تعليق الولاياتالمتحدة لبعض المساعدات الممنوحة لمصر منذ توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979 أثار الكثير من القلق والذعر داخل إسرائيل، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» فى العادة ينبه على وزرائه بعدم الإدلاء بأية تصريحات خاصة فيما يتعلق بالأمور الحساسة التى تمس الأمن القومى، إلا أن أحدهم وهو «جلعاد أردان» وزير الأمن الداخلى قال لإذاعة الجيش الإسرائيلى «جالى تساهال» إن إسرائيل انزعجت من التهديدات الأمريكية المتكررة الملوحة بقطع المعونة عن مصر، لأن ذلك سوف يلقى بظلاله بالطبع على اتفاقية السلام. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن المعونة التى سيتم تجميدها تشمل قطع غيار الدبابات وطائرات الهليوكوبتر القتالية وأيضًا مساعدة مالية تقدر ب 260 مليون دولار، وأضافت الصحيفة أن هذا القرار يجسد المأزق الأمريكى، فالولاياتالمتحدة من ناحية تهتم - على حد قولها - بتقدم العملية الديمقراطية وحقوق الإنسان فى مصر، لكنها من ناحية أخرى فى أمس الحاجة للتعاون مع القاهرة نظرًا لوجود قناة السويس داخل أراضيها وبسبب اتفاق السلام مع إسرائيل ولكون مصر دولة رائدة فى العالم العربى. وجاء فى تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن عناصر رسمية وخبراء من إسرائيل ردوا على الأنباء الخاصة بتعليق المعونة بإظهار شعورهم بالإحباط والقلق، رغم أن الإعلان كان متوقعًا فى الأيام الأخيرة. فالإسرائيليون ينظرون إلى هذه المعونة كأساس حتى وإن لم يرد ذكرها فى اتفاقيات السلام مع القاهرة.. ينظرون إليها بوصفها عنصرًا ضروريًا للحفاظ على الاستقرار فى المنطقة. وعلى الحكومة المصرية أن تتيقن أن بإمكانها الاعتماد على اللوبى الإسرائيلى فى واشنطن لممارسة الضغط لاستمرار المعونة. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن عنصر إسرائيلى رسمى قوله إن تداعيات الخطوات العقابية لمصر من الممكن أن تؤثر على العلاقات بين مصر وإسرائيل وأن الولاياتالمتحدة تلعب بالنار. وتساءل المسئول الإسرائيلى الذى رفض ذكر اسمه: إذا كانت المعونة الأمريكية دلالة على تواجد الولاياتالمتحدة والتزامها، فكيف يمكن أن تبدو الصورة إذا ما أدارت الولاياتالمتحدة ظهرها لمصر حليفها القديم؟ وقالت صحيفة هآرتس إنهم فى إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة حاولوا إقناع الأمريكان بأن المحافظة على اتفاق السلام أهم بكثير من معاقبة النظام بسبب العنف فى الميادين. وأن عناصر رسمية إسرائيلية اجتمعوا مع نظراء لهم فى البيت الأبيض وأخبروهم بأنه طالما أن المعونة الأمريكية تصل بانتظام إلى القاهرة فإن الإدارة فى مصر يمكنها أن تتصدى لأية انتقادات لاستمرار معاهدة السلام مع إسرائيل والقول بوجوب التمسك بهذا الاتفاق. وأضافت «هآرتس» أنه فى داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يؤكدون على ضرورة استمرار التعاون الاستراتيجى مع مصر لأن المصلحة المشتركة بين تل أبيب والقاهرة هى فى التصدى للإخوان المسلمين، هذا على الرغم من أن القرار الأمريكى جاء دعمًا للإخوان المسلمين ودفعًا لحالة الفوضى وإحداث القلاقل والأزمات فى الشارع المصرى وانتقامًا من الجيش المصرى الذى لبى النداء وتدخل دون الرجوع إلى الولاياتالمتحدة. ومن ناحية أخرى قال «جو ألترمان» رئيس برنامج دراسات الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الاستراتيجية فى واشنطن إنه من المشكوك فيه أن تنجح الولاياتالمتحدة فى تحقيق أهدافها بواسطة تجميد المعونة. وأضاف: ربما يسعد ذلك بعض الأمريكيين فيما يتعلق بالدور الذى تلعبه أمريكا فى العالم، ولكن من الصعب تصور أن مثل هذه الخطوة سوف تغير من تصرف الإدارة المصرية. وفى صحيفة إسرائيل اليوم «يسرائيل هايوم» كتب د. يوسى بيلين الذى تولى وزارة العدل فى السابق وكان نائبًا لوزير الخارجية يقول: إن التشريع الذى يضع مبادئ لا يجوز الخروج عليها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية هو أمر خاطئ. فبصفة عامة لا يستطيع المشرع أن يرى كل الاحتمالات. وفى كثير من الأحيان يمنع الإدارة من القيام بالعمل الصحيح ويغل يدها فى الوقت الذى يجب أن تكون فيه حرة طليقة. والمعونة الأمريكية لمصر هى خير مثال على ذلك، فالقانون الأمريكى ينص على عدم إعطاء معونة للدولة التى يستبدل فيها نظام الحكم بواسطة الجيش، لكن ماذا يحدث فيما لو كان هذا النظام فاشلًا ويحد من الحريات وغير قادر على إدارة شئون الدولة فيتدخل الجيش لكى يستبدله بإدارة مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات؟ وأضاف بيلين: صحيح أن العالم عبر عن قلقه من خطوة الجيش المصرى لكنه سرعان ما بارك النتائج ويريد نجاح الحكومة المؤقتة والمدنية. والغريب أن أمريكا بالذات التى رأت فى حكم الإخوان المسلمين لمصر تحقيقا لواحد من أسوأ كوابيسها تجد نفسها فى وضع تعلق فيه المعونة السنوية لأن نظام الإخوان تم استبعاده!