كل ما فى المكان يجعلك تشعر بأنك تعيش أجواء الزمن الجميل فالعمال يعملون بصمت ولا ضجيج لآلات أو ماكينات ولا عادم لسيارات، معظم الورش تعتمد على العامل الماهر الذى يمتلك قدرات خاصة وموهبة مميزة.. «أكتوبر» زارت «قرية الفخاريين» والتقت مع عدد من العاملين بها. وفى البداية التقينا محمد محمود عابدين ابن شيخ الفخاريين الذى قال إن والده هو مؤسس هذه القرية منذ 8 سنوات تقريبا حيث كانت مجرد منطقة عشوائية كمعظم شوارع مصر القديمة ولكن عندما قررت المحافظة أن تطور المنطقة بمنحة من الاتحاد الأوروبى فكر والدى أن يخصص هذه المنطقة لصناعة الفخار وساعده فى تنفيذ هذه الفكرة جميع العاملين فى هذا المجال رغبة منهم فى تخصيص مكان لهذه الصناعة التراثية. وأضاف: كانت صناعة الفخار من الصناعات الرائجة منذ الفتح الإسلامى وكانت مصر هى مركزها وأعتقد انها ليست موجودة إلا فى مصر وذلك لاعتمادها على الطين الأسوانى والطمى الخاص بنهر النيل والذى يعتبر هو الافضل على الإطلاق وذلك ليس متوافراً إلا فى مصر. وأشار إلى أنه ورث المهنة من والده ولكن ذلك الميراث أصبح ثقيلا خاصة فى ظل الظروف التى تمر بها مصر والتى أدت إلى تراجع حجم العمل إلى النصف نظرا للاعتماد فى البيع بصفة أساسية على السياحة. ووصف عابدين السياحة باعتبارها المنفذ الأساسى لعمله، وأضاف أن الأجانب هم أكثر المهتمين بالصناعات اليدوية فتعتبر هولندا وبلجيكا من أكثر المستوردين للفخار، مشيرا إلى أن الأجانب يقدرون كثيرا العمل اليدوى على عكس المصريين غير المهتمين بصناعات بلدهم، مضيفا أن استمرار الظروف الحالية جعلتنى أخسر 20% من جملة عملى بالإضافة إلى 13 عاملاً. وطالب عابدين المسئولين فى الدولة بضرورة الاهتمام بذلك النوع من الصناعات، وقال: طالبنا أكثر من مرة بدخول الغاز الطبيعى لقرية الفخاريين نظرا لاعتمادنا على النار بصورة أساسية فى تسوية الفخار ولكن لم نجد أية استجابة. وعن الخامات التى يستخدمها، قال جميع الخامات التى تدخل فى صناعة الفخار مصرية أصلية ولا نستورد أى شىء من الخارج فى صناعتنا، كما يقول البعض، بداية من البودرة إلى الطين إلى الأيدى العاملة ولكن احيانا يأتى إلينا بعض الوفود الأجنبية ليقضوا يوما فى مشاهدة مراحل صناعة الفخار. وأوضح أنه بالإضافة إلى منطقة مصر القديمة فهناك أيضا الفيوم ومنطقة الفرستق بكفر الزيات هى مركز صناعة الفخار، لافتا إلى أننا حاولنا أن نجمع كل الحرفيين فى تلك الصناعة فى نقابة مستقلة للفخاريين ولكن تعذر التنفيذ لصعوبة استقرار المجموعة كلها على رأى واحد واحتياجها إلى تمويل كبير. أما عم فاروق كما يحب أن يطلق عليه (71 عاماً) فقال أعمل فى هذه المهنة منذ كان عمرى 8 سنوات، مشيرا إلى أنها مهنة مثيرة على الرغم من أن البعض يعتقد أنها مملة نظرا للفترات الطويلة التى أجلس فيها على «دولاب» العمل إلا أن الأمر على العكس من ذلك حيث إنها مهنة مثيرة تحتاج إلى مهارة وفن بالإضافة إلى ذوق عال. وأضاف فعندما تأتى أمامى قطعة الطين أجلس أمامها وأحولها كيفما أشاء وألعب بها بأصابعى بحرفية لأصنع الخطوط الصغيرة والأشكال المختلفة وأكون فى قمة سعادتى عندما ينظر الآخرون لأعمالى متعجبين من كيفية صناعتها بدون ماكينات أو قوالب، مشيرا إلى أن الخبرة جعلتنى اكتشف الفخار من النظر إليه واعرف إذا كان جيداً أو العكس. وأضاف لكن أشعر بالخوف على تلك المهنة من الاندثار مضيفا لأننى لا أجد أحد يتحمل مسئولية تلك المهنة بعد ذلك فلا أحد يريد أن يتعلم أو يتشرب سر المهنة، كما كنا نفعل قديما، ونجلس أمام معلمينا بالساعات وهو يعمل أو يرسم على الفخار فقد تجد الكثير يعمل بها من أجل الربح والعائد السريع وليس من أجل الحفاظ عليها وتطويرها. وتابع: قديما كنا نعمل أكثر من 3 أيام متواصلين أمام الفرن القديم لاحتياجه إلى من يضيف إليه الفحم لاستمرار النار فكنا نعمل كمناوبين عليه وأثناء ذلك نتبادل خبراتنا وقد نخترع أشكالاً وطرقاً جديدة فى صناعة الفخار لنجعله أكثر تماسكاً أو أخف فى الوزن كل ذلك اثناء فترة المناوبة أما الآن فالفرن الآلى لا يحتاج إلى ذلك. وذكر أن مراحل العمل على الفخار متعددة وكثيرة فعندما تأتى البودرة أو الطين ومنه الأحمر وآخر أبيض ثم ينقع فى أحواض من المياه ويستمر ذلك لمدة يومين ثم تتحول إلى طين أصنع منه أشكالاً مختلفة على دولاب العمل بعدها يترك ليجف ثم ينتقل إلى الأفران لتستوى وتصبح صلبة وبعدها قد يترك فخاراً كما هو أو يتحول إلى خزف صينى ثم ينتقل للرسم عليه. وأضاف أن القرية مليئة عن آخرها بأفضل الاعمال وافخرها ولكننا نحتاج إلى التسويق الجيد، مشيرا إلى ضرورة أن تهتم وزارة الثقافة بعمل مهرجانات كبيرة لتسويق اعمالنا أو فتح منافذ خاصة بالفخار فى المناطق التى تسوق لذلك إلى جانب البزارات والمحال التى تهتم بذلك النوع من الزينة فهناك بعض العمال ممن يمتلكون أيادى ماهرة ولكن لا يستطيعون أن يجدوا منافذ لبيع أعمالهم. وأضاف عم فاروق أن هناك الكثير من طلبة الفنون الجميلة ممن يأتون إلى القرية هنا ليدرسوا كيفية صناعة الفخار على ايدينا، مشيرا إلى أن الكتب لا تستطيع أن تقدم كل شىء بل الإحساس بالعمل والرغبة فى التعلم هى التى تقوم بذلك.