لا أعتقد أن يعارضنى أحد من أن سيد درويش هو أبو الموسيقى العربية، والأسباب كثيرة حددتها فى ندوة للمنتدى الثقافى المصرى برئاسة د. عبد العزيز حجازى رئيس وزراء مصر الأسبق. فبعيدًا عن حلاوة وحدة الجمل اللحنية والموسيقية عن كل ما لحن الشيخ سيد وتميزه حتى فى ألحان القوالب التى لم يبتكرها مثل «الدور» و «المرشح» و«الطقطوقة». لقد كان أحد فرسان التنوير فى مصر، صنع من الموسيقى والكلمة المغناة وسيلة للتعبير يتساوى تأثيرها مع فن الخطابة والإبداع فى الكتابة إن لم يتفوق عليهما. حارب المحتل الانجليزى والوالى التركى بأناشيده الملتهبة صادقة الكلمة، والنغمة والأداء. وأعطى للمهمشين فى بلادنا من الطوائف الكادحة أهمية كبرى فى أعماله وألقى الضوء على معاناتهم فى سبيل لقمة العيش. أما ما يجعل سيد درويش يستحق لقب أبو الموسيقى العربية وبجدارة فهو ما أضافه وابتكره للغناء العربى من قوالب وصيغ لم تكن معروفة قبله، وأصبحت من الملامح البارزة لهذا الغناء والمستمعين وللملحنين الذين جاءوا بعده. ظهر قالب الأوبريت فى أوروبا فى منتصف القرن التاسع عشر كأوبرا صغيرة أقل صرامة من الأوبرا الجادة من حيث الموضوع والمعالجة ويحتوى حوارا تمثيليا وغناء وفواصل موسيقية ورقصات وقد بلغ نضجه وكماله فى بلادنا على يد الشيخ سيد درويش. ويكفى أن أوبريت «العشرة الطيبة التى ترجمها محمد تيمور وكتب أشعارها بديع خيرى لجنها الشيخ سيد عام 1920 تعد الأوبريت العربى النموذجى على المسرح والذى يقاس به الشكل المثالى لهذا القالب، وللشيخ سيد أكتر من 20 أوبريت أكثرها شهرة «العشرة الطيبة» و « شهرزاد» و «الباروكة» وقد سار على نهجه فى تلحين الأوبريت كثيرون منهم الشيخ زكريا أحمد و داود حسنى وكامل الخلعى وأحمد صدقى. أما الأشكال الجديدة على الموسيقى والغناء العربى فى أوبريتات الشيخ سيد فهى كثيرة وقد ظهرت فى الانتاج الغنائى العربى بعده وهذه القوالب منها: قالب « المونولوج» ولحن منه الشيخ سيد مونولوجات « والله تستاهل ياقلبى» فى المسرحية الغنائية « راحت عليك» و « أنا رأيت روحى فى بستان» فى مسرحية « فيروزشاه» وغيرها وانتقل « المونولوج» إلى أغانينا العادية فلحن محمد القصبجى لأم كلثوم مونولوج «إن كنت أسامح وأنسى الأسية» عام 1923 كما لحن مونولوجى «خاصمتنى وانا حيران فى أمر الخصام» و «أيها الفلك على وشك الرحيل» وغيرهما، ولحن محمد عبد الوهاب مونولوجات «كلنا نحب القمر» و «فى الجو غيم» و «ياترى يانسمة» والهوان وياك معزة» و «بلبل حيران» وغيرها كما لحن رياض السنباطى لأم كلثوم مونولوجات «سهران لوحدى» وجددت حبك ليه و «ياطول عذابى» و «هلت ليالى القمر» وغيرها. المونولوج هو غناء فردى، وأصل الكلمة مكون من مقطعين فى اللغة اليونانية هما «مونو» وتغنى فرد و «لوج» وتغنى إلقاء. أما قالب « الديالوج» فهو حوار غنائى أو تميثلى بين صوتين وقدم الشيخ سيد هذا اللون فى أوبريتاته بكثرة، منها ديالوج «على قد الليل مايطول» فى « العشرة الطيبة» وفيه أيضا « هو بعينه وبمناخيره» و « آن الآوان يا حلوه آن» وفى أوبريت « شهرزاد» كتب محمود بيرم التونسى لحن الشيخ سيد ديالوج « أدينى آهة جيتك بدرى» وله عشرات الديالوجات فى الأوبريتات التى لحنها. وانتقل قالب الديالوج إلى الشاشة الفضية على يد محمد عبد الوهاب فغنى من ألحانه مع نجاة على ديالوجى «صعبت عليك» و «ما أحلى الحبيب» فى فيلم «دموع الحب» وغنى مع ليلى مراد ديالوجى «يادى النعيم» و «طال انتظارى» فى فيلم «تحيا الحب» ومع رجاء عبده غنى ديالوج « ياللى فُت الجاه والمال» فى فيلم « ممنوع الحب» ومع راقية ابراهيم غنى فى فيلم رصاصة فى القلب ديالوجات «حكيم عيون» ولا حقولك إيه عن أحوالى» « تحرمى تاكلى جلاس» «وفى فيلم لست ملاكًا» غنى مع نور الهدى ديالوج «كنت فين تايه من زمان». ولحن محمد فوزى وغنى ديالوجات «شحات الغرام» و «فيه حاجة شاغلاك» مع ليلى مراد و «مثلها» مع صباح كما لحن منير مراد لعبد الحليم حافظ وشادية مونولوجات «تعالى أقولك» و «حاجة غريبة» ولكمال حسنى وشادية مونولوج « لو سلمتك قلبى». أما فريد الأطرش فقد لحن وغنى مونولوجى « يا سلام على حبى وحبك» مع شادية و «مالكش حق» مع نور الهدى كما ظهرت الثنائيات الغنائية المتخصصة مثل جمال وطروب وضياء وندا.