تركيا التى كانت عاصمة لعصير الرمان أصبحت فى العقود الأخيرة إمبراطورية النظريات التآمرية. هذا ما كتبه الدكتور إيلى شاى فى صحيفة (يسرائيل هايوم) - إسرائيل اليوم - وأضاف: النظرية المحببة لأوساط التيار الإسلامى تقول إن أبا الأمة مصطفى كمال أتاتورك هو (يهودى متنكر) أراد تطهير الإمبراطورية العثمانية من ميراثها الدينى. وقد حظيت نظرية المؤامرة هذه خلال الأيام الماضية بدعم كبير مع كثير من السخرية، فالتيار الأتاتوركى العلمانى يؤكد أن رئيس الوزراء الحالى، رجب طيب أردوغان، هو فى حقيقة الأمر يهودى يضمر الشر لتركيا والأتراك ويعمل على تطهير الجمهورية التركية من إنجازاتها كدولة علمانية ديمقراطية. وتضيف الصحيفة: فى منتصف السبعينيات وعندما كان أردوغان طالبًا شابًا ورئيسًا لاتحاد الطلبة فى إسطنبول، قام بتأليف مسرحية اسمها (ماس - كوم - يه) وأظهر موهبته ككاتب مسرحى ومخرج، واسم المسرحية مؤلف من ثلاث كلمات - ماسونيون وشيوعيون ويهود - ومضمونها يقول إن هؤلاء جميعًا تآمروا للاستيلاء على الدولة التركية، وفى السنوات التى تلت ذلك كان هناك من يعمل جاهدًا على إخفاء أى ذكر لهذا العمل المسرحى، لكن رفائيل سادى، من اتحاد مهاجرى تركيا فى إسرائيل، والذى كان يدرس الاقتصاد مع أردوغان فى جامعة اسطنبول فى السبعينات يتذكر المسرحية جيدًا ومحاولات أردوغان الأولى لإظهار العداء لإسرائيل. وتقول الصحيفة إن نظريات المؤامرة السائدة فى تركيا والتى هى عبارة عن صناعة ضخمة من الشكوك والشائعات تؤكد أن أردوغان أصله يهودى وأنه من يهود الدونمة أتباع شيتاى بن تسفى (1626 - 1676) الذى أعلن أنه المسيح اليهودى المخلص وتم إجباره على تغيير ديانته إلى الإسلام وجر من ورائه نواة من أتباعه، والمعروف أن طائفة اليهود الدونمة مرت بتحولات وانقسامات، لكنها حافظت سرًا على إرث شيتاى بن تسفى. وفى أوائل القرن العشرين، اتضح أن شبابًا من هذه الطائفة كانوا نشطاء سياسيين فى ثورة (الأتراك الشبان) وفى الطبقة العليا للزعامة الجديدة، وكان تواجدهم هناك هامًا للغاية ويعطى زخمًا للثورة إلى أن سرت شائعات بخصوص أصول أتاتورك نفسه التى ترجع إلى يهود الدونمة. وتؤكد الصحيفة الإسرائيلية أن احتدام المواجهة على المحور الإسرائيلى الفلسطينى والمحور اليهودى الإسلامى أدى إلى تبنى التيار الإسلامى التركى لنظرية المؤامرة بصورة أكبر وهذا ما اتضح فى دعايتهم لتقويض الأسس العلمانية الموالية للغرب فى تركيا، وتزايد مع الانتظار المذل الذى حكم به على تركيا لدخولها نادى الاتحاد الأوروبى. وقد حظيت قصص المؤامرة هذه بدفعة قوية فى واحد من أكثر الكتب مبيعًا وهو كتاب (أفندى) للصحفى والباحث والمنتج التليفزيونى سونير يالتسين، والذى ظهر عام 2004 - وهو مؤلف ضخم يؤكد أن غالبية النخبة الاجتماعية فى تركيا تتكون فى حقيقة الأمر من يهود متنكرين منحدرين من طائفة اليهود الدونمة، ثم جاء الجزء الثانى من الكتاب (أفندى 2) ليؤكد على الأصول اليهودية لقيادات التيار الإسلامى فى تركيا ومن بينهم رجب طيب أردوغان. ثم جاء أورجان فويراز وهو صحفى وباحث علمانى، غار من النجاح الساحق الذى حققه كتاب (أفندى) وبدأ يطلق النار فى كل الاتجاهات وهو يبحث عن اليهود المخفيين بالذات وسط التيار الإسلامى التركى، وهكذا قام بتأليف كتابه (ذرية موسى - طيب وأمينة) الذى يوثق علاقة أردوغان وزوجته باليهودية، وقد ظهر هذا الكتاب فى اسطنبول عام 2007 وتم طبعه عدة طبعات، وعلى غلافه تظهر صورة زعيم حزب العدالة والتنمية، أردوغان إلى جانب زوجته وسط إطار من نجمة داوود المذهبة. ويصف الكتاب أردوغان بأنه مقرب من حركة البنائين الأحرار (الماسونية) وأنه تلميذ المليونير اليهودى التركى إسحق ألطون والدكتور ألون ليئيل الذى عمل فى السابق سفيرًا لإسرائيل ومديرًا عامًا للخارجية الإسرائيلية، وأنه عميل مزدوج ل (حكماء صهيون). وقد قام مؤيدو النظام باتهام الباحث التركى بأنه ممول فى الواقع من قبل عناصر سياسية نفعية من أوساط اليمين الكمالى (أتباع أتاتورك)، لكن هذا الاتهام كان هينًا للغاية بالمقارنة مع ما حدث له بعد ذلك، فقد وضعوا اسمه ضمن المتآمرين فى الفضيحة التى هزت تركيا وهى المسماة (إرجان هاكان)، وقال الادعاء أثناء المحاكمة إن هذه المنظمة السرية هى المسئولة عن أعمال إرهابية كثيرة كانت تستهدف إسقاط الحكومة الإسلامية الحاكمة عن طريق نشر الفوضى فى البلاد، وبدأت القضية فى العام 2007 بالتزامن مع صدور أبحاث فويراز الكاشفة، وأعلنت السلطات التركية أنه تم العثور على مواد متفجرة وقنابل يدوية فى علية سطح ضابط متقاعد يقيم فى أحد أحياء اسطنبول الفقيرة وتم القبض على المئات من المتهمين فى هذه القضية من بينهم كاتب ساخر ومحامون وصحفيون وضباط وأساتذة جامعات وأعضاء فى المافيا، باختصار.. ملح الأرض. وكانت هذه المحاكمة بمثابة ذريعة أمنية للقضاء على عناصر ديمقراطية فى المجتمع المدنى التركى، والحد من حرية التعبير عن طريق شيطنة معارضى التيار الإسلامى. وفى إطار دفاعه قام أردوغان بتكليف قائمة طويلة من المحامين الذين أثبتوا أن وصف إنسان بأنه (يهودى متخفى) فى تركيا اليوم هو بمثابة سب وقذف. ثم عاد وأطلق على فويراز قواته الخاصة التى ألبسته تهمة الاشتراك فى تنظيم إرهابى سرى يعمل من أجل إسقاط الحكومة الإسلامية.