لو أن الأنباء التى تتحدث عن اتصالات السفيرة الأمريكية فى القاهرة آن باترسون بالإخوان والسلفيين لعرقلة المرحلة الانتقالية.. لو أنها صحيحة فنحن أمام لغز أمريكى جديد.. السفيرة الأمريكية تابعت بنفسها مظاهرات 30 يونيو وتعلم عن طريق أجهزة استخبارات بلادها أن الحشود التى خرجت كانت ثورة شعبية.. لم يسبق لها مثيل لا فى التاريخ ولا فى الجغرافيا.. ومع ذلك تتصل بالإخوان وتطالبهم بالاعتداء على مبانى الجيش.. وتتصل بالسلفيين وتطالبهم بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة بأى ثمن.. لحين وضع الإخوان فى موقف تفاوضى أقوى.. مؤكدة لهم أن محمد مرسى سيعود للحكم!.. ماذا تريد السيدة باترسون.. وماذا تريد أمريكا؟!.. السيدة باترسون فى الحقيقة فعلت ما هو أكثر وأخطر وأشد جرأة.. السيدة باترسون قامت بالاتصال بالفريق أول عبد الفتاح السيسى وطلبت منه التفاوض مع الإخوان!.. وعندما رفض وزير الدفاع لإصراره على القبض على كل من يمارس القتل ضد المصريين قالت له بجرأة تحسد عليها: إن تلك المثاليات لا مكان لها فى السياسة وأن التمسك بالقانون يضر أحيانا بالسياسة. ومن المؤكد أن كلام السفيرة الأمريكية أغضب وزير الدفاع فرد عليها بحدة قائلا: أنت مجرد سفيرة لا حق لك ولا لدولتك فى التدخل فى الشأن المصرى.. وكان غريبا أن تبتلع السفيرة الأمريكية غضب وزير الدفاع وترد بكلمات تحمل تهديدًا صريحًا لمصر: كلامك يجعل السيناريو السورى هو الأقرب للحدوث فى مصر!. لماذا تتخذ السفيرة الأمريكية هذا الموقف المتشدد من الإرادة الشعبية المصرية؟.. لماذا تسبح ضد التيار؟. لماذا تريد قهر إرادة الشعب المصرى وإعادة الإخوان للحكم بعد أن لفظهم الشعب؟.. لماذا يبدو المشهد وكأننا فى قلب مؤامرة؟!. هل هى مصالح أمريكا؟! *** ليس خافيا العلاقة بين الإخوان والأمريكان.. وليس سرا أن هناك اتفاقًا بين الطرفين تدعم بمقتضاه الولاياتالمتحدة حكم الإخوان.. وفى المقابل يعمل الإخوان على تحقيق مصالح أمريكا وأهمها مصلحة إسرائيل!. وعندما بدأ المشهد فى مصر يميل بشدة ضد الجماعة كان واضحًا أن الولاياتالمتحدة تعمل من أجل تنفيذ التزاماتها تجاه الإخوان. لم تتخلَّ السفيرة الأمريكية عن تصريحاتها التى تدعم فيها الشرعية والرئيس المنتخب فى تلميح واضح وصريح لجماعة الإخوان المسلمين.. كما أنها تجاوزت كثيرا حدود دورها كسفيرة وهى تخاطب الجيش المصرى وتحذره من الانقلاب على الشرعية. فى نفس الوقت كانت السفيرة تلمح فى كلامها إلى أن مؤيدى الرئيس أكبر بكثير من المعارضين له، وطالبت المعارضين بالانصياع للديمقراطية والصندوق. والحقيقة أنها لعبت دورًا أكبر بما تضمنته تصريحاتها من تهديدات خفية للذين يفكرون فى الانقلاب على الرئيس. وعندما اقترب حلم "تمرد" من أن يصبح حقيقة، وعندما بدأ يتكشف أن يوم 30 يونيو يحمل بذور ثورة شعبية حقيقية.. بدأت السفيرة الأمريكية تتحرك بسرعة لإجهاض الثورة القادمة فلم تقتصر اجتماعاتها ولقاءاتها بجماعة الإخوان وإنما شملت هذه الاجتماعات واللقاءات التيارات الإسلامية المعارضة للإخوان لإقناعهم بالعودة للحظيرة!. وعندما نقلت الكاميرات للعالم كله مشهد لا تخطئه العين.. مشهد الحشود الهائلة التى خرجت يوم 30 يونيو لإسقاط نظام الإخوان.. راحت السيدة باترسون تشكك فى المشهد والحشد وتطالب الإخوان بحشد مضاد وتهاجم الجيش باعتبار أن ما حدث انقلاب عسكرى!. كان واضحا أن السفيرة الأمريكية ومن ورائها إدارتها تحاولان اللعب بآخر الأوراق.. فراحت أمريكا تحرض العالم ضد مصر التى انقلب جيشها على الشرعية والديمقراطية. وهكذا وبضغوط أمريكية أعلن مجلس السلم والأمن فى الاتحاد الأفريقى تعليق مشاركة مصر فى المنظمة الأفريقية بعد عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسى.. على حد تعبير البيان الرسمى الصادر فى هذا الشأن. فى نفس الوقت اتسمت تصريحات عدد من الدول الغربية وفى مقدمتها فرنسا بالحدة والتلميح والتصريح لمسألة الانقلاب العسكرى.. وكان للضغوط الأمريكية دورها فى اتخاذ مثل هذه المواقف الغربية.. بل إن أمريكا ضغطت على دول عربية لإيقاف مساعداتها لمصر. لكن الشعب المصرى - على عكس كل توقعات السفيرة الأمريكية وإدارتها - قرر أن يدافع عن ثورته وعن جيشه فخرج فى حشود هائلة مرة أخرى أجبرت الإدارة الأمريكية على تغيير موقفها 180 درجة!. *** كان واضحا أن خروج الشعب المصرى بالملايين إلى الشوارع والميادين مرة ثانية وتمسكه بالبقاء حتى تحقيق أهداف ثورته.. كان واضحا أنه السلاح المؤثر الذى أجبر الإدارة الأمريكية على تغيير موقفها، فأصبحت لا تشير من قريب أو بعيد لمسألة الانقلاب العسكرى وراحت تدريجيا تتخلى عن جماعة الإخوان. فى نفس الوقت تسبب الهجوم الحاد الذى شنّه الحزب الجمهورى داخل الكونجرس على سياسات الرئيس أوباما "الفاشلة" فى مصر فى إجبار الرئيس الأمريكى على تغيير موقفه.. ووصل الأمر إلى إعلان الإدارة الأمريكية تخليها بالكامل عن الجماعة وعن الرئيس السابق ودعمها لإرادة الشعب المصرى. وكان مفترضا أن تغير السفيرة الأمريكية موقفها كما تعلمت إدارتها وتسير معها فى الاتجاه الجديد.. لكن الغريب أن السفيرة الأمريكية لا تزال تسبح ضد التيار.. لا تزال تتآمر وتحرض الإخوان على ضرب مبانى الجيش وتحرض السلفيين على تعطيل المرحلة الانتقالية. هل تتآمر السيدة باترسون؟ ولمصلحة من؟! السيدة باترسون فى الحقيقة لها تاريخ طويل فى التآمر.. فعلت ذلك فى الفترة من عام 1997 وحتى عام 2003 عندما شغلت منصب سفيرة أمريكا فى السلفادور ثم فى كولومبيا، لدرجة أنها تعرضت لمحاولة اغتيال نجت منها.. وفعلت ذلك فى باكستان حتى أنها اتهمت بالضلوع فى اغتيال بناظير بوتو!. لكن لماذا تتآمر السيدة باترسون على مصر فى الوقت الذى تغيرت فيه مواقف الإدارة الأمريكية ووصلت إلى حد أنها ترفض وصف ما حدث فى مصر بأنه انقلاب عسكرى؟! ليس هناك إلا تفسير واحد وهو أن السفيرة الأمريكية تنفذ مخططا أكبر حتى من إدارة أوباما.. مخطط تقسيم مصر عن طريق إغراقها فى الفوضى وبحور الدم.. وليس هذا الاحتمال بعيدا عن الواقع فكلنا يذكر موقف جماعة الإخوان من قضية حلايب وشلاتين ومن سيناء!. *** إصرارالسيدة باترسون على إغراق مصر فى الفوضى ليس له إلا معنى واحد.. إنها اللاعب الأساسى فى فريق المؤامرة على مصر.. تاريخها يقول ذلك وحاضرها.. وسوف يكشف المستقبل عن الكثير!.