بالكلمة الطيبة فى أمرها ونهيها وتسامحها اخترقت القلوب والشعوب والأمم.. فقد قضى الله فى كتابه أن تكون علاقته بالبشر بأسلوب الحوار الإقناعى وليس بالقهر وهو ما استشرفه المسلمون من دستورهم فأخذوه أسلوبا فى مناقشة جميع القضايا، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).. والحوار بالحكمة يدفع بالاعتراف بالآخر وبحقه فى الوجود بل حذر رسوله فى قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). فجاء الخطاب القرآنى بالكلمة.. وكان إعجازها فى بيانها لتغيير مسار شريعة حياة البشر.. وفى الماضى كانت الكلمة تصاحبها وتلازمها أو تسبقها معجزة مادية ملموسة وبمجرد انتهاء توقيت المعجزة واختفاء صورتها الشاخصة أمام العين تبدأ الكلمة فى الانزواء وتتوارى إلى الخلف ويتم تحريفها خارج سياقها.. مما يعنى أن الدعوة بالكلمة لم تكن الركيزة الوحيدة.. بل لزم لها دعم مادى.. فقوم ثمود لم يجدوا مفرا من التسليم بدعوة نبيهم صالح بعد خروج الناقة الضخمة من الصخرة. فقليل منهم آمنوا وأكثرهم ظلوا على عنادهم حتى عقروها وقتلوها خلافا لشرط نبيهم فحق عليهم العذاب.. وشاهد الجميع نجاة إبراهيم من النار وعصا موسى ويديه تخرج بيضاء إشفاء عيسى للمرضى وإحيائه للموتى بإذن الله ونزول مائدة من السماء ومع ذلك حاول البعض قتله وشاهدوا أيضًا كلام سليمان للطير وتسخيره للجان.. ثم نجد أن أكثر أقوامهم لا يؤمنون بعد موت أنبيائهم أو تحريف دعوتهم. وجاء القرآن الكريم بمعجزة الكلمة مجردة.. فقد جعل الله الكلمة المعجزة الحقيقية للإنسان فهو الكائن الوحيد الناطق ويمتلك القدرة على تعلمها وكتابتها بسهولة.. فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).. وقد أثار العلماء ومنهم «وليام فايفر» إن الطفل ينشط دماغه فور سماعه صوت أمه.. فالكلام حديث العقل والبرهان الأول على ذكاء الإنسان وتمييزه دون غيره من الكائنات. والكلمة قوة لا حدود لها فى حياتنا وحياة الشعوب فإما أن تكون طيبة أو خبيثة.. وكلمات الله نور تخرجنا من الظلمات إلى النور.. والكلمات الخبيثة لا تخرج إلا من شياطين الجن والأنس.. فالكلمات كالبضائع فى السوق وعلينا التحرى فى اختيار الكلمة الطيبة الناضجة والتريث فى انتقاء الكلمات قبل التفوه بها أفضل من إطلاق سهم مسموم يكدر النفوس.. وفى هذا السياق قال نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقى لها بالًا يهوى بها فى نار جهنم.. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقى لها بالا يرفعه الله بها فى الجنة».. وليس بالكلمة المفردة تتجلى مهارة الإنسان ولكن فى تحول الكلمات لجمل ذات بيان وهذه هبة ونعمة من الله.. وقال جلا وعلا: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4))فكانت معجرة القرآن الكريم الكلمة بما تحمل من نور وحق.. فهو كلام الله ومعجزته الخالدة.. وكلماته فى بيانها مازالت تتكشف معانيها ودلالاتها وكل حين يخرج علينا علماء فى شتى المجالات باكتشافات جديدة تعمق كلماته فى العقول وتصدق على قوله لأن كلمة الله معجزة بذاتها وتتضمن معجزات لشموليتها فى جميع العلوم.. ونضرب مثلا فى قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) حيث اكتشف العلماء فى منتصف القرن العشرين أمثال «فريد هويل» و«همس» و«أينشتاين» أن للسماء بناء محكم التشييد والمجالات المغناطيسية تربط بين كل أجرامها وليس كما يشاع أنها فضاء وفراغ وأن هناك مادة غير مرئية تسمى بالمادة المظلمة تملاء الكون وتسيطر على توزيع المجرات وتمثل جسورا تربط بينها، بالإضافة إلى توسعه من خلال تباعد المجرات. ?? ونسأل هنا أليس الإعجاز العلمى أسلوبا حضاريا للدعوة إلى الله تعالى؟.. وكل ما يؤكده العلماء يطمئن القلوب ويثبتها.. وكلام الله فى كتابه العزيز هو السبيل الوحيد للحياة السوية.. ومن أجله كرم بنى آدم وجعله ناطقا وعلمه البيان. وأخيرا الكلمة الطيبة صوت الحق والكلمة الخبيثة صوت الباطل لذلك قول المولى:( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).