ليس هناك تفسير معقول لموقف الولاياتالمتحدة من مصر وبالتحديد من ثورة 30 يونيو إلا أن البيت الأبيض أراد أن يشارك المصريين احتفالهم بشهر رمضان.. فقام بإنتاج حلقات من فوازير رمضان على الطريقة الأمريكية! مبالغة بالطبع لكن ماذا تسمى تناقض المواقف الأمريكية وتضارب التصريحات الرسمية للرئيس الأمريكى وإدارته إن لم تكن ألغازا وفوازير؟!. ماذا تسمى دفاع أمريكا المستميت عن جماعة تنطبق عليها كل مواصفات الجماعات الإرهابية.. مع أن أمريكا تزعم أنها تقود الحرب على الإرهاب؟!.. وماذا تسمى تجاهل أمريكا لإرادة الأغلبية الساحقة من المصريين.. مع أنها تزعم أنها حامية حمى الديمقراطية؟! أليست هذه هى الألغاز والفوازير؟! و إذا كان المثل يقول إن من لا يرى من "الغربال" أعمى.. فالحقيقة أن أمريكا أو الإدارة الأمريكية تحديدًا أصيبت بالعمى مرتين.. مرة يوم 30 يونيو ومرة يوم 26 يوليو! يوم 30 يونيو خرجت الجماهير والحشود المصرية فى كل محافظات مصر بأعداد غير مسبوقة قدّرها البعض بحوالى 33 مليون نسمة.. كلها خرجت تهتف بسقوط نظام الإخوان وتنادى بعزل الرئيس مرسى. كان مستحيلا أن تخطئ أى عين حقيقة المشهد.. حتى لو كانت غير منصفة.. ومع ذلك تجاهلت الإدارة الأمريكية كل الحشود التى خرجت إلى الشوارع والميادين وكل الجماهير التى أصابت العالم بالذهول وراحت تتحدث عن انقلاب عسكرى.. وبنفس طريقة الإخوان فى الكذب والتدليس وإنكار الحقيقة.. قامت إحدى المحطات الفضائية الأمريكية - بإيعاز من البيت الأبيض بالطبع - قامت بالتشكيك فى صور الحشود والجماهير وراحت تتحدث عن "معجزات الفوتوشوب" وكيف أنه من الممكن للكمبيوتر أن يزيف الحقيقة فيصور بضعة مئات على أنهم عدة ملايين! وابتلع المصريون غيظهم وابتلعوا أيضا دهشتهم!.. وتساءلوا كيف تتجاهل أمريكا التى تزعم أنها عاصمة الديمقراطية فى العالم.. كيف تتجاهل إرادة الأغلبية الساحقة؟!.. ولم يسمع المصريون إجابة إنما سمعوا أكاذيب! سمعوا السفيرة الأمريكية تتحدث عن شرعية الرئيس المنتخب وسمعوا الرئيس الأمريكى يتكلم عن الانقلاب العسكرى وسمعوا وزير الخارجية الأمريكى يتحدث عن تدخل الجيش فى السياسة! وعندما أراد الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للجيش المصرى أن يوجه ضربة ساحقة للأكاذيب الأمريكية وأن يخرس الألسنة التى تطاولت على إرادة الشعب المصرى وعلى جيش مصر.. وجّه دعوة للجماهير للخروج إلى الشوارع والميادين لتفويض الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب. وفى يوم 26 يوليو استجابت الجماهير بأكثر مما توقع الفريق أول السيسى.. وخرجت الحشود وملأت شوارع وميادين مصر فى كل المحافظات بلا استثناء.. ونسمع من اللواء أبو بكر الجندى رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن تقديره كمسئول فى هذا المجال أن أعداد المتظاهرين يوم الجمعة 26 يوليو وصلت إلى حوالى 35 مليون متظاهر.. على الأقل! وبعيدًا عن الجدل الدائر حول حقيقة هذه الأرقام ومدى دقتها فإنه من الواضح والفاضح لكل العيون المغرضة والمنحازة أن مظاهرات الجمعة 26 يوليو التى صوّرتها الأقمار الصناعية كانت أكبر مظاهرات عرفتها الكرة الأرضية على مدى التاريخ.. على الأقل التاريخ المعاصر. ولم يعد هناك شك فى أن الأغلبية الساحقة من المصريين أرادت أن تسقط حكم الإخوان وتعزل الرئيس المنتخب! وكان من المفترض أن تتراجع الإدارة الأمريكية عن مواقفها الشاذة وتتوقف عن انحيازها السافر لكنها استمرت.. والغريب أن أصواتا أمريكية كثيرة رأت أن موقف الإدارة الأمريكية خطأ وبعيد كل البعد عن الحقيقة.. ورغم ذلك لا تزال الإدارة الأمريكية تتحدث عن تدخل الجيش فى السياسة وشرعية الرئيس المنتخب.. ومثل هذه الخرافات! *** فيما يشبه المحاكمة لسياسات ومواقف الرئيس الأمريكى أوباما ودعمه لجماعة الإخوان المسلمين عقد الكونجرس الأمريكى أكثر من جلسة لمناقشة السياسات الخاطئة للرئيس الأمريكى.. واستعان أحد النواب بصور المظاهرات والحشود المصرية التى خرجت لإسقاط نظام الإخوان وعزل الرئيس. ويصدر اثنان من أعضاء الكونجرس بيانا يقول إن قرار الجيش المصرى لتولى السلطة ونزعها من الإخوان المسلمين وحكومتها هو علامة فارقة فى الثورة المصرية غير المكتملة.. إن جماعة الإخوان المسلمين تجاهلت فهم أن الديمقراطية لا تعنى فقط تنظيم الانتخابات.. إن الديمقراطية الحقيقية تتطلب المشاركة والتفاوض واحترام حقوق الإنسان والأقليات والالتزام بالقانون. وأضاف البيان أن مرسى ودائرته المقربة منه لم يلتزموا بأى من هذه المبادئ وبدلا من ذلك اختاروا اللجوء للقوة وكان نتيجة ذلك أن الاقتصاد المصرى والشعب عانوا بشدة.. إن القوات المسلحة دورها الآن أن تظهر أن الفترة الانتقالية ستتسم بالشفافية وستهدف إلى تحقيق التحول الديمقراطى. ولا يتوقف الموقف الأمريكى المضاد للإدارة الأمريكية عند هذا الحد إنما يقوم أكثر من 120 ألف مواطن أمريكى بتسجيل رغباتهم على موقع البيت الأبيض.. ورغباتهم هى إدراج جماعة الإخوان المسلمين فى قائمة المنظمات الإرهابية. وطبقًا لقواعد البيت الأبيض فإن الرئيس الأمريكى مطالب بالنظر فى أى اقتراح إذا بلغ عدد الموقعين له أكثر من 100 ألف مواطن.. لكن الرئيس الأمريكى لم يفعل.. حتى الآن! لماذا؟! *** ليس خافيا أن الولاياتالمتحدة تسعى لوجود أنظمة سياسية ضعيفة فى مصر لخدمة أهدافها.. وليس خافيا أن جماعة الإخوان كانت - ولا تزال - النموذج المثالى لهذه الأنظمة السياسية الضعيفة التى أدى وصولها للسلطة لتحقيق أهداف أمريكا وإسرائيل. وأهداف أمريكا معروفة.. تقسيم مصر.. إضعاف الجيش.. ضمان أمن إسرائيل.. وكل هذه الأهداف كانت جماعة الإخوان تعمل بمنتهى الإخلاص لتحقيقها.. فلماذا لا تتمسك بها أمريكا رغم إرادة الشعب المصرى؟!.. ولماذا لا تضرب بمبادئ الديمقراطية عرض الحائط؟!.. ولماذا لا تصف الثورة الشعبية بأنها انقلاب عسكرى؟! *** قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن الفريق أول عبد الفتاح السيسى عاد فى ثوب عبد الناصر وأذل الرئيس الأمريكى أوباما. يبدو ذلك صحيحًا ويبدو صحيحًا أيضًا أن الشعب المصرى كله أعطى الإدارة الأمريكية درسًا كانت تستحقه.. من سنوات طويلة!