سيظل ميدان التحرير هو الملهم للثورات ، لكونه قبلة المتظاهرين الأولى فى ثورة الخامس والعشرين من يناير والذى كان ملتقى كل الثائرين من مختلف التيارات، لا فرق فيه بين مسلم ومسيحى، وتوحدت بداخله كافة التيارات السياسية لدرجة دفعت العالم أن تصف هذا المشهد ب روح الميدان ومنه انطلقت شرارة الثورة فى مختلف المحافظات وتتفرع منه ميادين مشابهة كالقائد إبراهيم فى الإسكندرية وميدان الساعة بقنا والممر بالإسماعيلية،والأربعين بالسويس وغيرها من أسماء لميادين مصرية. عودة الثورة إلى ميدان التحرير انطلقت من خلاله الثورة الأولى واتفق من خلاله المصريين على مطلب واحد وهو اسقاط نظام الرئيس السابق حسنى مبارك. ولكن الآن، وخلال حكم الإخوان عام 2013، تبددت تلك الحالة، وتحولت تلك الميادين لساحة صراع واشتباكات دامية، ليس بين متظاهر وقوات أمن فحسب، ولكن المتظاهرين من تيارات مختلفة. وتجلى هذا بشكل أوضح عندما خرجت مظاهرات مضادة لبعضها البعض، منها ما هو مؤيد لقرارات رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت محمد مرسى وأخرى مناهضة له. فظل ميدان التحرير ملكا للثوار الحقيقيين بمختلف أطيافهم السياسية والمراحل العمرية ،معلنا أن الثورة «ما زالت مستمرة» ولم يتمكن مؤيدو النظام فى ذلك الوقت من السطو على ميدان التحرير ليعبروا من خلاله عن تأييدهم لحكم الإخوان، وهو ما دفعهم للبحث عن ميادين بديلة، فلم يجدوا سوى محيط قصر الاتحادية بالقرب من رئيسهم ورئيس عشيرتهم، فى المقابل تحول ميدان القائد إبراهيم، والمنطقة الشمالية، فى مدينة الإسكندرية والذى كانا من قبل ملتقى للمتظاهرين باختلاف آرائهم، إلى ساحة حرب واشتباكات بين جماعة الإخوان المسلمين من جانب، والمستقلين والتيارات الليبرالية واليسارية من جانب آخر، أسفرت عن إحراق محتويات مقر حزب الحرية والعدالة الذى أسسته جماعة الإخوان، وارتفاع هتافات من معارضى الجماعة بإسقاط حكم الرئيس محمد مرسى. وسريعا ما انتقل المشهد لباقى الميادين وقد امتدت من ميدان التحرير موجات الثورة الثانية فى 30 يونيو ولم يكتف المصريون بالخروج إلى ميدان التحريروقتها حيث خرج المواطنون فى جميع محافظات مصر، ليعلنوا عن استقلالهم عن حكم المرشد، ورفضهم له، خاصة بمدينة المحلة الكبرى، و المنصورة، و الشرقية، وأيضًا جميع مراكز وقرى المنوفية فالجميع كان على قلب رجل واحد يهتفون «تحيا مصر» فى ميادين مصر وربوعها ويرددون الجيش والشعب والشرطة «أيد واحدة» وفى السويس احتفظت القوى الثورية بميدان الأربعين وعلى أرضه الصامدة الأبية عزفت السمسمية كما عزفت من قبل «يابيوت السويس يا بيوت مدينتى استشهد تحتك وتعيشى انتِ» ويرجع تاريخ الميدان لمسجد «سيدى الأربعين» الذى بناه أبناء السويس تقديرا، وعرفانا للأربعين ولياً الذين حضروا من مدن شمال أفريقيا (المغرب والجزائر وتونس)، أثناء حفر قناة السويس ومن ميدان الأربعين بالسويس، إلى ميدان القائد إبرهيم بالإسكندرية الذى ظل خلال عام 2013 ملتقى المعارضين ومنصة تنطلق منها المظاهرات، واحتجاجات الجماهير للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية خلال الثورة، وتحول المسجد نظراً لمساحته الكبيرة وموقعه المتميز إلى ملتقى سياسى وشعبى كبير وتعاقب على تولى قيادته الدينية عدد من أهم الشيوخ والأئمة المعروفين بانتقاداتهم السياسية لنظام الحكم فى مصر ومن أبرزهم الشيخ أحمد المحلاوى الذى ينتمى إلى التيار الإسلامى السلفى، والذى تولى إمامته أعواماً عديدة فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وقد شهدت البلاد خلال الأشهرالقليلة الماضية محاولات من أعداء مصر فى الخارج وأعوانهم فى الداخل لضرب الاستقرار تمثل ذلك إلى جانب أعمال العنف بتجمعات متظاهرى المحظورة بميدانى النهضة ورابعة العدوية وكانت القيادة السياسية أكثر فطنة فى التعامل مع هذه التجمعات بالطرق القانونية وتبدلت الآراء نحو الوصول للأهداف المشروعة للثورات، وتبدلت معها الميادين ولكن ظل ميدان التحرير هو ملهم الثورات وسيظل كذلك مدى الحياة