منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013 وشباب مصر ينتظر انفراجة فى مشكلة التوظيف والبطالة التى سادت المجتمع خلال الفترات السابقة، ولا زالت الأوضاع لا تنبئ بحلول ملموسة تستطيع أن تمتص طاقات الشباب وغضبهم حيال انعدام فرص التشغيل، ومما لاشك فيه أن حكومة التكنوقراط لا تملك حتى الآن الآليات الاستثنائية التى تستطيع بها أن تخلق فرصًا كافية للعمل، كما أنها لا تستطيع بأى حال أن ترهق الجهاز الحكومى المتخم حاليًا بأكثر من 6 ملايين موظف يستهلكون أكثر من 135 مليار جنيه مصرى سنويًا، كأجور من الموازنة العامة للدولة لذلك، فلقد أصبح التوجه الجاد نحو فكر وآليات المشروع الصغير هو الحل العاجل لمشكلة التوظيف فى مصر. ويشير الواقع الحالى بوضوح، إلى أن التوجه الرئيسى لحكومة الببلاوى هو نحو العمل بالاقتصاد الرأسمالى، والسوق الحر الذى يقوم على فرضية أساسية حاجات المصريين الضرورية والكمالية وتنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، وتحقيق وفرة الإنتاج والتوسع فى مفهوم الحرية وإطلاق قوى السوق فى جنى الأرباح دون تدخل الدولة فى إعاقة إلا بما يتطلبه النظام العام. ولما كان معلومًا بالضرورة أن أهم مثالب النظام الرأسمالى هو الميل نحو تركز الثروة فى أيدى مجموعة صغيرة إذا لم توجد الطريقة لتوسيعها، لذلك، فعلى الحكومة أن تعى تمامًا أن أحد أهم طرق توسيع الثروة هو تنظيم الموارد التى تتيح رأس المال لمجموعات أكبر من المجتمع وضمان تعبئة كل الموارد المالية والأصول المتاحة وإمكانية إعادة تدويرها داخل منظومة الاقتصاد الرأسمالى لخدمة المشروع الخاص وخلق الجديد من الوظائف وفرص العمل. مع ضرورة التركيز الكامل على دور الدولة المهمة والحاسم فى رعاية الطبقات الفقيرة والمهمشة والضعيفة، وأخذها بمبدأ السوق الاجتماعى الذى يضمن دمج تلك الطبقات فى المجتمع وداخل منظومة الاقتصاد الرسمى تحت رعاية الدولة بعيدًا عن الفساد الذى هزم كل أهداف التنمية. إن تفشى الفساد فى الحكومات السابقة للثورة، والسعى الدائم لنهب عوائد التنمية، قد انعكس بوضوح على مؤشر خط الفقر القومى فى مصر، حيث وصل عدد الفقراء تحت الخط إلى 22 مليونًا وهم يمثلون نسبة 25 % من تعداد السكان فى عام 2013، كما أن هذه النسبة تثير الفزع عندما نقارن أعداد هؤلاء الفقراء فى أقاليم الصعيد. والمشكلة الرئيسية المرتبطة بالفقر فى ظل آليات السوق هى أوضاع البطالة، التى وصلت فى مارس 2013 إلى 5 ملايين عاطل، وبذلك وصل معدل البطالة السافرة فى مصر إلى أكثر من 15 % من قوة العمل البالغ عددها 27 مليون عامل فى بداية عام 2013 ورغم عدم وجود اتفاق عام حول هذه النسب إلا انها تعتبر مرتفعة، بل إنها ثلاثة أضعاف معدل البطالة الطبيعية أو الاحتكاكية «التى تصل إلى حوالى 5%»، كما أن هذه المشكلة من المتوقع أن تتفاقم ببداية عام 2014 إذا لم يتم إجراءات فعالة للتخفيف من حديتها. فى ظل منظومة ضريبية جائرة ومستفزة وذات آليات منفردة للطبقات الفقيرة، تنامت فى مصر ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى والذى يتشكل من 9 - 10ملايين مصرى من أصحاب المهن الحرة والدكاكين الصغيرة ومصانع وورش بير السلم والباعة المتجولين الذين أغلقت الممارسات الحكومية فى وجههم سبل الرعاية فى العمل الخاص أو التوظف والعمل فى القطاع الرسمى، واضطرهم الفقر والأمية إلى كسب أرزاقهم بمدخراتهم الشخصية وبعيدًا عن الملاحقات الضريبية، وتؤكد الدراسات المتيسرة حالياً أن عدد تلك المشروعات غير الرسمية بلغ 1.5 مليون مشروع فى عام 2013 وهو ما يعادل 82% من جملة المشروعات فى مصر. أما من ناحية الشكل التنظيمى فإن أكثر من 90 % من المشروعات غير الرسمية هى مشروعات أشخاص يتركز معظمها فى قطاع الخدمات، ويقل عدد العاملين بها عن المسة. ويقدر متوسط عمر المشروع بنحو عشر سنوات وتتسم أساليب الإنتاج المستخدمة بأنها بدائية التقنية كثيفة العمل نسبيًا. وفى حين لا تتوافر معلومات دقيقة عن نسبة مساهمة القطاع غير الرسمى فى الناتج المحلى الاجمالى فى مصر، تشير بعض التقديرات الدولية إلى أن هذه النسبة تتراوح بين 30% و 35% بعد استبعاد الأنشطة غير المشروعة أى حوالى 35 مليار دولار لا تتمتع بأى رعاية أو حقوق من قبل الدولة، وعليه فإذا افترضنا بتحفظ أن هذا القطاع يمثل ثلث الاقتصاد المصرى فهذه النسبة ليست بالهيئة. وفى مجال استعراض نماذج من مسلسل انتهاك أموال الفقراء، فنجد أن قانون المنشآت الصغيرة والمتوسطة - الموجود حاليا - قد أعفى المشروعات الصغيرة التى تمول من الصندوق الاجتماعى من الضرائب، بينما أخضع القانون كل من يُنشئ مشروعًا صغيرًا من أمواله الخاصة - وإن كان مسجلًا بالصندوق الاجتماعى - إلى الضرائب من اليوم الأول وهذه إحدى صور الممارسات الفاسدة والضارة برأس المال الخاص بالطبقات الفقيرة.