سياسات مكافحة الفساد منذ إندلاع ثورة 25 يناير أدت إلى استفحاله وارتدائه ثيابًا جديدة أكثر خطورة فى تأثيرها على مقدرات الاقتصاد المصرى، فى مقابل انخفاض معدلات الاستثمار بشكل يدق معه خبراء الاقتصاد ناقوس الخطر، وجاء ذلك نتيجة لسياسات الأيادى المرتعشة والتردد فى اتخاذ القرار الاقتصادى فى وقت يكاد يكون الوضع فيه الأكثر إلحاحًا للتحلى بالجرأة والشجاعة فى اتخاذ القرار لمواجهة الكثير من العقبات الاقتصادية التى الأوضاع السياسة والأمنية المضطربة، هذا ما أكده الخبراء خلال الندوة التى عقدها مؤخرًا المركز المصرى للدراسات الاقتصادية حول آليات مواجهة سياسات الأيادى المرتعشة وما تمثله من تهديد بالغ الخطورة على الاقتصاد المصرى، وجاءت المطالبة بالمحاكمات السياسية ووضع خطوط واضحة للمسئولين للحرية فى اتخاذ القرار فى مقدمة الآليات التى طرحت لمواجهة تلك الأوضاع. بداية كشف د. هانى سرى الدين رئيس هيئة سوق المال الأسبق أن الآليات التى تتخذها الحكومات المتعاقبة لمحاربة الفساد تتصف التردد وعدم الاتساق والافتقاد إلى الحزم والخلفية القانونية السليمة مما جعلها تسير فى الاتجاه الخاطئ وهو ما كان محصلته زيادة معدلات الفساد وتفشيه بشكل غير مسبوق صاحبة أيضًا انخفاض غير مسبوق فى معدلات الاستثمار وهو ما ينذر بتآكل بنية الاقتصاد المصرى. وأرجع د. سرى الدين ظاهرة الأيادى المرتعشة والتردد فى اتخاذ القرار إلى العديد من الثغرات القانونية وضغوط الرأى العام من خلال آلة الإعلام واستجابة الجهات المعنية للمطلب الشعبى بمحاسبة رموز الفساد منذ 25 يناير وبعد رحيل الإخوان، موضحًا أن الثغرات القانونية تتمثل فى عدم وجود إطار تشريعى منضبط للمحاسبة على جرائم الفساد السياسى ومن ثم تم الارتكان إلى قانون العقوبات خاصة العدوان على المال العام وعلى الأخص المادتين 115، 116، ولذا كانت إحالة هذه الجرائم إلى المحاكم الجنائية دون توفر الأدلة التى تكفى لإثبات الإدانة، وأضاف أن ذلك أدى إلى توجيه تهم العدوان على المال بشأن منازعات تعاقدية مشيرًا إلى أن هذا التوجه يتعارض مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومنها معاهدات وقعت عليها مصر والتى تحظر المسئولية الجنائية بشأن منازعات ناشئة عن تنفيذ عقود أبرمت صحيحة وفقًا لأحكام القوانين السارية ومن ثم جاء إخرج المنازعات التعاقدية المرتبطة بالمعاملات التجارية والمدنية من إطارها الطبيعى وضعها فى دائرة القانون الجنائى. وطالب د. هانى سرى الدين بتفعيل مجموعة الآليات العاجلة على المستوى التشريعى والإدارى والتنظيمى لمواجهة ظاهرة الأيدى المرتعشة فى اتخاذ القرار الاقتصادى بمصر، محذرًا من التباطؤ فى التعاطى مع هذه الظاهرة. وأكد أن التردد فى اتخاذ القرار الاقتصادى علاجه فى ضوء الخبرة الدولية مواجهة الفساد الذى تم بعد 25 يناير، وإحالة الجميع إلى المحاكمات والتحقيقات، مشيرا إلى ارتفاع معدلات الفساد خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير. وكشف سرى الدين أننا بحاجة لإعادة النظر فى تمثيل مصر أمام هيئات التحكيم الدولية وتشكيل لجنة وزارية قانونية لتقييم الموقف القانونى للقضايا المرفوعة من وضد الحكومة المصرية، لافتا إلى ضرورة تعديل المواد الخاصة بقانون العقوبات والتربح والإضرار بالمال العام، بالإضافة إلى إنشاء نص جديد يحول دون معاقبة الموظف العام بشأن التربح أو الإضرار بالمال العام ما لم يكن سلوكا مقرونا بالرشوة. ولفت إلى ضرورة تغليظ العقوبات على جرائم البلاغ الكاذب المتصل بجرائم العدوان على المال العام بجانب تكليف الوزارات المعنية وخاصة الزراعة والبترول والإسكان بتنقيح لوائحها ونظم العمل بها ما يشوبها من فساد، مشيرا إلى أهمية إعادة النظر فى طرق آليات الأجهزة الرقابية وبخاصة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات مع تحديد أهدافها وطرق تقييم أدائها إلى جانب تفعيل مشاركة ممثلى تلك الجهات فى أى تعديلات تشريعية تتعلق بالمسئولية والمحاسبة الإدارية. عدم استقرار السياسات الحكومية والتردد فى اتخاذ القرار يأتى فى الترتيب الثالث كأهم المعوقات التى تواجه المستثمرين فى مصر فيما تحتل الاضرابات السياسية وضعف الأوضاع الأمنية المركزين الأول والثانى، هذا ما أكدته د. أمنية حلمى المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية. واشارت إلى أن مظاهر التردد فى اتخاذ القرارات الاقتصادية تتمثل فى صعوبة إنفاذ العقود واستخراج تراخيص البناء ودفع الضرائب وتسوية حالات الافلاس وإدخال الكهرباء وتسجيل الملكية، موضحة أنه يوجد نحو 2 مليون عقار فى مصر تنتظر التسجيل بعد ثورة 25 يناير، نظرًا لكثرة وتعقد اجراءات التسجيل التى تصل إلى نحو 27 إجراء قبل الترخيص و17 بعد الترخيص. ومن جانبه حذر د. عبد العزيز حجازى وزير الاقتصاد الأسبق من خطورة الانجراف وراء توجهات الكثيرين ممن تطالعنا بهم وسائل الإعلام، كما عبر عن استشعاره مخاطر الحملات التى تشن على الحكومة الراهنة موضحًا أن ذلك من شأنه أن يلقى بالدولة المصرية نحو مزيد من حالة عدم الاستقرار الذى لا تحمد عقباه. ومن وجهة نظره يتطلب الوضع الراهن طرح قضايا منع الفساد للنقاش الجاد حتى يمكن صياغة أدوات فاعلة لمنع الفساد قبل وبعد وأثناء تنفيذ المشروع.