عاد الحديث بقوة عن خطر الميليشيات المسلحة فى ليبيا، ولم يعد الليبيون يخفون فزعهم ولا يستبعدون أسوأ الاحتمالات، وبعد أن زاد ضعف الدولة مقابل تنامى قوة الميليشيات، وتنامى النزاعات الانفصالية، أصبح من المؤكد أن فترة الهدوء الملغوم التى استمرت أكثر من عامين أوشكت على الانتهاء، ونهايتها الحتمية لن تمر بلا تضحيات. فلم يعد من خيارات سوى أن تعزز الحكومة بالتعاون مع البرلمان سلطاتها، وأن تجد حلًا متوافقًا عليه لمسألة الميليشيات. فغالبية الشعب الليبى يرغب فى الخلاص من هذا الوضع المأساوى، وتجلت تلك الرغبة فى الدعوات للتظاهر سلميًا فى أكثر من مدينة للدفاع عن حياة آمنة لا توجد فيها ميليشيات، ولا يأكل فيها القوى الضعيف. حصار موانئ النفط بعد تردد وانتظار لأسابيع قررت الحكومة الليبية اعتماد لهجة حازمة ضد المسلحين الذين يحاصرون موانئ النفط شرق البلاد ويمنعون تصديره. وفى مؤتمر صحفى بطرابلس عقده د. على زيدان رئيس الحكومة الأحد الماضى أكد أن حكومته أمهلت المجموعات المسلحة 10أيام- تنتهى بعد غد الثلاثاء - للانسحاب من موانئ التصدير التى تسيطر عليها. كما أكد زيدان أن الحكومة ستمارس مهامها بما تملكه من إمكانيات فى حال عدم قيام تلك المجموعات بفك الحصار. وقال: «لن نقبل بعد اليوم أن تنتهك سيادة الدولة نتيجة أوهام سياسية أو مطالب جهوية». وأشار زيدان إلى أن حكومته استلمت تقريرًا من لجنة الأزمة فى المؤتمر الوطنى العام - البرلمان - يفوضها فى التعامل مع إغلاق الموانئ النفطية. وحذر من أن الدولة لن تكون لها موازنة العام المقبل، إذا استمر توقف صادرات النفط. وفى هذا السياق أكد مصدر بميناء «الحريقة» فى شرق ليبيا أن محتجين منعوا ناقلة متجهة إلى إيطاليا من تحميل 600 ألف برميل من النفط الخام فى الميناء الذى يشهد إضرابًا منذ أكثر من شهرين. وأضاف المصدر أن الميناء لن يقوم بتحميل أية ناقلة فى المستقبل ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع القبائل المنخرطة فى هذه الاحتجاجات. قانون لسحب الشرعية ووسط حالة من الغضب الشعبى بسبب الاشتباكات التى شهدتها العاصمة طرابلس مؤخرًا، وتسببت فى حالة من الذعر لسكان المدينة، حمل نواب مدينة طرابلس بالمؤتمر الوطنى العام كلا من الحكومة وغرفة عمليات ثوار ليبيا المسئولية الكاملة عن الأحداث التى شهدتها مدينة طرابلس. ودعا الأعضاء فى بيان لهم المؤتمر إلى إصدار قانون تسحب بموجبه الشرعية من كل تشكيل مسلح مهما كانت تسميته لا ينضوى تحت وزارتى الدفاع والداخلية وفقًا للإجراءات والمعايير التى تحددها رئاسة الأركان وتحت إشرافها مباشرة. وأكد د. على زيدان أن الاشتباكات التى شهدتها طرابلس ترجع لانتشار السلاح الذى نهب من مخازن الدولة واحتفظت به القبائل والمدن وترفض تسليمه. ورأى رئيس الحكومة أن «الثورة انتهت ويجب ألا تستغل من أجل تحقيق أى مطلب معين»، مؤكدًا إصراره على مواجهة الفوضى التى تشكل تحديًا مستمرًا للدولة. القرار 1970 وكان د. على زيدان قد حذر مواطنيه من تدخل محتمل لقوات تدخل أجنبى فى حال استمرت الفوضى السائدة فى البلاد. وأعرب عن أمله فى أن يتحمل المواطنون المسئولية فى مواجهة الميليشيات المسلحة. وقال زيدان: «المجتمع الدولى لن يتركنا هكذا منطقة فى وسط البحر المتوسط مصدرًا للإرهاب والقلاقل والعنف». وأضاف: «مازلنا تحت القرار 1970 الذى صدر لحماية المدنيين وأى شخص يخرج بسلاحه ويقتل المدنيين ويعتدى عليهم، وهذا ليس تهديدًا ولكنه شرح للواقع وقد يتجه المجتمع الدولى لهذا الأمر». والقرار الدولى صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذى يجيز للمنظمة الدولية اتخاذ «الإجراءات اللازمة» لحماية المدنيين. الأوضاع الأمنية تفاقمت المشاكل الأمنية فى ليبيا بعد أن أظهرت الحكومة الحالية وسابقاتها عدم قدرتها على السيطرة نتيجة الانتشار الكبير للأسلحة وعدم تقيد الثوار السابقين بتعليماتها بالاندماج فى جهازى الجيش أو الشرطة. فمنذ الإطاحة بنظام القذافى تضاعف تشكيل الميليشيات المسلحة، تحت مسميات وأيديلوجيات مختلفة، تأتمر بأوامر قادتها، رغم أن العدد الأكبر منها منح صك الشرعية من قبل المجلس الانتقالى السابق أو البرلمانى الحالى. ويقدر مراقبون عدد قطع الأسلحة المنتشرة فى أنحاء ليبيا بأكثر من 22 مليون قطعة سلاح ما بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، فى حين يعانى الجيش والشرطة من ضعف التسليح، وهو ما أدى لعدم القدرة على تأدية المهام بالشكل المطلوب. تمديد ولاية البرلمان على صعيد آخر، تجمع مئات الليبيين فى العاصمة طرابلس للتظاهر ضد احتمال تمديد ولاية المؤتمر الوطنى العام - البرلمان - والتى تنتهى فى السابع من فبراير المقبل، ورفع المحتجون فى ساحة الشهداء لافتات ترفض تمديد ولاية المؤتمر. وكانت ليبيا قد شهدت بعد 40 عامًا من الحكم المطلق أول انتخابات حرة فى يوليو 2012 لاختيار 200 نائب فى المؤتمر الوطنى العام، ومهمة المؤتمر الأساسية هى قيادة البلاد فى خلال 18 شهرًا إلى انتخابات عامة بعد صياغة دستور جديد. وبحسب الجدول الزمنى المقرر فى «الإعلان الدستورى» فإن مدة المؤتمر تنتهى فى 7 فبراير القادم، لكن المؤتمر العام ألمح إلى احتمال تمديد فترة ولايته، ولم تحدد السلطات حتى الآن تاريخ انتخاب 60 عضوًا فى اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور.