أكد الدكتور ناجح إبراهيم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، أن نشأة الفكر التكفيرى فى مصر كانت من خلال تنظيم «التوحيد والجهاد» فى سيناء، مشيرًا إلى أن الفوضى الأمنية التى شهدتها البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير، كانت سبباً رئيسيا فى تعاظم ونشاط جماعات هذا الفكر خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى. وأشار إبراهيم إلى أن الأمية والجهل هما أبرز صفات أصحاب هذا الفكر.. وبالتالى فعقليتهم يسهل استقطابها، مشيراً إلى أن قائد العمليات الإرهابية ضد الجيش والشرطة فى سيناء «فراش مدرسة». وعن كيفية مواجهة هذا الفكر وآليات عمله وعلاقته بتجار السلاح والمخدرات تحدث د.ناجح إبراهيم ل «أكتوبر» فى السطور القادمة. * بداية كيف نشأ الإرهاب فى مصر؟ ** أول نشأة للفكر التكفيرى فى سيناء كانت من خلال تنظيم «التوحيد والجهاد» والذى أنشأه طبيب أسنان يدعى «خالد مساعد»، وكانت أول عملية له «الميزان» فى ميزان لتحصيل الرسوم فى سيناء فقاموا بالاستيلاء على الأموال باغتيال أمين شرطة من أجل تمويل صناعة السيارات المفخخة لضرب بعض المنتجعات التى يفد إليها السائحون اليهود، كرد فعل على حصار القوات الإسرائيلية لخان يونس وقصف أهلها بالمدفعية والطائرات ثم تطورت الفكرة لتفكير بعض العادات القبلية وتكفير جنود الشرطة ثم تطور العداء فى هذه اللحظة إلى الجيش بخلاف تكفيرهم من قبل للحاكم والحكومة والبرلمان، وكل مايتعلق بأجهزة الدولة وفى إطار ذلك فقد قاموا بعمليات إرهابية فى طابا ودهب و فى قرى سياحية أخرى تسببت فى مقتل بعض السائحين لكنها أيضاً تسببت فى مقتل عشرات الشباب المسلمين الذين كانوا يعملون فى هذه القرى. وهنا يجب أن نتوقف عند عدة أمور أولها قتل المسلمين بدم بارد عند هؤلاء التكفيريين و الأمر الثانى وهو الأخطر أن التكفير يتبع التفجير وكلاهما يرتبط بالآخر فالتفكير قتل معنوى للمسلم بإخراجه عن دينه والتفجير قتل مادى يعقب القتل المعنوى، الأمر الثالث هو أن التكفير يسلب حق القضاة فى حكمهم على الناس فهو يتخذ هذا الحق فى أن يكفر هذا ويخرج ذلك عن ملته على الرغم من أنه لايكون قد قرأ كتابين فى الدين كى يفقه نفسه ويستطيع من خلالهما إصدار الحكم على الناس وقد يكون غير ملم بالقراءة والكتابة، فليست مهمته الحكم على الناس فنحن دعاة ولسنا قضاة ثم يقوم بعد سلب حق القاضى فى الحكم بسلب حق الدولة فى تنفيذ الحكم وبالتالى يقتل من يشاء.. الأمر الرابع أنه يسلب حق الله فى إدخال هولاء الأشخاص إلى النار وإدخال نفسه الجنة وكأنه يمسك بيده مفاتيح الجنة يدخل من يشاء ويخرج من يشاء. وأضاف: الكارثة الكبرى الآن هى أن التكفيرى فى سيناء يكفر الجيش كله والذى يتجاوز عددهم مئات الآلاف، فمن غير الممكن أن يكون هناك آلاف الأشخاص على شاكلة واحدة فى الخير والشر والاصلاح والفساد، فالأسرة الواحدة المكونة من أربعة أشخاص تتباين فيما بينها فكيف يحدث ذلك فى الأعداد الكبيرة فمشكلة التكفيرى فى تعميم الأحكام فلايوجد اثنان يجمعهما حكم واحد. * لماذا تحول العداء إلى الجيش المصرى؟ ** الفكر التكفيرى عموماً كما قال الرسول ? «يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان» فمنذ أيام الخوارج فالتكفيريون قتلوا سيدنا «على بن أبى طالب». ولم يدركوا أو يعقلوا كيف نقتل هذا الرجل الطاهر ابن عم الرسول «? وكنز العلم وأساس الجهاد والبذل والعطاء كل ذلك ولم يسألوا أنفسهم كيف قتلوه وكذلك محاولة قتل سيدنا «عمرو بن العاص» ولم يسألوا أنفسهم أن « عمرو بن العاص» هو سبب هداية الشعب المصرى وفتح مصر وكانوا يريدون قتل «معاوية بن أبى سفيان» الذى أراد إقامة الدولة الأموية العظيمة، وفى العصر الحديث قتل الشيخ الذهبى وكان رجلاً صالحا ومؤمنا والعالم فى تفسير القرآن خلال إصابته بطلقة فى عينه اليسرى. فنجد من خلال ذلك أن التفجيرات العشوائية فى كل بلاد المسلمين فى العراق ومصر والأردن والرياض والجزائر معظم القتلى والجرحى من المسلمين خاصة المدنيين ولاتوجد أى عملية واحدة ضد إسرائيل إلا العملية الأخيرة والتى فشلوا فيها بعد قيامها باستهدافهم قبل وصول حدودها. * لماذا انتشر الفكر التكفيرى بعد ثورة 25 يناير؟ ** بعد ثوره 25 يناير وقع العديد من المتغيرات أبرزها الفوضى الأمنية العارمة ودخول جزء كبير من سلاح الجيش الليبى مهرب إلى مصر، ماجعل سيناء دولة منفصلة عن مصر على الأقل من الناحية الأمنية وقدمت إليها المئات من الجماعات التكفيرية المتطرفة والمجموعات المسلحة من غزة وليبيا وأفغانستان ووجدت هذه الجماعات من سيناء بيئة ملائمة لمزاولة نشاطها ثم ذهبوا إلى غزة وتلقوا التدريبات وساعدتهم الأنفاق فى حرية الانتقال فكلما ضاقت عليهم الأمور فى غزه جاءوا إلى مصر وكلما ضاقت عليهم الأمور فى مصر ذهبوا إلى غزة وكل ذلك فى ظل انتشار فوضى المال السياسى والخطاب الدينى المتشدد وغياب فكر الإسلام الوسطى وانشغال كل دعاة الوسطية بالحراك السياسى و غياب الدعوة الحقيقية و أعتقد أن كل هذه الأسباب ساهمت إلى حد كبير فىذلك وأنهم يريدون أن تصبح سيناء مثل «بيشاور» بحيث ينطلقون منها إلى هنا وإلى هناك. * ما تأثير عزل الدكتور محمد مرسى على هذه الظاهرة؟ ** اتخذ هؤلاء الإرهابيون حجة عزل الدكتور محمد مرسى لمناصبة العداء للجيش المصرى حتى إنهم اتخذوه العدو الرئيسى لهم الآن، فتجدهم يقتلون أى فرد من أفراد القوات المسلحة والشرطة دون تحقيق أى مصلحة، فالفكر التكفيرى يظن أن القتل فى حد ذاته مصلحة لابد من تحقيقها، وتوجد أزمة أخرى لدى التكفيريين أن الأصل لديهم هو إراقة الدماء عكس ما يقول الإسلام تمامًا أن الأصل من أحيا نفس فكأنه أحيا الناس جميعًا و الأمر الآخر أن الأصل فى الدماء العصمة ولا تزول هذه العصمة إلا بدليل واضح كشمس النهار أما التكفيرى يقول إن الأصل فى دماء الناس الإهدار لذلك فهو يهدر دماء الكثير ولذلك نجد أنه يهدر دماء إعلاميين وسياسيين وقيادات عسكرية وشرطية وأزهريين دون أن يشعر بأى تأنيب ضمير بعد إهدار دمائهم. * هل ما حدث فى 30 يونيو له علاقة بما يحدث الآن؟ ** الأعمال الإرهابية زادت بعد 30 يونيو وكان عزل الدكتور مرسى فرصة سانحة لضرب القوات المسلحة والشرطة بحجة عزل مرسى على الرغم أنها كانت تكفر جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم والدكتور مرسى وكافة الأحزاب الإسلامية التى كانت تؤمن بالديمقراطية والتغيير السلمى ولكن حدث تحالف بين هذه الجماعات والأحزاب الإسلامية مثل جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية على الرغم من أن الإخوان أضيروا من هذه التحالفات وكان الشيخ الهضيبى الأب يخدو من التحالفات مع الجماعات المتطرفة وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ الهضيبى والشيخ عمر التلمسانى ولكن حدث هذا الخطأ الكبير فى الفترة الأخيرة واثناء تولى جماعة الإخوان الحكم بعد ثورة 25 يناير والذى أساء كثيرًا إلى الإخوان وجعل الأعمال التى يرتكبونها تنسب بحق أو باطل بالإخوان وأعتقد لو أنهم رفعوا الغطاء السياسى عن هذه الجماعات لكان أفضل لهم حتى وأن كان لهم خلاف مع المجلس العسكرى الذى كان يحكم حينذاك. * ولكن الإخوان استخدموا هؤلاء الجماعات فى أعمال كثيرة؟ ** أعتقد أن فصائل غزاوية قامت بدعم هذه الجماعات المتطرفة من أجل حشدهم ضد القوات المسلحة أثناء هذه الفترة. * كيف تفسر إرتباط هذه الجماعات بتجار السلاح والمخدرات؟ ** هذه الجماعات التكفيرية الحاملة للسلاح تحتاج فى أغلب الأحيان إلى الأسلحة وإلى مأوى وقوة بشرية بالإضافة إلى التدريب وما إلى ذلك، هذه العناصر مهمة جدًا بالنسبة للجماعات التكفيرية وبالتالى من الصعب إيجادها إلا لدى تجار السلاح والمخدرات وبالتالى فيهم يستعينون بهؤلاء الخارجين بتحقيق أهدافهم. * هل الظروف الاقتصادية والاجتماعية تساهم فى نشأة هذه البؤر؟ ** الفكر التكفيرى أولى سماته أنه إقصائى فالاختلاف بينهم حق وباطل، كفر وإيمان ولا يوجد بينهم حلول وسط، الأمر الثانى أن هذا الفكر يتسم أيضا بالغباء والجفاء والفوضوية لذلك الرسول? قال «إن من سكن البارية جفاء» فالخوارج الأوائل كانوا من أهل البرية فلم يكن أحد منهم فى المدينة أو مكة لذلك ذهب إليهم عبد الله بن عباس فى باديتهم وعاد بحوالى عشرة آلاف منهم تركوا هذا الفكر وسيدنا «على» رضى الله عنه قال حاججهم بالسنة ولا تحاججهم بالقرآن وبالتالى تجد معظهم غير متعلمين أو الغالبية العظمى منهم لذلك يكثر هذا الفكر التكفيرى فى سيناء وفى بعض المناطق فى مطروح وقد تجدهم أيضا بين الصيادين فى الفيوم غير المتعلمين وقد تجد منهم بعض الضباط الذين فصلوا من الخدمة ولديه حمية كبيرة جدًا وليس لديه علم فلا يجد إلا فى الفكر التكفيرى المأوى ويعتقد أن هذا الفكر هو الحق، والكارثة الأخرى فى الفكر التكفيرى أنه «انشطارى» مثل القنبلة الإنشطارية لذلك تجد أن معظم القيادات التكفيرية فى سيناء من غير المتعلمين وقائد العمليات الإرهابية فى سيناء فراش مدرسة، فهم كانوا يكفرون هذا وكانوا يرون أن عدد المسلمين فى العالم قليل جدًا. * معنى كلامك أن الحل الأمنى ليس كافيًا لمعالجة هذه البؤر؟ ** الحل الأمنى يعالج فقط اليد التى تقوم بالضغط على الزناد ويقبض على البندقية لكن طالما أن الفكر موجود ستستمر العمليات الإرهابية مرة أخرى فالمهم هو العقل الذى يأمر بالضغط على الزناد لذلك فالفكر مهم جدًا وضرورة وقاية الشباب من هذه الأفكار المتطرفة. * ماهو الحل؟ ** من لديه الفكر المنحرف لابد أن يعالج فكريًا ومن يحمل السلاح فله سيف القانون. * أين دور الدعاة والدولة؟ ** ليس هناك دعاة الآن فى مصر وكل الدعوات الآن هى دعوات سياسية وحزبية فقط تدعوك إلى نصرة فريق من المتصارعين السياسيين، ولكن أن تدعوك إلى الهداية والصلاح فهذا منعدم تمامًا، فالدعوات بعد 25 يناير تحولت إلى دعوات تنظيمية وحزبية فقط. وعلى الدولة دور كبير فى تنمية هذه المناطق والاهتمام بالتعليم وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. * كيف يمكن منع تكوين تلك الظواهر والبؤر الإرهابية؟ ** أولا:ً أن نعيد الدعوة إلى سياقها الطبيعى بأن تكون دعوة إلى الله وليس إلى أشخاص أو أحزاب أو كيانات. ثانيا: أن نقول للناس جميعًا وأولهم الحركات الإسلامية إننا دعاة ولسنا قضاة، نحن دعاة ولسنا قتلة، ونحن دعاة لا ولاة نطبق الأحكام على الناس ونحن عبيد لا آلهة. ثالثًا: مصالحة سياسية شاملة تجعل الأوضاع تستقر إلى حد ما. رابعًا: أن يعود للناس الأمن والأمان والاستقرار وبالتالى ينتعش الاقتصاد ويجد الشباب فرص عمل حقيقية. خامسًا: القضاء على الجهل حتى لا تتولد الأفكار المتطرفة وينحرف الشباب إلى هذه الجماعات التكفيرية. سادسًا: نبدأ العمل فنحن أمة تتكلم فقط دون أن تعمل وتتصارع على المناصب أكثر مما نعطى لنحصل على هذه المناصب، كما أننا أمة الاستقطاب السياسى فنحن كلما حكم فصيل أقصى الآخر و لا نستفيد من دروس الماضى.