«هدير» هى الابنة البكرية لأب وأم يعيشان على رزق اليوم بيوم.. هى بالنسبة للأسرة نسمة هواء عليلة فى أيام الصيف شديدة الحرارة شديدة الرطوبة هى راحة البال بعد طول العذاب والانتظار.. حلاوة الشهد بعد مرارة الحنظل جاءت «هدير» لتدخل البهجة على قلب الأم والأب.. بل والجدة التى كانت تنتظر قدومها بفارغ الصبر.. تنتظرها لتملأ الدنيا حولهم بالحياة والحب والسعادة بعد رحلة عذاب لسنوات طويلة.. اهتم الأب والأم بتعليم البنت الجميلة بالرغم من أن الأسرة تعيش فى إحدى القرى بمحافظة بوسط الدلتا وكانت الأم تأكل وجبة واحدة فى اليوم حتى توفر مصاريف المدرسة والكتب والمجموعات الدراسية لأبنائها الثلاثة وخاصة الابنة البكرية فهى تتمنى أن تراها فى منصب متميز كما ترى الكثيرات من بنات جيلها بالتليفزيون وسعت الابنة هى الأخرى لتحقق هذه الأمنية لأمها ولنفسها فطالما تمنت ذلك.. وكان يوم فرح وكأنه يوم عرسها عندما حصلت على الثانوية العامة واصطحبتها أمها فى هذا اليوم للمدينة حتى تشترى لها أجمل ثوب وحذاء يليق بها حتى تذهب لتقديم أوراقها بالجامعة وقد تم لها ما أرادت هى وزوجها ألتحقت الابنة بكلية الحقوق وفرت لها الأم من قوت الأسرة الكثير حتى تذهب يوميا للكلية كانت تنتظرها كل يوم على العشاء لتحكى لها ما حدث طوال اليوم من الزملاء والأساتذة كان حديثًا جميلًا ممتعًا.. ولكن ما حدث فى هذا اليوم الأسود الذى لن ينساه جميع أفراد الأسرة.. الابنة عادت من الكلية مبكرًا تستند على إحدى زميلاتها وجارتها فى نفس الوقت.. فهى غير قادرة على أن تمشى على قدميها وتسأل الأم وتجيب الابنة هناك آلام فى كتفها الأيمن ولا تستطيع تحملها.. بل إنها غير قادرة على الأمساك بالقلم أو حتى حمل الكتب الدراسية.. قدمت الأم قرصًا مسكنًا مع كوب شاى ساخن وطلبت من الابنة ارتداء ملابس ثقيلة ربما أصابها برد.. نامت الابنة عدة ساعات واستيقظت الأم على أهات الابنة التى تحولت بعد قليل إلى صرخات فهناك آلام مبرحة بالكتف تمتد لتصل إلى منتصف الظهر وتحاول الأم التخفيف عن الابنة ولكنها لا تستطيع فتطلب منها أن تنتظر حتى الصباح وعندما يظهر نور النهار تصطحبها الأم والجدة إلى المستشفى المركزى وهناك قام الأطباء ببعض الفحوص ونصحوها ببعض الأدوية والكريمات المسكنة.. وبعد يوم كانت الآلام لا تطاق وعادت الابنة إلى المستشفى وتم عمل أشعة على عظام الكتف والظهر وكانت بداية المأساة فقد ظهر ورم بهذه المنطقة ونصح الأطباء الأم أن تصطحب الابنة إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة وأكدوا لها أن المعهد به أطباء متخصصين وإن كانت الابنة مصابة بورم سرطانى فلن تجد أكفأ من أطباء المعهد.. دارت الدنيا بالأم بل بالأسرة كلها وتساءلت الابنة ماذا فعلت وما هو الخطأ الذى أدى بها إلى الإصابة بالسرطان لم تجد إجابة شافية.. جاءت وفى قلبها حزن دفين وخوف من المجهول.. بالمعهد تم إجراء فحوصات وأشعة وتحاليل وكانت النتيجة النهائية أنها مصابة بورم سرطانى بعظمة اللوح وأنها تحتاج إلى جلسات علاج كيماوى وإشعاعى وبدأت العلاج الذى استمر لمدة عام كامل وكان عليها أن تقيم بالأسابيع داخل المعهد وعاشت مرارة المرض وذاقت الأم الأمرين وهى ترى زهرتها تذبل وتتساقط أوراقها يوما بعد يوم وتطير فى فضاء الدنيا الواسطة.. ولكن دخل الأمل قلبها عندما طلب منها الأطباء اصطحاب زهرتها والعودة بها إلى قريتهم عادت فى فرح كما عادت الابنة إلى كليتها والأمل يملأها فى حياة ومستقبل جديد.. ولكن سرعان ما عاودتها الآلام وهذه المرة أصابت صدرها فقد شعرت بضيق بالتنفس وآلام تكاد تمزق صدرها وأصابها ارتفاع بدرجة الحرارة مع كحة شديدة ذهبت بها الأم إلى طبيب فى قريتهم وإذ به يطلب منها الذهاب سريعا إلى معهد الأورام وعادت مرة أخرى لتحمل آلامها وتعرضها على الأطباء وتم عمل أشعة على الصدر أظهرت ما لم تتحمل سماعة الأم والابنة أن السرطان ضرب الرئتين وبدأ فى نهشهما وإن عليها أن تقيم بالمعهد لفترة لتلقى علاج كيماوى وإشعاعى لعله يوقف زحف المرض.. وتركت الأم بيتها والأسرة وعاشت مع ابنتها بالقاهرة لعلاجها من المرض الذى جاء على الأخضر واليابس حتى أجرة السفر من القاهرة إلى القرية لا تجدها إلا بصعوبة الأم أرسلت تطلب المساعدة، خاصة أن الأب يعمل عمالة غير منتظمة ودخله لا يتعدى 300 جنيه شهريا ولديه ولد وبنت بخلاف المريضة يواصلان تعليمهما، فهل تجد هذه الأسرة المسكينة من يقف بجانبها ويساعدها؟ من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.