فى الوقت الذى رحبت فيه بعض دول الخليج بالاتفاق النووى الإيرانى مع الدول الكبرى، استقبلت دول الخليج وزير الخارجية الإيرانى محمد ظريف والذى حمل رسالة مفادها التغيير وفتح صفحة جديدة مع الدول الخليجية، لكن يبقى السؤال هل تتخلى طهران عن سياسة التدخل فى الشأن الداخلى لدول المنطقة وهل ستتوقف عن فتنة السنة والشيعة وهل ستتحاور مع دولة الإمارات لحل مشكلة الجزر الثلاث وهل ستشهد المنطقة جولة قادمة للرئيس الإيرانى إلى دول الخليج للتطمين وللتأكيد على التزام إيران بسياسة إيجابية نحو دول المنطقة؟. كل هذه التساؤلات تجيب عنها الأشهر المقبلة وفقا لما نراه من سياسة إيران الخارجية وعلاقاتها العربية. من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيرانى محمد ظريف أن بلاده تتجه لفتح صفحة علاقات جديدة وآفاق واسعة مع دول الخليج انطلاقا من «النيات الحسنة والجدية التى تتمتع بها هذه الدول». جاءت هذه الكلمات بعد دور إيجابى وحوار غير معلن بين سلطنة عمانوإيران كى تتسع مساحات التفاهم بين إيران والدول العربية وخاصة الخليجية بعد الانفراج والتفاهم الأخير الذى حدث بين واشنطنوطهران. ومنذ أيام استقبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية الإيرانى الذى نقل إليه رسالة شفوية من الرئيس الإيرانى حسن روحانى. تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين وسبل تنميتها وتعزيزها وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. وخاطب ظريف دول مجلس التعاون الخليجى بقوله: «كونوا على ثقة بأن إيران لا تخطو أى خطوة تكون على حساب أى بلد من بلدانكم»، وأن «الاتفاق الدولى المتعلق بالملف النووى الإيرانى جاء لصالح كل المنطقة واستقرارها وأمنها.. ونأمل فى تنفيذ المرحلة الأولى منه للوصول إلى الحلول النهائية». وأضاف «أننا مستعدون للتفاوض مع شركائنا فى أى وقت يرغبون به». وبين ظريف خلال مؤتمر صحفى عقده مع نظيره الكويتى الشيخ صباح الخالد أن «دولة الكويت بسياستها الحكيمة تمتلك علاقات وطيدة مع دول المنطقة وخصوصا مع إيران»، مؤكدا أن «علاقات إيران بجيرانها فى المنطقة من أهم الموضوعات بالنسبة لنا.. وأمن أى بلد فيها من أمننا.. وسعادتها من سعادتنا ومشكلاتها هى مشكلاتنا ومستقبلهم لا ينفصل عن مستقبلنا». وقال: «نحن اليوم نجدد تأكيدنا على فتح إيران صفحة ورؤية جديدة تجاه تعزيز علاقتها مع دول المنطقة، ونتمنى أن تلعب وسائل الإعلام المختلفة فى الجانبين دورا بناء تجاه تعزيز التفاهم بين دول المنطقة». وأكد ظريف أن بلاده تسعى لتوطيد التعاون مع السعودية، مشيرا إلى أنها دولة مهمة ومؤثرة فى المنطقة. وقال: «سوف أذهب للسعودية، ولكن التاريخ لم يحدد بعد. وننظر للسعودية كبلد مهم ومؤثر فى المنطقة ونعمل على تعزيز التعاون معها لصالح المنطقة». وأضاف «العلاقات الإيرانية السعودية متطورة ويمكن تعزيزها من خلال التعاون المشترك، كما نشيد بالخطوات الإيجابية التى شاهدناها من قبل السعودية ونرحب بها». من جانبه أكد وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد أن جميع دول المنطقة تود أن تكون لها علاقات طبيعية فيما بينها، قائمة على أسس من مبادئ القانون الدولى وحسن الجوار. وأضاف «تابعنا باهتمام كبير تصريحات الرئيس الإيرانى الدكتور حسن روحانى بشأن إقامة علاقات تعاون مع دول المنطقة وبشكل خاص مع السعودية.. والمؤشر الإيجابى المتمثل برد خادم الحرمين الشريفين بنفس الإيجابية». وأضاف «جميع دول المنطقة حريصة على وجود تعاون بناء من أجل أمن واستقرار هذه المنطقة»، لافتا إلى أن «دول المنطقة تلتقى بالمصالح والمصير المشترك الذى لا بد من تعزيزه». وأكد الوزير الإيرانى أن العلاقات مع الكويت «تسير بجدية فائقة، وتحظى بأهمية بالغة»، كاشفا عما دار خلال لقائه بأمير الكويت، بقوله «استمعت إلى وجهات نظر قيمة من قبل الشيخ صباح وكذلك من وزير الخارجية من شأنها دعم أمن واستقرار المنطقة.. وأشاطر الأمير ووزير الخارجية الرأى فى هذا الصدد». وقال، إن «اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين تدل على عزم وإرادة البلدين للتواصل المستمر وفتح صفحة جديدة مع الكويت فى شتى المجالات.. فالمنطقة تمر بتحديات مشتركة تتطلب تعاون دولها». وأضاف ظريف أن «طهران قد سمت سفيرا جديدا لها لدى الكويت، وعرض اسمه على الرئيس حسن روحاني، بصدد الدراسة. وبشأن العلاقات مع دولة الإمارات، اعتبر أن زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد إلى طهران تشكل بداية جيدة تجاه تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. قائلا إنها أول زيارة لمسئول من المنطقة إلى طهران بعد توقيع الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن العلاقات بين الجانبين فى تطور، لوجود الوشائج التاريخية والمصالح المشتركة اقتصاديا وتجاريا. وقال، إن «لقاءات الوزير الإماراتى تطرقت إلى قضايا ذات اهتمام مشترك، وسنواصل المشاورات لبحث إزالة سوء الفهم تجاه جميع القضايا وخصوصا موضوع جزيرة أبو موسى». وأضاف «سنتحاور مع الأصدقاء فى الإمارات لحل هذه المشكلة.. فنحن نؤمن بوجوب أن تكون المنطقة مثالا للتعاون وعلاقات حسن الجوار الطيبة القائمة على الندية بين بلدانها». وتمنى ظريف أن يحقق الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة الدول الكبرى (5 + 1) النتيجة المرجوة منه، «على الرغم من أنه لا يحقق كل أهدافنا ولا أهداف الجانب الآخر». وأضاف «نأمل أن تنفذ الاتفاقية كما تم الاتفاق عليها». وأشار إلى أهمية أن «يبدى الطرف المقابل لإيران نياته الحسنة، وأن نشهد إزالة عدم الثقة بين إيران والغرب، لا سيما تجاه الولاياتالمتحدة، لأن حل الموضوع يأتى فى صالح كل دول المنطقة، ونحن لا نرى أنه لن يتم على حساب أى بلد من بلدان المنطقة». وأوضح ظريف أن «الاتفاق الدولى هو برنامج إجراءات وهو بصدد التنفيذ، ولدينا قناعة بأن تنفيذ هذا البرنامج سيؤدى إلى بناء الثقة التى يجب أن تكون بين الطرفين، فالشعب الإيرانى لا يثق بالغرب، وعلى الغرب أن يتخذ خطوات من أجل بناء الثقة مع الشعب الإيرانى». وأكد أن بلاده ستنفذ ما قبلت به، «ولن نسمح بتجاوز الخطوط الحمراء فى احترام من انتخبه الشعب الإيرانى أو أن يملى الآخرون علينا شيئا.. فبرنامجنا النووى أقيم للأغراض السلمية، ولا يهدد أحدا، وإيران تعمل فى مجال التخصيب وفق خطتها المعدة، وهذه الوثيقة اعترفت بالبرنامج الإيرانى». وأضاف: «كل حل يجب أن يشمل إزالة كل أشكال الحظر والعقوبات التى فرضت علينا، وما تم الاتفاق عليه فى جنيف ذكر فى هذا البرنامج ونحن بانتظار أن ينفذ للوصول إلى المرحلة الثانية منه، وهذا الاتفاق لم يمس أيا من دول المنطقة، ونحن نتطلع إلى أن يكون بداية الحل بشأن برنامج إيران النووى». وحول الشأن السورى وتعليقا على الأنباء المتواترة حول وساطة إيرانية بين سورياوتركيا، قال ظريف إن «القرار النهائى بخصوص ذلك يجب أن يتخذه الشعب السورى، ونحن ندعو جميع الأطراف المؤثرة على الداخل السورى إلى لعب دورها من أجل إنهاء الوضع المؤسف داخل سوريا والاتجاه نحو الحل والحوار السياسى باعتباره ضرورة ملحة لا مفر منها». وأشار إلى أن «الخيار السياسى هو الحل للأزمة السورية، أما الحديث عن خيار عسكرى فهو مجرد وهم، ونحن ندعو جميع الأطراف المتنازعة داخل سوريا إلى العمل لتشجيع بعضها نحو الخوض فى الحل السياسي، لأن التطرف والفتنة الطائفية لا يقتصران على سوريا وإنما تؤثر على جميع بلدان المنطقة بما فيها تركيا». وفيما يتعلق بمشاركة إيران فى مؤتمر «جنيف 2»، أوضح ظريف أن إيران ستحضر مؤتمر «جنيف 2» إذا وجهت لها الدعوة، لكنها لا تقبل أن يفرض عليها أى شرط لحضور هذا الاجتماع، وأشار نحن نعتقد أن حضور إيران سيساعد على إيجاد الحلول والتسوية فى الأزمة السورية ونحن على أتم الاستعداد لذلك.