تساؤلات كثيرة أثارها ما يحدث فى الشركة المصرية للملاحة البحرية أول شركة ملاحة وطنية مملوكة للدولة من محاولات للتخريب، فبعد أن كان أسطولها 200 سفينة، تقلص الآن إلى ثمانى سفن فقط، منها أثنتان فقط تعمل وتعانى من عيوب تهددها بالخروج من الخدمة. وقد أدت المشكلات التى تعانى منها الشركة إلى قيام العاملين بتنظيم وقفات احتجاجية أكثر من مرة، وتهديدهم بالتصعيد ما لم يتدخل وزير النقل والمسئولون لإنقاذ الشركة.«أكتوبر» فى تحقيقها التالى حاولت استطلاع أسباب مشكلات الشركة من العاملين فيها للوقوف على كيفية إنقاذها وهو ما تقرأه فى السطور القادمة. فى البداية قال الربان د.محمد الحداد رئيس الجمعية العربية للتنمية التجارة البحرية إن الشركة المصرية للملاحة البحرية هى نواة الأسطول البحرى الوطنى فهى نتاج دمج ثلاث شركات ملاحة عالمية تم تأميمها بعد ثورة يوليو 1952 هى شركة خطوط البوستة الخديوية المملوكة لرجل الأعمال المصرى أحمد عبود باشا، وشركة إسكندرية للملاحة المملوكة لرجل الأعمال المصرى عبد الفتاح يحيى باشا، و شركة مصر للملاحة المملوكة لبنك مصر الذى أسسه رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب باشا. و أضاف كان للشركة المصرية للملاحة دور وطنى كبير فى الحرب قبل السلم فكانت سفن الشركة تعمل فى الاستطلاع فى فترة الحرب كما قامت بنقل مضخات المياه التى استخدمت فى اقتحام خط بارليف المنيع أثناء العبور فى حرب أكتوبر، أما فى فترات السلم فكانت الناقل الرئيسى للسلع الاستراتيجية مثل القمح و الذرة و الفول و خلافه. تابع: للأسف إن هناك محاولات غير مفهومة لتدمير تلك الشركة منذ أن بدأ أرباب المعاشات فى تولى رئاسة مجلس إدارتها ولم يكتفوا بما يصرف لهم من رواتب و حوافز و أرباح و بدلات و مأموريات و خلافه لأنها لم ترض طموحاتهم. فأسسوا شركة مصر للنقل البحرى تحت مظلة قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997، و هى تعتبر أولى الشركات الاستثمارية التى تأسست من رحم الشركة المصرية للملاحة البحرية و بسفنها التى آلت إلى الشركة الجديدة بقرار وزارى من وزير النقل و المواصلات والنقل البحرى فى ذلك الحين. وقال الحداد إنه تم إجبار الشركة المصرية للملاحة البحرية أيضًا على التنازل عن العقد المبرم مع الهيئة المصرية العامة للبترول لنقل المحروقات لشركة الملاحة الوطنية التى أسست شركة لناقلات النفط المصرية لتنفيذ هذا العقد و مما هو جدير بالذكر أن هذه الشركة مصرية اسماً فقط فهى و سفنها مسجلة تحت علم إحدى دول المنفعة ثم إجبار الشركة المصرية للملاحة البحرية على تخريد ناقلة النفط المملوكة لها و بيعها. وإجبارها أيضًا على تأجير بعض سفنها لشركة الملاحة الوطنية بأقل من تكلفتها اليومية لتعمل على نفس الخط الملاحى التى كانت تعمل عليه و لكن لصالح شركة الملاحة الوطنية وعرض السفن التى تحتاج للصيانة الدورية للبيع حتى تقلص الأسطول إلى ثمانية سفن فقط بعد أن كان يفوق المائتين سفينة عند التأميم . وأضاف:تم تغيير مقومات محفظة الأوراق المالية الخاصة بالشركة المصرية للملاحة البحرية بتبادل حصة الشركة القابضة للنقل البحرى والبرى و شركة الملاحة الوطنية حتى تتمكن من تحويل الشركة المصرية للملاحة البحرية من قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 إلى قانون الشركات المساهمة و شركات التوصية بالأسهم و الشركات ذات المسئولية المحدودة رقم 159 لسنة 1981 لاستحواذ شركة الملاحة الوطنية عليها وإفلاسها، وتكبيد الشركة المصرية للملاحة البحرية بديون تصل إلى نحو 90 مليون جنيه معظمها لمصلحة الضرائب تستحق على الشركة القابضة للنقل البحرى و البرى، وكل ذلك أدى إلى وصول الشركة إلى الحالة المتردية التى وصلت إليها الآن. وأشار أحد العاملين بالشركة إلى أن هذه القرارات أسفرت عن كوارث، لأن قرار الدمج أعطى الحق للشركة الوطنية للاستحواذ على خط ساحلى الأدبية السويس لنقل البترول وخروج المصرية للملاحة منه، بالإضافة إلى استحواذ الوطنية للملاحة على خط شمال وغرب أوروبا ومنع سفن المصرية للملاحة من التوجه إلى هذا الخط مع العلم أن آخر ربح حققه الخط كان 10.2 مليون جنيه،كما أشار إلى استحواذ الملاحة الوطنية على حصة القمح التى كانت تنقلها الشركة مما أدى إلى حرمان المصرية للملاحة من أرباح العملية والتى كانت أخر أرباحها 13.2 مليون جنيه عام 2005, كما أشار إلى أن قرار الدمج أثر بدوره على بيع السفينتين قنا ودمياط وهى ناقلات صب فى الوقت الذى كانت الوطنية للملاحة تبنى ناقلات بكوريا ممولة عن طريق قرض من البنك الأهلى مقداره مليار و400 مليون جنيه وبضمان أصول الشركة والتى من بينها الشركة المصرية للملاحة. كما تم بيع السفينتين «ابو عجيلة» و «ابن الوليد» بحجة عدم الصلاحية وتم تشغيل السفينتين فور بيعهما بعد وقوفهما لمدة عامين،وأضاف أن قرار الدمج أسفر عن اتخاذ قرار فى مجلس الادارة بشراء سفن جديدة بدلا من المباعة ولكن كان ذلك حبر على ورق وانتهى الامر بإنفاق كافة المبالغ المخصصة للشراء على المصروفات الجارية للشركة. وأضاف أن الشركة القابضة هى التى قامت بتوزيع اسهم الشركة المصرية للملاحة البحرية لكل من شركة الملاحة الوطنية بنسبة 90% ،والشركة القابضة بنسبة 5%، ومن ثم فإن للشركة الوطنية حق الإدارة وتحويل الشركة المصرية للملاحة البحرية للقانون 159 بعدما كانت تتبع القانون 203 ،وذلك لإعطائهم غطاء لبيع الشركة دون مراقبة أو محاسبة من جهات الدولة الرقابية. عوامل قاضية وأشارت سمر صلاح رئيسة النقابة المستقلة للعاملين بالشركة المصرية للملاحة البحرية إلى أن ما تعانى منه الشركه الآن هو عدم توافر الإمكانيات المادية اللازمة لأداء أعمالها و تنفيذ الخطة الواجبة لتدعيم أسطول السفن المملوكة لها،وأضافت أن الشركه قبل نقل تبعيتها لشركة الملاحة الوطنية و بعد تنظيم أوضاعها استطاعت أن تحقق أرباحا وصلت إلى 33 مليون جنيه عام 2005 مع تحمل الشركة لأرباح العاملين فى أعوام 2002 , 2003 , 2004 , 2005 الحد الأقصى للأرباح و هو مرتب عام كامل لكل عامل فى الشركة ،و بعد انتقال الشركة إلى شركة الملاحة الوطنية تبدل حال الشركة حيث قامت القابضة بسحب ملكية الأسهم التى كانت مملوكة للشركة المصرية للملاحة البحرية فى الشركة المصرية لأعمال النقل البحرى « مارترانس « و قدرها 44% من أسهم الشركة بدون مقابل و قامت بحرمان الشركة من العائد السنوى الذى كانت تحصل عليه و يبلغ 3.5 مليون جنيه فى العام و ذلك مقابل خصم قيمة هذه الأسهم من رأس مال الشركة و قيمة هذه الأسهم الآن تبلغ 100 مليون جنيه. وتابعت: قامت شركة الملاحة الوطنية بالدخول محل الشركة المصرية للملاحة البحرية فى عملية نقل البترول الساحلى بالسويس بعد خروج الناقلة العجمى من التشغيل و هو العقد الذى امتد لأكثر من 30 عاما كانت تحصل فيه الشركة على 10 مليون جنيه صافى سنويا و كان يستخدم نصفه فى سداد تموينات السفن من الوقود،و أصبح لشركة الملاحة الوطنية ثلاث سفن تعمل مع هيئة البترول بعد خروج الشركة و بذلك فقدت الشركة المصرية للملاحة البحرية المساندة التى كانت تلقاها فى السنوات السابقة من رؤساء الشركة القابضة و تدخلهم مع وزراء قطاع الأعمال والبترول لاستمرار الحفاظ على تشغيل هذا النشاط . وأشار إسلام وجيه أمين عام النقابة المستقلة للعاملين بالشركة إلى أن رئيس مجلس إدارة شركة الملاحة الوطنية رفض أن يكون هناك أى تمويل كان لأى احتياجات للشركة المصرية للملاحة البحرية أو لتمويل أى استثمارات مبررا ذلك بأن شركه الملاحة الوطنية ليست شركة قابضة و لكنها مالكة لاستثمارات ويكفى أنها لا تحصل على عائد من استثماراتها فى الشركة المصرية للملاحة البحرية. وأضاف قائلا إن الشركة سعت الشركة إلى الانضمام إلى قانون الاستثمار و المناطق الحرة و ذلك أسوة بشركات أخرى مثل الإسكندرية لتداول الحاويات وذلك لتجنب إلقاء أعباء إضافية على عاتق الشركة وبعد حصول الشركة فعلا على الموافقة المبدئية من هيئة الاستثمار و لكن بتدخل الشركة الوطنية تم سحب هذه الموافقة و تمت المماطلة فى تنفيذ الموضوع و أرجائه للجمعية العامة للشركة التى تسيطر الوطنية على 90% منها مما حمل الشركة لأعباء ضرائب حيث بلغت الضرائب المسددة ما يصل إلى 25 مليون جنيه ولا زالت الشركة مدينة للضرائب. وذكر وجيه أن الشركة تحملت و بدون أى تمويل من أى جهة لأعباء عمرات السفن بقيم تزيد على 100 مليون جنيه خلال الفترة بعد نقل تبعية الشركة الوطنية يضاف إليها الأعباء الأخرى التى تخص السنوات السابقة. وبحدوث الأزمة المالية العالمية التى أدت إلى سوء أحوال السوق الملاحى أصبحت العوامل السابقة إلى جانب أثار الأزمة عوامل قاضية على الشركة المصرية للملاحة البحرية. مشاكل تهدد بالغرق من ناحية أخرى يشير أحد القباطنة العاملين بالشركة والذى رفض ذكر اسمه إلى الكثير من جوانب الفساد فى الشركة حيث يقول إن عدد السفن التى تملكها الشركة كانت قبل التأميم حوالى 200 سفينة، وأصبحت 60 سفينة فى الثمانينات، أصبحت الآن ثمانية يعمل منها بالفعل سفينتان فقط!! وتساءل قائلا هل يصلح أن يكون رئيس مجلس إدارة الشركة هو نفسه الذى دمر شركة سابقة وهى شركة فامكو التى كان يرأس مجلس إدارتها وورطها فى بيع أراض وهدم مقر والحصول على قروض دون أن يدخلها فى التشغيل حتى أن شركة فامكو قامت ضده دعوى تطالب بالتعويض عن الخسائر التى تسبب فيها للشركة.ويضيف قائلا إن رئيس الشركة بمجرد ما تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية قام ببيع السفينتين ابن الوليد وأبو عجيلة لمستثمر عراقى على أنهما خردة، وتم بيعهما بمبلغ 4.5 مليون دولار رغم أن ثمن السفينة الواحدة لا يقل وقتها عن 15 مليون دولار، ورغم أن ابن الوليد كانت خارجة من عمرة، وبمجرد ما اشتراها المستثمر قام بتغيير اسمها وقام بتشغيلها على الفور دون أية إصلاحات،أى أن السفينة كانت صالحة للعمل!!. كما قام ببيع السفينتين إخناتون وتحتمس بحوالى 2 مليون دولار، وقبل خروج السفينتين من الإسكندرية قام المشترى ببيعهما ب 3 ملايين دولار. كما يسعى الآن إلى بيع السفينة نويبع التى تم إيقافها لإصلاحها منذ يناير الماضى وتم ربطها على رصيف متروكات ولم يحدث فيها أية إصلاحات حتى الآن بل ويتم تخريبها عن عمد لبيعها خردة رغم أن لها شهادات صلاحية حتى عام 2014 وتم تعيين طاقم لها عدده سبعين فردا وهو عدد أكبر بكثير من العدد المطلوب كطاقم للسفينة فى حالة تشغيلها وهو 20 فرد رغم توقف السفينة عن العمل مما يحمل الشركة مصروفات ضخمة، ولولا قيام النقابة المستقلة للعاملين بالشركة بإقامة دعوى تحصين ضد بيع السفينة لكانت قد بيعت كخردة وطبعا الفارق ضخم بين سعر بيع السفينة وهى تعمل وثمن بيعها خردة. وأضاف القبطان قائلا إن هناك كارثة أخرى تحدث بالشركة وهى أن الشركة لم تدفع قيمة اشتراك الاتصالات الدولية للسفن والتى تتم عن طريق القمر الصناعى ويكتفوا بإعطاء قبطان السفينة جهاز محمول عادى جدا لا يعمل إلا إذا كانت السفينة بالقرب من ساحل إحدى الدول، أما إذا كانت فى عرض البحر فلا يعمل الجهاز ولا اتصالات وبالتالى لو حدث أى طارئ بالسفينة فلن يجد القبطان أية وسيلة للاتصال بأى جهة لإنقاذ السفينة وهو ما يعرض الطاقم العامل على السفينة لخطر مؤكد. كما أن السفن تخرج فى رحلات بدون وقود يكفى الطريق مما يعرضها أيضا لخطر محقق وللتعطل ولضياع الوقت وهو ما حدث مع السفينة (الحسين) التى خرجت منذ أيام فى رحلة إلى مالطا ليتم تأجيرها هناك وخرجت دون وقود كاف وبالفعل نفذ الوقود وهى بالقرب من ليبيا فاضطر القبطان إلى الوقوف بميناء بنغازى وألقى المخطاف وظل متوقفا هناك حوالى أسبوعين . وأضاف القبطان قائلا إنه فى سلسلة إهدار المال العام بالشركة هناك السفينة (المنوفية)والتى دخلت عمرة منذ شهر إبريل الماضى وأنفق عليها حوالى مليار و624 مليون دولار ولم تعمل حتى الآن ومازالت الشركة تنفق عليها الملايين حتى الآن،رغم أن السفينة الإسكندرية أنفق عليها فى عمرة ثمانية ملايين جنيه وتم تشغيلها بعد العمرة مباشرة. وأشار إلى جانب آخر من جوانب إهدار المال العام بالشركة،فقال إن القطاع التجارى بالشركة يقبل تشغيل السفن بأسعار بخسة جدا، فعلى سبيل المثال السفينة مرسى علم خرجت فى إحدى الرحلات، وقدرت قيمة النولون (قيمة شحن البضائع) بمبلغ 102 ألف و600 دولار، وكانت قيمة مصروفات السفينة فى الرحلة 97 ألف دولار وبالتالى ما تبقى للشركة أربعة آلاف دولار فقط هذا بخلاف تكلفة الطعام والمشروبات والزيوت، فلماذا يقبل القطاع التجارى بهذه الأسعار. وأضاف قائلًا إن الشركة قررت لنا عام 2012 أرباح قيمتها أربعة أشهر تم صرف شهرين منهم فقط ولم يتم صرف الشهرين الباقيين حتى الآن رغم أن رئيس وأعضاء مجلس الإدارة صرفوا الأرباح ويتقاضى كل منهم عن كل اجتماع لمجلس الإدارة 1200 جنيه!! وأضاف قائلا إن رئيس الشركة قام أيضا بتعيين معاونين له من الخارجين على المعاش ومنهم أعضاء بمجلس الإدارة وأعضاء بلجنة التقييم أحدهم سبق الحكم عليه فى قضية فساد قبل خروجه على المعاش. واقترحت اللجنة إما أن تعود الشركة لتبعية الشركة القابضة تحت قانون 203،أو الاندماج الحقيقى مع الشركة الوطنية للملاحة والتى استحوذت على 90% من أسهم الشركة على أن تتحمل الشركة الوطنية نصيبها من ديون وضرائب الشركة المصرية،وإما أن تتحول الشركة المصرية إلى تبعية القوات المسلحة مثل الترسانة البحرية وهو ما يضمن للشركة تكلفة أقل لعمرات للسفن.