أسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة دعوة للتفكر وللتدبر فى قدرته وعزته ورحمته وطريق مستقيم وسريع للوصول إلى الإيمان بالله.. ووسيلة اتصال محققة بين العبد وربه عندما يضيق به الحال وتوصد أمامه كل الأبواب فينادى بها المولى مستصرخا كمن يقول: يا عزيز أعزنا.. يا رازق ارزقنا.. ولله تسعة وتسعون اسما كما قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة». وعندما نأتى إلى اسمه الكريم ذى المعارج نجده وصفا لاستحضار عظمته وجلاله.. ويعنى ما يعرج إليه من الأرواح والأعمال.. وفى اللغة تعنى العلو ورفيع الدرجات وله العرش العظيم وقريب من قلوب أوليائه وأحبابه.. وجاءت فى قوله تعالى( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) ) وبيان الوقت الزمنى فى الآية يدل على علو قدر الخالق وقوة عظمته. ويقول ابن عباس عن معنى ذى المعارج أى ذى السماوات، وسماها معارج لأن الملائكة تعرج إليها. وقال ابن عباس: «إن المعارج هى الدرجات عند الارتفاع وهى مقامات معنوية تكون فيها درجات الأعمال وكذلك مراتب الملائكة.. ومقدار العروج من الأرض إلى السماء خمسون ألف سنة.. وقال بعض المفسرين إنه يوم القيامة وهو زمن وقوفهم انتظارًا للحساب إلى أن يفصل الله بين الناس.. وهنا قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): «والذى نفسى بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها فى الدنيا».. والامتداد الزمنى منزه عن ملكوت الله سبحانه وتعالى.. ولكن الحق قريب من عباده وليس ببعيد لأنه موجود فى كل شىء.. والبعد والقرب فى المسافة فى يد العزيز الجبار فهو مقلب الليل والنهار لخلقه الشمس والقمر ولأنه يحرك الأرض حول نجمها.. وهو الزمن كما قال فى حديثه القدسى: «لا تسبوا الدهر فأنا الدهر» وقال تعالى: (و إذا سألك عبادى عنى فإنى قريب ) .. وأن الله لا يوصف بقرب أو بعد لأنه قريب من كل شىء.. دائما البعيد عنه هى النفوس الظالمة لنفسها والغافلة الجاهلة بخالقها ورحمته وأعد لها عذاب جهنم.. فهؤلاء يرونه بعيدا.. والله تعالى قريب من عباده المتضرعين له بالدعاء وبالصلوات وبالأعمال والأقوال الصالحة.. وهو أقرب إلى عبده من نفسه.. ويدل اسم ذى المعارج على أهمية تقوى الله فى الحياة الدنيا، لأن أعمالنا وأقوالنا تعرج إليه فى كل ليلة ويطلع عليها.. أما ذكره بعروج الأرواح فتعنى أن أرواح المؤمنين تصعد إلى بارئها عند سدرة المنتهى فتحاسب ثم تدخل الجنة لترى مقعدها ثم تهبط إلى القبر للسؤال.. ويوضح المولى فى آية أخرى بقوله: ( و السماء ذات الحبك ) أى ذات الطرق ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: «يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور»..وقوله تعالى: «وما يعرج فيها»، إنما جاء مطلقا غير مقيد وبالتالى ينفى قول البعض بأن العروج للسماء لا يكون إلا للملائكة.. بل العروج يشمل مخلوقات أخرى، كما عرج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى ليلة الإسراء والمعراج وقد رافق سيد الخلق سيدنا جبريل عليه السلام ودابة البراق.. وأذن للجن والإنس أيضا أن ينفذوا من أقطار السموات والأرض ولكن بسلطان كما جاء فى قوله تعالى: ( يمعشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموت والارض فانفذوا لاتنفذون إلا بسلطن ) ويقصد بالسلطان سلطان العلم وهنا حدد الاختراق بشرط. وسبب نزول الآية الكريمة: «سأل سائل» أن الرسول المعارج: 1 - 5 قال: «قولوا الله أعلى وأجل» ردا على قول أحد المشتركين فى غزوة أحد «أعل هبل» فلذلك نزلت الآية. أما آية «يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون» والآية السابقة قال بعض المستشرقين فيها إن بها مفارقات ولكن المفسرين قالوا إن الآية الأولى فسرها حديث الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) أن بين السماء والأرض خمسمائة عام وبالعكس نفس الزمن فيساوى الزمن ألف عام، أما فى الآية الثانية فهو مقدار يوم القيامة وليس متعلقا بفترة صعود الملائكة والروح إنما متعلق بقوله «بعذاب واقع» أى يوم القيامة حيث يؤكده حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أنه يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم كلما بردت أعيدت فى يوم مقداره خمسين ألف سنة.