ربما وقعت عيناك يوما على لوحة جميلة مكتوبة بالخط العربى.. سواء فى فيلم سينمائى أو مسلسل تليفزيونى.. أو حتى فى إعلان داخل ملاعب كرة القدم.. وربما لم يغب عنك اسم كاتبها الذى ذاع صيته منذ نعومة أظافره، واعتبره البعض «الطفل المعجزة» فى الخط العربى. إنه الفنان خضير البورسعيدى عاشق الكتابة والخط.. وأحد القلائل الذين يتقنون التعبير بسن الفرشاة والقلم عن جمال الفكرة وروعة المعنى.. والذى كافح لتأسيس نقابة للخطاطين من أجل الدفاع عن مهنة تتعرض للانقراض أمام طوفان التكنولوجيا واستسهال الناس وتراجع الذوق العام. التقيناه.. فتحدث إلينا بصدر رحب عن مشواره مع الخط بما فيه من هموم وأفراح. عن بداية مشواره مع الخط العربى يقول الفنان خضير البورسعيدى: كانت بدايتى مع الخط فى بورسعيد منذ كان عمرى خمس سنوات وقت الاحتلال الانجليزى وكنت أشترك مع الأطفال من مثل عمرى فى كتابة عبارة «من يتعاون مع الاستعمار له الموت» وذلك على الجدران وفى الطرقات بالطباشير فبدى لى حب الكتابة و رسم الحروف حتى الصف الأول الابتدائى الذى كنت فيه قد أجدت الكتابة تماما و بعدة خطوط أهمها الخط الثلث الذى ينتهى به دارسو الخط العربى لذلك طلب منى أساتذتى فى المدرسة تدريب زملائى على الكتابة بعد أن أبهرت المعلم عندما كتبت عبارة «الملك فاروق ملك مصر والسودان» على سبورة الفصل والمكتوبة بالخط الثلث على العملات فى ذلك الوقت، أما أول «يافطة» كتبتها فكنت فى الصف الثالث الابتدائى عندما أصر أحد زملائى أن اكتب لوحة دكان والده الذى اندهش من إصرار ابنه الطفل على قيام زميله بالكتابة حتى ازدادت دهشته عندما شرع الطفل خضير فى كتابة أول كلمة فى اليافطة التى كانت تقول «محمد إسماعيل المصرى وأولاده» فيما تجمهر الناس لمشاهدة الطفل المعجزة.ويستكمل خضير حديثه ل «أكتوبر»: وفى عمر الثانية عشرة قررت أن أفتح دكان «خطاط » كتبت عليه «خضير الخطاط» إلا أن أحدا لم ينتبه لى لفترة كبيرة حتى غيرت لون يافطة دكانى بالأحمر مرة و بالأزرق مرة، ثم كتبتها مقلوبة بحروف معكوسة فانتبه الناس وبدأ الزبائن فى التوافد ثم بدأت شهرتى تتسع لعملى بالانتخابات وذات يوم سمعت بزيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1958 فشرعت برسم صورة كبيرة له بالحجم الكامل بطول 13 مترا على جدار إحدى العمارات نالت إعجاب كل من رآها و كتبت عنها الصحف والمجلات ومن هنا بدأ عملى خارج نطاق محافظة بور سعيد حيث طلبت للعمل خطاطًا للأفلام فكان من أعمالى عدة أفلام لإسماعيل يس ك «إسماعيل يس فى متحف الشمع» و «إسماعيل يس فى البوليس الحربى» وما أذكره أيضا فيلم «عاشقة نفسها» وهو أول أعمال الفنانة نجلاء فتحى وكذلك فيلم «بنات فى الجامعة» للفنان الكبير شكرى سرحان وفى عام 1963عملت بالتليفزيون رسميا على الرغم من اننى كنت فى أول خدمتى بالجيش إلا أننى كنت أعمل بالإجازات بداية بنظام أجر مقابل عمل . ويحكى الفنان خضير البورسعيدى عن إبداعاته فى فن الخط العربى فيقول: لم أبحث عن الشهرة أبدا ولكنى أكتب ما أشعر به و يستقر معناه فى وجدانى وأستشعر من الكلمات و معانيها الفكرة التى أقدمها فتظهر الكلمات ليست مجرد حروف ولكنها تتحدث عن نفسها و تحوى فكرة حيث إن اجادة الكتابة والخطوط يمكن التوصل له بالتعلم و التمرين و لكن الإبداع فى التعبير عن الكلمات ومعانيها هو الموهبة الحقيقية التى تولد من جوهر الانسان وروحه لذلك لا أجد متعة أكبر من قيامى بالكتابة فهى معشوقتى التى قضيت فيها عمرى وطفولتى كلها و شبابى فأكتب عندما أكون سعيدا أو مكتئبا، وحتى فى وقت الاستجمام والمرح أكتب أو أرسم شيئا حتى وصلت حصيلة أعمالى من اللوحات فقط إلى8000 لوحة حتى الآن بخلاف باقى أعمالى من أفلام و أعمال فنية ومساجد شاركت فى نحت آيات من القرآن لها وغيرها مستخدما 108 أنواع من الخط أجيدها بخلاف الكتابة الحرة وإن كان العمل يتركز ب15 نوعا على الأكثر، أما البحث عن فكرة فأخذ فسحة من التفكير وأطالع الكتب أو يحضرنى موقف ما فتخطر لى الجملة المناسبة وهى التى تخبرنى كيف أكتبها وبأى خط وسرعان ما أهرع إلى أدواتى من أقلام وفرش وأحبار و ألوان منها الجواش والباستيل و الاكوريل وأى خامات تخطر لى حتى أننى يوما استخدمت فرشاة الشعر فى الرسم كما أنى أحب الاعتماد على نفسى فى إنتاج لوحاتى كاملة فعلمت نفسى الزخارف حتى أتقنتها بدلا من أن أذهب لمزخرف يزين لوحاتى وحتى إنتاج اللوحات والبراويز أقوم بها بنفسى وكذلك حرصت على الاهتمام بأذواق الجمهور العادى وكذلك أذواق الفنانين التشكيليين و الخطاطين. وعن أحوال الخطاطين فى الوقت الحاضر يقول بصفته نقيبا للخطاطين: للأسف يتراجع الخط العربى والاهتمام به بعد التقدم التكنولوجى و الحاسبات و برامج الفوتوشوب التى يفضلها الزبائن العاديون فترى «يافطات»المحامين والأطباء والمهندسين أصبحت مطبوعة الكترونيا وملونة وذات رسوم دباديب وورود ولا تليق بالمهنة ولا بالخط العربى وليس فيها روح ولا فن بما اعتبره تلوثًا بصريًا وذلك لانهيار الذوق العام للناس وعدم الاكتراث بالمعنى الجمالى للكتابة والخطوط بعدما كنت أذهب للطبيب لجمال اللوحة التى تكتب على عيادته فلذلك كان لازما أن نحاول حماية المهنة وفنانيها بإقامة نقابة للخطاطين وهنا طلب منى أستاذى الفنان الكبير محمد عبد الهادى أن أقوم على إنشائها لعلمه بعلاقاتى التى ستخدم الأمر بعد أن فشلت المحاولات السابقة لخلافات داخلية بين الخطاطين وثقته فى قدرتى على إدارتها ومن خلال النقابة نحاول مساعدة الخطاطين والاهتمام بنشر تعلم الخط الذى أصبح من الصعب فيه النجاح والانتشار فى ظل تلك الظروف، ويضيف خضير أنه يعتقد أن الخط سيعود من جديد كفن وإبداع حيث أثق كثيرا فى تلاميذى كما أن الخط العربى محمى إلى الأبد ولن يمحى فنه وأنواعه الزمن لأنه لغة القرآن كتاب الله المحفوظ إلى يوم الدين. وفى متحف خضير البورسعيدى شيخ الخطاطين تجد الإبداع يكاد ينطق من اللوحات الذى يعتز بها كثيرا حتى كتب فى لوحة صغيرة عبارة «المعروضات ليست للبيع مهما كانت المغريات» كما إنه يحرص على شراء لوحات الخطاطين القدامى لضمها لمتحف الخط العربى الذى يتمنى أن يتم الاهتمام به من قبل الدولة بعد أن أقامه من ماله الخاص كاملا وعلى الرغم من ترخيصه كمزار سياحى وتوافد سياح من الخارج لزيارته إلا أنه لم يلق أى اهتمام وأقوم بتحمل تكاليفه كمحل تجارى، ولكنى أراعى الظروف التى يعانى منها المسئولون اليوم وأنوى يوما ما التبرع به للدولة وحينئذ أتمنى الاهتمام به و افتتاحه للزائرين ويقبل عليها الجمهور كما يتم الاهتمام فى الخارج بتلك المتاحف ففى تركيا قوبل المعرض الذى شاركت فى تحكيمه بجماهيرية عالية حيث كان الزوار يقفون فى طوابير طويلة. وعن أهم الأعمال التى يعتز بها يقول الفنان خضير: أتذكر لوحة محمد التى كتبتها بالعربية يمينا وبالانجليزية من اليسار وأثارت ضجة وحرصت المحال فى ذلك الوقت على اقتنائها و كذلك لوحة لفظ الجلاله «الله» التى كتبتها بنفس الطريقة وكذلك لوحة محمد رسول الله التى استغلتها الجماعات الإسلامية عندما قالوا إنها وجدت محفورة فى جبل بأوروبا وانتشر الخبر ولم أهتم بتكذيبه وكذلك اللوحات التى رسمتها بالكلمات لنفسى مرة وللرئيس السابق مبارك و للملك عبد الله بن عبد العزيز و الرسم الذى رسمته لنفسى قريبا بالشمع بعدما اعتقدت أننى قد بدأت أن أنسى الرسم و اللوحة التى استخدمت فيها مشط الشعر وكنت اعبر فيها عن المثل الذى يقول «عض اليد إلى اتمدتله»، كذلك لوحة «الحمد لله على كل حال» التى كتبتها بشكل الحروف الصينية واللوحة التى رسمتها لنفسى بشكل كاريكاتيرى وتلك الأعمال هى الأحب لقلبى و غيرها الكثير الذى أحرص على العناية به حيث قمت بترتيب جميع اللوحات التى فى حوزتى والتى اشتريتها من الفنانين من أجل المتحف وقمت بترقيمها وتسجيلها بالمواصفات فى سجلات خاصة للحفاظ عليها حتى يأتى اليوم الذى تخرج فيه للنور وتعرض للجمهور الذى يقدر قيمتها.