يبدو أن قطار الربيع العربى لن يكتفى بالتوقف فى محطات الدول العربية فقط، إذ تجاوز تلك الدول، وانتقل لدول آسيوية وأوروبية، فمن تايلاند إلى أوكرانيا اندلعت مؤخرا مظاهرات واحتجاجات وأعمال عنف، ربما تنوعت أسبابها، لكن يبقى هدفها فى النهاية تغيير النظام القائم. ففى تايلاند، اشتعلت الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة منذ أكثر من عشرة أيام للمطالبة باستقالة الحكومة، ولم يقتصرالأمر على المظاهرات والاحتجاجات، إذ نجح المحتجون فى اقتحام وزارتى الخارجية والمالية، وحاولوا اقتحام مقر الحكومة، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 4 من المتظاهرين حتى الآن، ورغم تصاعد الأحداث، إلا أن رئيسة الوزراء التايلاندية «يانجلوك شيناوترا» رفضت الاستجابة لدعوات المتظاهرين التى طالبتها بالاستقالة. وقد تعددت التحليلات السياسية للأزمة فى تايلاند، فذكرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أن الاحتجاجات المعارضة للحكومة ببانكوك مؤشر على أن البلاد فى طريق خاطىء، لأنها تعيش استقطابا كبيرا، الأغنياء ضد الفقراء، وسكان الحضر ضد سكان الريف، وأضافت الصحيفة أنه إذا استمرت الأمور على ما هى عليه، فإن تايلاند وعرشها سينتهى بها الحال مثل نيبال، فقد أدى تزمت الملكية إلى اتحاد أغلبية السكان خلف المتمردين الشيوعيين الذين استولوا على السلطة فى النهاية، ورأت الصحيفة أن رئيس الوزراء السابق وشقيق رئيسة الوزراء الحالية «تاكسين شيناوترا» الذى تتهمه المعارضة بالفساد يحتمل أن يعود للسلطة إذا نظمت انتخابات، لأن حزبه فاز فى جميع الانتخابات التى نُظمت من قبل، ولذلك فإن المعارضة تريد طريقا ثالثا لحل الأزمة لا تمر عبر الانتخابات، وهى استقالة الحكومة الحالية وتشكيل مجلس شعبى غير منتخب أو منتخب بطريقة غير مباشرة لتسيير شئون البلاد. أما صحيفة «فرانكفورتر روندشاو» الألمانية فرأت أن الاحتجاجات المناوئة للحكومة التى تشهدها تايلاند منذ عدة أيام جعلت المعارضة تطل برأسها مرة أخرى، معتبرة أن المعارضة ستقوم بكل ما فى وسعها لاستغلال هذه الظروف والإطاحة برئيسة الوزراء. ومن تايلاند إلى أوكرانيا، لم تختلف الأحداث كثيرا، فالمظاهرات والاحتجاجات كانتا الوسيلة التى استخدمها أكثر من 300 ألف من الشعب الأوكرانى للمطالبة باستقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحكومته، ورغم قرار السلطات الأوكرانية حظر المظاهرات حتى السابع من الشهر المقبل، إلا أن هذا لم يؤد لتوقف المظاهرات، وكانت الاحتجاجات قد اندلعت بعدما بدلت السلطات الأوكرانية موقفها، فعلقت توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبى للتقرب أكثر من روسيا. وفى سياق تحليلها للوضع فى أوكرانيا ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن الشباب الأوكرانى يرى أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى يمثل العصرية والشفافية والحياة السياسية والهروب من الماضى الخانق والتحرر من هيمنة روسيا على مقدراتهم، وأضافت أنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من مجتمع الشباب العالمى وأن بإمكان دولتهم أن تكون دولة مستقلة وحديثة ومزدهرة داخل أوروبا. أما صحيفة «الاندبندنت» البريطانية فاعتبرت المظاهرات الحاشدة فى أوكرانيا أقرب إلى ثورة سلمية أخرى كتلك التى قامت قبل تسع سنوات وأطلق عليها الثورة البرتقالية، وأشارت الصحيفة إلى قول وزير الداخلية السابق والسجين السياسى «يورى لوتيسينكو» أحد قيادات الثورة البرتقالية عام 2004، «خطتنا واضحة، فهى ليست مظاهرة وليست ردة فعل بل هى ثورة». وفى ذات السياق ذكرت صحيفة «لا ليبر بلجيك» البلجيكية أن النظام القائم فى أوكرانيا أصبح مستهدفا بشكل مباشر من الحركة الاحتجاجية، والتى يطالب زعماؤها برحيل الرئيس. وكتبت صحيفة «لوطون» السويسرية أن أجواء الثورة تسود «كييف» فى وقت تسير فيه الحركة الاحتجاجية نحو مزيد من التطرف فى بلد يتمزق بين خيار التوجه نحو روسيا أو اختيار الوجهة الأوروبية، وأضافت الصحيفة أن من نزلوا للشوارع، والذين بلغ عددهم أكثر من 200 ألف شخص، من أجل المطالبة برحيل الرئيس يتجاوز بكثير ما يمكن أن تحشده الأحزاب السياسية من أنصار ومتعاطفين، وأشارت إلى أن الاحتجاجات أصبحت عنفا وتطرفا، مضيفة أن ضراوة الاحتجاجات وتزايد حدة الضغط الغربى قد يقرب موعد رحيل رئيس الدولة عن منصبه. أما صحيفة « فرانكفورتر الجمانيه تسايتونج» الألمانية فرأت أنه يتعين على أوكرانيا ودول أوروبية أخرى كمولدوفا وجورجيا وآرمينيا أن تأخذ مسافة كبيرة من نفوذ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وتتجه نحو الاتحاد الأوروبى، ليس فقط بفضل قوته الاقتصادية، بل حتى من حيث دعمه المالى وتعامله المتحضر.