رغم محاولة رئيس الوزراء اليابانى «شينزو آبى» طمأنة دول منطقة «آسيا والباسفيك» بأن الخطط المقترحة لتعزيز القدرات العسكرية لبلاده تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار فى المنطقة، إلا أنه لم ينجح فى تخفيف حدة القلق من قبل الصين التى رأت فى ذلك تهديدا مباشرا لها فى ظل تصاعد التوتر بين البلدين بسبب الجزر المتنازع عليها بينهما. وفى خطوة نحو التخلص من قيود دستورها السلمى، أصدرت وزارة الدفاع اليابانية تقريرا مؤقتا فى إطار مراجعة برنامجها الوطنى للدفاع، يدعو إلى تقوية قواتها المسلحة وإمكانية الحصول على قدرات لمهاجمة قواعد العدو. كما يدعو التقرير إلى شراء طائرات من دون طيار للمراقبة، وتشكيل وحدة لمشاة البحرية لحماية الجزر النائية، خاصة تلك المتنازع عليها مع الصين، إلى جانب تقوية قدرة اليابان على إرسال قوات إلى الجزر المتناثرة على مسافات بعيدة. وخلال زيارته للفلبين فى ختام جولة فى جنوب شرق آسيا شملت أيضًا ماليزيا وسنغافورة، حرص «آبى» على شرح خطط اليابان العسكرية «حتى لا يتولد لدى دول المنطقة أى سوء فهم» قائلا: إنه «بعد الحرب العالمية الثانية تسهم اليابان مع الولاياتالمتحدة فى تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، وإننا نعتزم أن نواصل لعب ذلك الدور»، لكنه ذكر فى الوقت نفسه أن مراجعة البرنامج الوطنى الخاص باليابان ودستورها السلمى مستمرة، وسوف تكون مبادئ السيادة وحقوق الإنسان وحق الدفاع الذاتى الجماعى هو الدليل الإرشادى له. وأضاف: «نعمق مناقشاتنا بشأن الشكل المناسب للدستور اليابانى المعاصر على أساس التغيرات فى المناخ الأمنى والمجتمع الدولى ككل». وأشارت وكالة «رويترز» للأنباء إلى أن «آبى» تعهد منذ عودته للسلطة فى ديسمبر الماضى بعد فترة أولى فاشلة فى هذا المنصب (2006- 2007) بتقوية الجيش حتى يواجه ما تصفه اليابان بالبيئة الأمنية الخطرة على نحو متزايد فى ضوء تنامى قوة الصين وتصرفات كوريا الشمالية التى لا يمكن التكهن بها. كما أعلن أنه يعتزم تعديل الدستور السلمى الذى وضعه المحتل الأمريكى بعد هزيمة طوكيو فى الحرب العالمية الثانية حيث إن المادة التاسعة من دستور اليابان تحظر اللجوء إلى الحرب لتسوية النزاعات بل تلغى المادة إذا طبقت حرفيا فكرة وجود جيش للبلاد من الأساس لكن قوات الدفاع الذاتى اليابانية تعتبر فعليا واحدة من أقوى الجيوش فى آسيا. وفى الفترة الأخيرة، تزايد قلق اليابان إزاء تحركات الصين المتزايدة فى المياه الإقليمية المحيطة بجزر سينكاكو غير المأهولة فى بحر الصين الشرقى والتى تسيطر عليها اليابان وتطالب بها الصين، وتطلق عليها اسم «دياويو»، حيث تواصل الصين إرسال طائرات مراقبة وسفن إلى محيط الجزر احتجاجا على قيام طوكيو فى سبتمبر 2012 بتأميم ثلاث من جزر الأرخبيل الخمس من خلال شرائها من مالكيها اليابانيين، وهى الخطوة التى أثارت موجة تظاهرات معادية لليابان استمرت أسبوعا فى الكثير من المدن الصينية، واتسم بعضها بالعنف. وفور عودته إلى السلطة أعلن «آبى» عن تبنى خط متشدد فى الخلاف البحرى مع الصين حتى إنه أعلن فى ابريل أن بلاده ستصد بالقوة- إذا اقتضى الأمر- أى إنزال صينى فى جزر سينكاكو. وغداة الفوز الساحق الذى حققه الحزب الديمقراطى الليبرالى الحاكم بقيادة آبى فى انتخابات مجلس الشيوخ الشهر الماضى، ما ضمن له السيطرة على مجلسى البرلمان، وعد رئيس الوزراء الياباني بتبنى «دبلوماسية قوية» قائلا «إننى مصمم على الاستجابة لنداء الشعب. أريد أن أثبت وسوف أثبت بالتأكيد وجود اليابان للعالم». وجاء الإعلان عن التقرير المؤقت تزامنا مع جولة آبى الآسيوية والتى نظر إليها الخبراء كمحاولة من قبل اليابان للتقرب إلى دول جنوب شرق آسيا وحثها على التعاون أكثر معها فى سياسة الأمن الإقليمى بهدف بناء تحالف لمواجهة النفوذ المتنامى للصين وتطويق طموحاتها البحرية. وقد تعهد آبى خلال زيارته لمانيلا بتقديم المزيد من المساعدات للفلبين من أجل تأمين بحارها وسط نزاعاتها الإقليمية مع الصين، قائلا إن الفلبين «شريك استراتيجى» لليابان فى جهودها لضمان وجود منطقة أكثر سلاما وأمنا، مؤكدا استمرار بلاده فى المساعدة من أجل بناء قدرات خفر السواحل الفلبينى، كاشفا عن أن اليابان ستقدم 10 سفن دورية جديدة لخفر السواحل عبر تقديم قرض بالين اليابانى. كما اتفق رئيس الوزراء اليابانى ونائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، خلال لقاء جمع بينهما فى سنغافورة، على ضرورة تعزيز التحالف الأمنى بين اليابانوالولاياتالمتحدة. وردا على التقرير اليابانى، حثت وزارة الدفاع الصينية المجتمع الدولى على التعامل بحذر مع الخطط العسكرية المقترحة من قبل اليابان، وأشارت فى بيان على موقعها الإلكترونى إلى أن «الأجزاء الخاصة بالصين فى تقرير الدفاع اليابانى تلعب على الأوتار القديمة وتبالغ فى تقدير التهديد العسكرى من الصين لأسباب خفية». وأضافت: «هذا العام تحججت اليابان بجميع الذرائع للتوسع فى تملك الأسلحة مسببة توترات فى المنطقة. هذه التحركات تتطلب أقصى درجات الحذر من الدول المجاورة فى آسيا ومن قبل المجتمع الدولى». وكان تقرير الدفاع السنوى الذى أصدرته اليابان مؤخرا، والذى يطلق عليه «الكتاب الأبيض السنوى» قال إن الصين تحاول تغيير الوضع الراهن بالقوة اعتمادا على تأكيداتها الخاصة فى معالجة النزاعات مع الدول الأخرى. وأشار التقرير خصوصا إلى التوغل فى المياه الإقليمية لليابان وانتهاك المجال الجوى اليابانى وهو ما اعتبره تصرفات خطيرة يمكن أن تتسبب فى أحداث غير متوقعة. ومن جانبها، انتقدت الصحافة الصينية خطط اليابان المقترحة لتعزيز قدراتها العسكرية وتقربها من الدول ذات النزاعات البحرية مع الصين، حيث قالت صحيفة «الشعب» اليومية الصينية إن تقرير الدفاع اليابانى يوجه للصين وغيرها من الدول المجاورة اتهامات لا أساس لها من الصحة لتكون مبررا لتدعيم القوة العسكرية اليابانية. بينما قالت صحيفة «تشاينا ديلى» إن التقرير تفوح منه رائحة عدم ثقة من اليابان فى جيرانها، الأمر الذى تستخدمه كمبرر ملائم لطموحاتها العسكرية وكورقة مساومة أقوى فى التحالف الدفاعى مع الولاياتالمتحدة. أما صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية فرأت أن التقرير «قد زاد بشكل حاد من لهجته الاستفزازية» فى تسليط الضوء على الصين باعتبارها تهديدا أمنيا كبيرا، مؤكدة أن الهستيريا التى تنتاب بعض السياسيين اليابانيين تنبع من القلق الذى يسيطر على بلادهم. وعن التقارب بين اليابان والفلبين، ذكرت الصحيفة أن البلدين تحاولان تشكيل «محور» لمواجهة الصين فى المياه المجاورة لها وتهدفان إلى الإيهام بأن الصين أصبحت معزولة، ولكن الحقيقة أن التأثير الاستراتيجى للمحور محدود وأن «تطويق الصين» هو مجرد خيال.