ابتداءً من نكسة 1967 وما تبعها من أحداث ومواقف دولية وإقليمية، مرورا بحرب الاستنزاف والأدوار التى لعبها الفن والفكر والأدب، انتهاء بانتصار أكتوبر العظيم، أحداث سردها كبار الساسة والمفكرون والقادة العسكريون فى المؤتمر الذى عقد بدار الكتب بالتعاون مع هيئة البحوث العسكرية بعنوان «أربعون عاما على حرب أكتوبر». فمن جانبه تحدث اللواء أحمد عبد الحليم عن 67 والتى لم تبدأ من وجهة نظره من عام 1967 ولكنها بدأت قبل ذلك بعدما تبنى الرئيس جمال عبد الناصر فكرة القومية العربية وبدأ يبنى هذه القومية والتى انتهت بأمر آخر سنة 58 وهى الوحدة بين مصر وسوريا فأصبح الموضوع فى منتهى الخطورة لأن عبد الناصر جاء بالاتحاد السوفيتى وبالتالى حدث نوع من الخلل فى التوازن العالمى والاستراتيجى فى المنطقة التى كانت تحت الوصاية الأمريكية. وأشار عبد الحليم لأخطر عيب فى فكرة القومية العربية وهو التصنيف الذى قسم الدول العربية من دول تقدمية ورجعية وكان هذا أحد الأخطاء السياسية حيث كان هناك اعتقاد أن هذه الثورة وهذه القومية سوف تنتصر وهذه الرجعية سوف تتوارى بالتدريج، مشيرًا إلى العوامل التى أدت الى نكسة 67 والتى على رأسها حرب اليمن التى أرسلت فيها مصر أكثر من 60% من قواتها ونتيجة لحركة مصر فى اليمن وإدخالها الاتحاد السوفيتى إلى المنطقة خرجت مصر عن الإطار المسموح لها به وامتدت عبر البحر المتوسط وكان هذا الامتداد غير موجود فى الحسابات الغربية، وأيضًا التوزيع الاستراتيجى للقوات المسلحة المصرية التى كان الجزء الأكبر منها فى اليمن وخيرة قواتها المدرعة فى بغداد للمحافظة على النظام القائم فى العراق، وأيضًا من عوامل نكسة 67 أنه تم التعامل مع 67 قبل أن تبدأ بنفس الطريقة التى تم التعامل بها مع 56 من اتخاذ قرارات دون الاعتقاد بأنه قد ينتج عنها أضرار خاصة بالدولة. فى حين تحدث د. عاصم الدسوقى عن الموقف السياسى، مؤكدًا أن ما حدث فى 67 نكسة وليست هزيمة وأنه بعد 67 اتجه عبد الناصر لإعادة بناء التنظيم السياسى للدولة وإن كان اكتنفه بعض العيوب وعلى رأسها بناء الاتحاد الاشتراكى الذى تم بالتعيين وليس بالانتخاب، مشيرًا إلى حرب الاستنزاف أو حرب العصابات التى أزعجت العدو وأجهدته لدرجة أن إسرائيل استدعت الاحتياطى وكذلك شهادة بعض الوزراء الإسرائيليين فى مذكراته بأن حرب الاستنزاف هى الحرب الوحيدة التى لم تكسبها إسرائيل، أما عن المواقف والأوضاع العربية من نكسة 67 فتحدث د. محمد حلة الذى أشار للوضع العربى قبيل النكسة والذى كان ممزقا ومنقسما على نفسه وهو ما أدى إلى العجز الذى أصاب بيت العرب الجامعة العربية بالشلل التام وأن هذا العجز لم يأت من فراغ، وإنما جاء من تقسيمات فرضتها الظروف والأحداث منذ عام 1963 والتى لعبت فيها الأطراف الخارجية دورا كبيرا، إضافة لحالة العداء التى كانت بين مصر والولاياتالمتحدة نظرًا للاتجاه الذى سلكه عبد الناصر تجاه الشرق والاتحاد السوفيتى وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تحاول فى البداية استقطاب عبد الناصر وأن تبرد العلاقة فأرسلت خبيرا بشئون الشرق الأوسط لتخبر مصر أن حركة التحرر العربى المدعومة من السوفيت مقلقة للأمريكان، فحاول أن يوجد نوعا من الشقاق بين قمتين فى العالم العربى وهما السعودية بما تملكه من موارد ومصر بما تملكه من قوة وتأثير، وتسارعت الأحداث وحدثت النكسة فكانت الشعوب العربية أول من تأثر بهذه الصدمة حيث خرجت الجماهير العربية فى شوارع سوريا واليمن والعراق ومصر ترفض هذه الهزيمة. أما عن المواقف الأفريقية فتحدث د. وسام أحمد طه والتى تمحورت فى ثلاثة أصناف الصنف الأول مساندًا بشكل واضح للموقف المصرى ومن بين هذه الدول غينيا التى أعلنت مساندتها للموقف العربى وقطعت علاقتها الدبلوماسية بإسرائيل ودولة مالى التى أعلنت مساندتها أيضًا للموقف العربى وزامبيا التى طالبت إسرائيل بالانسحاب الفورى من الأراضى التى احتلتها وكذلك تنزانيا، وهناك صنف ثان اتخذ مواقف متذبذبة أو على الحياد ومنها الكاميرون التى أعلنت رسميا أنها على الحياد فيما يخص الصراع العربى الإسرائيلى وكذلك غانا التى ناشدت الطرفين بإعادة السلام والاستقرار إلى المنطقة وكذلك كينيا والسنغال، أما الصنف الثالث وهى تلك الدول التى ساندت إسرائيل مساندة سافرة ومنها إثيوبيا وملاوى، أما بالنسبة للموقف الرسمى الأفريقى فتمثل فى منظمة الوحدة الافريقية والذى انقسم إلى مؤتمرات وزراء الخارجية ومؤتمرات القمة وقد اقترحت بعض الدول العربية إدراج الصراع العربى على جدول الأعمال لكن لم يتم قبول هذا الطلب وكانت الحجة فى ذلك أن الأزمة مطروحة فى الأممالمتحدة لذا فلسنا منوطين لبحث هذه القضية وتحت ضغط الدول العربية الموجودة بالمنظمة اضطرت منظمة الوحدة لعقد جلسة طارئة وافق خلالها بالإجماع على دعوة الأممالمتحدة بمطالبة إسرائيل بسرعة الانسحاب من الأراضى التى احتلتها، فنشأة مجموعة العشرة التى انبثق عنها الرباعية التى بدأت تزور مصر وإسرائيل لمحاولة إيجاد صيغة للحل والتى قوبلت بالرفض من الجانب الإسرائيلى. وتحدث خالد أبو الليل عن حرب الاستنزاف فى الوجدان الشعبى، مشيرًا إلى أن آفة التاريخ المصرى أنه دائما يكتب من وجهة نظر المؤرخين أو العسكريين وفى الغالب يتجاهلون دور المصريين البسطاء الذين أما إنهم مشاركون فى الحدث أو أنه يقع عليهم هذا الحدث وبالتالى فالتاريخ دائمًا يحكى من وجهة نظر النخبة ولذلك فدائمًا ما يتحدث عن القادة ويتجاهل دور الجنود والأفراد الذين شاركوا فى أى حدث تاريخى، وأكد أبو الليل على ضرورة إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر المصريين مستعرضًا لآراء بعض من شاركوا فى الأحداث وكيف يرى المصريون احداثهم التاريخية. أما عن رؤية فن الكاريكاتير للصراع العربى الإسرائيلى فتحدث عبد الله الصاوى وقال إن فنانى الكاريكاتير عاصروا جميع القضايا المصرية وأضافوا لها الكثير ومع ذلك لم يكرمهم أحد وكان ينظر إلى فن الكاريكاتير على أنه فن يهتم بالنكتة خلافا للواقع، مؤكدًا على أن أهمية الكاريكاتير لا تقل عن الوثائق الرسمية فأكد على ضرورة إعادة فكرة كتابة التاريخ اعتمادا على الوثائق غير الرسمية ومنها فن الكاريكاتير، وقال الصاوى إنه عقب 67 ومع تكميم الأفواه الذى مارسته السلطة الحاكمة جاءت غالبية الرسوم الكاريكاتيرية متماشية مع رغبة وتوجهات السلطة الحاكمة فى البلاد ولم يستطع أن يغرد خارج السرب من رسامى الكاريكاتير إلا من خلال استخدام بعض الحيل المعهودة من الإسقاط والترميز والتورية، وبعد الهزيمة المنكرة التى منيت بها مصر وخروج عبدالناصر ليعلن قرار تنحيه ثم بعد ذلك رغبة الملايين ونزولهم إلى الشوارع لترغم عبدالناصر بالرجوع عن التنحى وبدأ بإعادة هيكلة الدولة والقوات المسلحة من جديد لتبدأ مرحلة جديدة لإعادة الاراضى العربية المغتصبة ومن هنا كانت الفترة من بعد 67 وحتى 73 أجواء حرب فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة وتحول حديث الحرب والهزيمة إلى مادة للحديث اليومى ولما كان فن الكاريكاتير يستقى مادته من الواقع كانت الأجواء مواتية لعودة ريشة فنان الكاريكاتير ليتناول قضايا المجتمع بمساحة حرية أعلى. وعن الرؤية العسكرية لحرب الاستنزاف تحدث اللواء محمود طلحة الذى سرد أهم الأحداث المرتبطة بحرب أكتوبر بعد 67 ومنها أن مصر لم تتوقف عن أعمال القتال بعد 67، مشيرًا للخسائر التى منيت بها مصر بعد 67 وهى تدمير القوات البرية وجزء من القوات الجوية واحتلال اسرائيل للضفة الشرقية والتى وفرت لإسرائيل عمقًا استراتيجيًا لمساحة 48 ألف كيلو متر إلى خط القناة بالإضافة لسيطرتها على ثلاث مدن على الأقل بعدها أكد المفكرون العسكريون أن مصر لن تفيق من هذه الضربة إلا أن عبد الناصر بدأ فى إعادة بناء القوات المسلحة والاستعانة بالاتحاد السوفيتى ورصد أخطاء 67 على مستوى الدولة والجيش ورفع شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ويد تبنى ويد تمسك بالسلاح. أما عبد المنعم سعيد فقال إنه رغم الإنجاز الذى تم فى أكتوبر ظل قطاع عريض من المثقفين لم يخرج من النكسة، حيث ظل الأثر النفسى السيئ موجود وهو ما انعكس على الرواية وفى المسرح الذى ظل يجسد مأساة النكسة والشعر الذى فاض بعبارات الألم والحزن ولم يخرج وسط كل هذه الكآبة سوى أصوات قليلة نادت بالمقاومة وقيام الأدب بدوره فى شحذ الهمم. وتحدثت المخرجة إنعام محمد على عن الفترة الأولى من الستينيات وحتى بداية الانفتاح سنة 76 وتحدثت عن الفترة التى واكبت التحول الاشتراكى الذى واكب إنشاء التليفزيون، مشيرة إلى أن ما جعلنا نقف على أقدامنا من جديد بعد صدمة 67 هو قوة قبضة الدولة والحس الجماعى الذى تمتع به المصريون وإعلاء الوطنية والانتماء والاهتمام بالعمل والإنتاج والروح المصرية التى كانت مستعدة لتقديم النفس والنفيس حتى تثأر لهذه الهزيمة لذا استطعنا بناء الجيش وتهيأنا للعبور وهو ما تجسد فى فيلم الطريق إلى إيلات وحكايات الغريب، ثم جاءت الفترة بعد حرب أكتوبر وما تبعها من تحولات سياسية فكان الصوت الصاخب الذى ملأ الآذان زيارة السادات لإسرائيل وكامب ديفيد وأصبح نجاح أى مشروع يقاس بقيمته المادية بغض النظر عن العائد الثقافى وفى ظل هذه الظروف بدأت السينما تتجه إلى أفلام المقاولات التى غلب عليها عبارة «الجمهور عايز كده» وبالتالى أصبح الفن سلعة. فى حين أشارت د. مها مظلوم إلى مدى تأثير حرب أكتوبر على الإنتاج الفكرى للحرب، مشيرة إلى أنه فى البداية ارتفعت نسبة الكتابات متأثرة بنتائج الانتصار وفرحة الانتصار فى السبعينيات والثمانينيات ثم تراجعت بعد ذلك وأن أغلب ما كتب من إنتاج فكرى فى هذه الفترة يعتبر أمرًا صدر ضمن مذكرات العسكرية وأن محصلة أدب أكتوبر فى السبعينيات وصل إلى 35% من كتابات السياسيين عن الحرب تلتها الكتابات العسكرية بنسبة 31% ثم شهادات وثائقية عن اتفاقية كامب ديفيد بنسبة 11% ثم دراسات اجتماعية بنسبة 4%، مشيرة إلى أن سنة 74 تميزت بغزارة الإنتاج الفكرى الذى وصل الى 2600 كتاب ووثيقة عن حرب أكتوبر ومن بعدها بدأ العد التنازلى.