هاجم عدد من رجال القانون والخبراء السياسيين ورؤساء أحزاب مشروع قانون «حسن النية» الذى ادعت الحكومة أنه يشجع المسئولين والوزراء على إصدار القرارات دون الخوف من المساءلة القانونية ووقف «الأيادى المرتعشة» لأصحاب القرار الذى من شأنه دفع عجلة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، بينما يرى المعارضون للقانون أنه تقنين للفساء ويمنح المسئولين والوزراء «صك غفران» لاخطائهم وأنه يجب مساءلة ومحاسبة أى مسئول يخالف القانون ويتضمن مشروع قانون حسن النية مواد تطالب بعدم محاسبة المسئول عن قرارات من شأنها تحسين أداء العمل حتى لو جانبه الصواب مادام حسن النية لدفع العمل إلى النجاح. فى البداية هاجم الدكتور خالد علم الدين مستشار رئيس الجمهورية السابق والقيادى بحزب النور مشروع القانون قائلاً: « لايجوز أن تكون الحكومة هى التى تضع القوانين وتشرعها لتصب فى مصلحتها فى النهاية. فمن غير المعقول أن تكون المشرع والمستفيد فى ذات الوقت». وأضاف علم الدين أن وظيفة الحكومة الحالية باعتبارها حكومة مؤقتة هى تسيير حياة المواطنين التى «يرثى لها» فى ظل المعاناة الشديدة من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد والتى أدت إلى تصاعد عدد من الأزمات مثل أسطوانة البوتاجاز وغيرها، بدلاً من الانشغال بإصدار تشريعات، مشيراً إلى أن إصدار القوانين وتشريعها منوط بها فى الأصل مجلس الشعب وليس الحكومة وبالتالى يجب عليها رعاية مصالح المواطنين حتى يتم تسليم السلطة إلى حكومة جديدة ومجلس شعب جديد. وشدد علم الدين على أن كل التشريعات التى تصدر عن الحكومة الحالية باطلة ولايوجد شبيه لهذا القانون على مستوى العالم، مضيفاً أن القانون يرفع المسئولية عن المسئولين والوزراء ويساعد على الفساد داخل مؤسسات الدولة. بدوره يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه ليس من المناسب إصدار مثل هذه القوانين فى الوقت الراهن، فالحكومة الحالية تزيد من مشاكلها من خلال مناقشة هذه القوانين لأن هناك العديد من الأزمات التى يجب أن تنشغل الحكومة بحلها بدلاً من التفرغ لإصدار القوانين. وأضاف أن هذا القانون قد يستغله بعض المسئولين فى ارتكاب جرائم فساد وخاصة أن الحكومة الحالية هى حكومة مؤقتة. وتساءل ربيع عن المستفيد من هذه القوانين:هل الحكومة الحالية؟ أم الحكومة القادمة؟ ومن سيحمى ذلك القانون؟ كبار المسئولين والوزراء؟ أم جميع المسئولين؟ مضيفاً أن هذا يفتح الباب للفساد دون قصد فى الوقت الراهن. الكوميديا السوداء من جانبه قال الدكتور عفت السادات رئيس حزب السادات الديمقراطى إن الحزب يرفض مشروع القانون الذى يشبه الكوميديا السوداء. مطالباً كل مسئول أو وزير أن يتحمل مسئولية اتخاذ قراره وأن يكون لديه رؤية واضحة فى مجال عمله. وأشار السادات إلى أن مصطلح «الأيدى المرتعشة» عبثى لأنه يجب على كل مسئول أن يعلم جيداً ما هو مقبل عليه خاصة فى تلك الفترة التى تمر بها البلاد. وأوضح أن القانون يعطى إيحاء للناس بتقنين الفساد وهذا كلام مرفوض بالمرة والأولى بالحكومة أن تهتم بقضايا المواطنين. القانون لايعرف النوايا وأكد الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة عين شمس أن القانون لايتعامل مع النوايا مشيراً إلى أن القاضى وحده هو الذى يستطيع أن يستخلص النوايا بالنسبة للمتهم وبالتالى لايجوز إصدار مثل هذا القانون إطلاقاً. وأضاف بطيخ أن القانون غير دستورى ولا يوجد مماثل له على مستوى العالم، لافتا إلى أن القانون يخل بمنطق المسئولية التى تقع على عاتق المسئول وبالتالى عدم محاسبة الموظف العام على ارتكاب الأخطاء. ويرى المستشار فايد النجار رئيس محكمة جنوبالقاهرة الأسبق أن قانون حسن النية عبارة عن تقنين للفساد وإجرام الوزراء وكبار المسئولين فالنية أمر باطن داخلى لا يعلمه إلا الله «سبحانه وتعالى» وبالتالى فهو تقييد لحرية القاضى الجنائى «بالأخص» فى تكوين عقيدته فى الدعوى المعروضة عليه حيث يكلف النيابة العامة باعتبارها جهة الإدعاء عبء إثبات سوء النية بالنسبة للمدعى عليه أو المتهم وهذا أمر باطنى وبالتالى فهو عبء جديد على النيابة العامة والمجنى عليه وإباحة للأعمال الإجرامية للمسئوولين والوزراء. وأوضح النجار أنه من المفترض أن يتمتع المواطن بحسن النية وليس الوزير أو المسئول خاصة وأن الأخير يعد محميًا بسلطات وظيفته واختصاصاته التى منحها له القانون وبالتالى فهو مطالب بضبط النفس من منطلق مسئوليته عندما يتعرض للإيذاء أو المواجهة.. ففى حالة افتراض حسن النية للمسئول فهذا يدفعه إلى ارتكاب الأعمال الإجرامية ضد المواطنين وهذا القانون ينفي عنه المسئولية وليس الهدف منها مساعدة الحكومة على اتخاذ القرارات بعد وصفها ب «المرتعشة» بل هو تقنين للفساد. براءة القاتل وكشف رئيس محكمة جنوبالقاهرة الأسبق أن قانون حسن النية يفتح باباً كبيراً لبراءة كل قاتل وفى ظل وجوده لن يدان أى مسئول وخاصة فى الأعمال الجنائية ويكون قاعدة أن الأصل فى الوزراء حسن النية وبالتالى يقع على المواطن وإثبات سوء النية ويخالف المبادئ الدستورية المستقرة فى دستور 71 و 2011 وبالتالى لابد من وضع مادة مفسرة له فى دستور 2013.مضيفًا أنه يخالف مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة أفراد الشعب لأنه يحمى النظام دون المواطن ويساعد على الفساد. وأشار النجار إلى أن القانون سيقضى بعدم دستوريته فى أول طعن يقدم ضده. وكان وزير الاستثمار أسامة صالح المنوط بإعداد القانون قد كشف أن القانون للفصل بين الأخطاء الإدارية والجنائية لكل المسئولين نافيًا أن يكون هدفه تحصين الوزراء، وأضاف صالح فى تصريحاته على هامش مؤتمر اليورو أن القانون يهدف إلى تشجيع متخذ القرار حتى لا يقلق من المحاسبة مشيرًا إلى أن القانون من شأنه تحسين مناخ الاستثمار فى مصر، لافتًا إلى أنه فى العديد من الحالات كان يتم اتهام المسئولين ببعض التهم وإلصاقها بهم ثم تظهر براءتهم الأمر الذى يشعر المستثمر الوافد إلى مصر بعدم الاطمئنان.