تُعْتَبر من أهم مُشْكِلات القانون الدُسْتُورى هى مشكلة عدم وجود مَنْهَج دُسْتُورى يتم العمل بمقتضاه والمَنْهجيَّة هى كلمة عَرَبِيّة نُتَرجَم بها كلمة Methodology بالانجليزية وبالفرنسية Méthodologie وتُعْنِى هذه الكلمة فى اللُّغات الغَربية عِلْم المَنَاهِج وتعنى المَنْهجيَّة مجموع المَعَارِف والتِقْنيات والأسَاليب التى تَقْتَرِنْ بالبَحْث العِلْمِي، والمَنْهجيَّة تشمل فُروض البَحثْ المَوضُوعِيَة ضِمْن حَقْل دِرَاسى مُحَدَّد، وبعبارة أخرى فإن عِلم مَنَاهِج البَحْث العِلْمِى هو أَحَد فُروع المَنْطِق ويبحث فى مَنَاهِج العُلومْ المختلفة ولا يبتكر هذا العِلْم طُرقاً ولكنه يدرس فقط المَنَاهِج المُستَخْدَمَة وذلك بتحليل بِنَاءْ العُلُوم بدراسة أهدافها وكيفية نُمُوّها وأنواع التَعْمِيمَات التى تَتَضمنها وأُسُسِها أو تفصيل فروضِها الفَلْسَفية وعِلاقاتِها بالعُلوم الأُخرى وإجْراءَات البَحْثْ وأسَاليبه بَما فى ذلك طُرُق جَمْع البيانات ومُعَالجَتُها وقد أدى غياب تطبيق المنهج الصحيح إلى حُدوث أخْطَاء فَادِحَة فى دراسة المُشكِلاتْ الدُسْتُورية وتَحْليْلها وتأصِيلها ومنها مُشكِلَة وضع الدُسْتُور المعلق لسنة 2012 من قبل والمشكلة الحالية وهى وضع دستور آخر جديد لِمِصْر. فقد صدر الإعلان الدستورى الأول لثورة 30/6/2013 ونُشر فى الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 8/7/2013 وقد تضمنت المادة 28 منه أن : «وتختص اللجنة باقتراح (التعديلات) على دستور 2012 المعطل، على أن تنتهى من عملها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تشكيلها» وقد أكّد هذا المعنى قرار رئيس الجمهورية رقم 489 لسنة 2013 بشأن تشكيل لجنة وضع الدستور والمنشور فى الجريدة الرسمية فى 21/7/2013 والذى تضمنت المادة الثالثة منه أن: «تقوم اللجنة بمراجعة نصوص دستور سنة 2012 المعطل لإدخال ما تراه من (تعديلات) عليه ولها فى هذا الشأن أن تطلب وأن تتلقى أى مقترحات من الجهات المختلفة»، وقد أكدت المادة الرابعة من القرار الجمهورى المذكور معنى أن ما سوف يطرأ على دستور 2012 هو مجرد تعديلات. ويعيب نص الإعلان الدستورى ونص القرار الجمهورى المذكور أنه قد صادر على حق الثوار الأصيل وحق لجنة الدستور وواجبها كلجنة دستورية مختصة فى أن يصدر كل منهما - الشعب واللجنة – قراره فى مسألة أولية جوهرية سابقة على اقتراح أى تعديلات هي: هل يتم تعديل دستور 2012 أم يتم صياغة دستور جديد؟ لأن البداية الصحيحة لتعديل أو إعداد الدستور هى الالتزام بالمنهج الدستورى الصحيح ومراعاة المنطق القانونى والدستورى المعروف وهو أن الفصل فى المسائل الأولية يكون سابقا على الفصل فى المسائل الموضوعية، أى أنه قبل أن نتكلم عن تعديل الدستور يجب أن نحدد هل ما سوف يتم عمله هو تعديل للدستور أم إنشاء لدستور جديد. ونحن نرى أنه توفيرًا للوقت والجهد فإن تحديد الهدف هل هو التعديل الجزئى أم إنشاء دستور جديد هى مسألة أولية سابقة على وضع التعديلات الدستورية، ويجب أن تحسمها لجنة العشرة ولجنة الخمسين قبل إجراء أى تعديل، وذلك لاختلاف المنهج التطبيقى الذى سوف يُتبّع فى الحالتين وذلك دون النظر إلى موعد الثلاثين يوما المنصوص عليها فى المادة 28 من الإعلان الدستورى لأنه ميعاد تنظيمى لا يترتب عليه أى بطلان، ولأن إعداد الدستور – أو حتى تعديله - هو عمل تاريخى لا نعتقد أن فترة الثلاثين يوما تكفى لإتمامه. ونحن نرى أنه يجب إعداد دستور جديد بدلا من دستور 2012 لأنه لن يُجدى تعديله لكثرة العيوب الشكلية والموضوعية الجسيمة التى تصل به إلى درجة الانعدام، ونحن نستند فى رأينا المطالب بإعداد دستور جديد إلى أسباب متعددة منها : المنهج اللغوى فى التفسير لأنه فى حدود التفسير اللغوى والاصطلاحى والمنطقى لكلمة تعديل ولمادة «عَدَلَ» و «يعدّل» و «تعديلاً» و «عَدْل» فإن هذا التعديل يتضمن التعديل الجزئى والتعديل الكامل الذى يعنى إنشاء دستور جديد، ويؤكد ذلك الحكمة العربية التى وردت فى كتب اللغة والحِكَمْ والأمثال العربية والتى تقول: «اتّسَعَ الَرَتْقُ (أى العيب الذى يحتاج إلى تعديل) عَلى الرَاقع (لجنة وضع الدستور) والثوب (الدستور) بحاجة إلى تغيير». كما يؤكد ذلك ما ورد فى لسان العرب ومختار الصحاح والمصباح المنير من تفسير لغوى للكلمات الأربعة استنادا إلى استخدام القرآن الكريم للكلمات المذكورة، ومنها قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} الآية 2 من سورة الطلاق ؛ قال سعيد بن المسيب: ذوى عقل، وقال إبراهيم: العدل الذى لم تظهر منه ريبة، وكتب عبد الملك إلى سعيد بن جبير يسأله عن العدل فأجابه: إن العدل على أربعة أنحاء: العدل فى الحكم، قال الله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} من الآية 42 من سورة المائدة. والعدل فى القول، قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} من الآية 152 من سورة الأنعام، كما قال الله عز وجل: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} من الآية 123 من سورة البقرة وتعديل الشيء تقويمه قال عدله تعديلا فاعتدل أى قَوّمَه فاستقام. وتعديل الشهود أن تقول إنهم عدول ولا يقبل منها صرف ولا عدل فالصرف التوبة والعدل الفدية ومنه قوله تعالى {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} من الآية 70 من سورة الأنعام أى وإن تفد كل فداء. ونحن نرى أن مفاد التفسير اللغوى لكلمة (تعديل) أنها تضمن التعديل الكلى وأنه من العدل أن يتم إعداد دستور جديد لأن الدستور على هذا النحو لا يقبل الاعتدال ولا يصلح فيه أى عدل، ومن العدل والعدالة أن يتم عمل دستور جديد لأنه لا يُجدى فيه تعديل أيّا كانت المبررات السياسية أو الواقعية لتعارض ذلك مع علم القانون الدستورى وتعارضه كذلك مع أسباب وأهداف ونتائج ثورة 30/6/2013، والتى تتطلب دستورًا جديدًا يحترم التاريخ الدستورى المصرى وأحكام المحكمة الدستورية العليا المصرية كمصدر للقانون الدستوري، ومبادئ ثورة 30/6/2013 القائمة على أساس العقد الاجتماعى الجديد بين المصريين بعد الحكم الاستبدادى والفاشى السابق على قيام تلك الثورة. توصلنا إلى حل لمشكلة مدى حاجة الدستور إلى مجرد التعديل أو حاجته إلى الصياغة الكاملة فقد سبق لنا أن أنشأنا نظرية جديدة – غير مسبوقة - فى الفقه الدستورى المصرى والمقارن هى نظرية الانعدام والبطلان والانحراف فى القانون الدستورى شرحناها فى كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصرى الجديد لسنة 2012، مفادها كما يلي: المقصود بالدستور المنعدم: الدستور المنعدم هو الدستور الذى يتضمن بكامله مخالفات صارخة وجسيمة فى إجراءات إصداره وفى تشكيل الجمعية التأسيسية التى وضعته أى أن السلطة التأسيسية لا تُعبر عن حقيقة المجتمع والتيارات السياسية المائجة فيه وإنما تُعبر عن فئة أو طائفة معينة أو فكر إيديولوجى أو فكر سياسى أو عسكرى لا يُعبر عن آمال المجتمع وأهدافه وتطلعاته. كما يتضمن الدستور المنعدم مخالفات صارخة فى موضوعه بشأن الحقوق والحريّات والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحصاناته يتعذر معها القول بأن هذا الدستور يعتبر تطبيقا صحيحاً لمبادئ حقوق الإنسان ومبادئ الحكم الرشيد ويتعارض مع المبادئ العليا فوق الدستورية ويُعد استبداداً صارخاً من السلطة المؤسسة أو المانحة للدستور أو اغتصاب، للسلطة التأسيسية الدستورية على خلاف أحكام القانون والأعراف الدستورية المعترف بها دولياً أو على خلاف النظام السياسى والاجتماعى للدولة، وعلى وجه العموم تخلف الأركان الأساسية لقيام دستور يراعى التوافق والرضائية Compatibility والتعاقدية Contracting بين الحاكم والأطياف السياسية فى الدولة بالمخالفة للمصادر الدستورية التى أولها المبادئ فوق الدستورية. وتأسيسيا على ذلك فإن الانعدام الدستورى لا ينصرف إلى إجراء دستورى بعينه فقط أو مادة بعينها فقط وانما ينصرف إلى الدستور برمته وما فيه من مواد أخرى تضمن عيوب، تفصيلية خاصة بها ، ونحن نرى أن البطلان والانحراف يشكلان درجة أقل فى العيوب التى تلحق الدساتير وقد أوضحنا ذلك فى كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصرى لسنة 2012 «. وتنطبق جميع أوصاف الانعدام - سالفة الذكر - على دستور الفجر لسنة 2012 – الفجر بفتح الفاء زماناً وبضم الفاء موضوعاً – وذلك على النحو الذى سوف نشرحه تفصيلاً فى مقالات تالية إن شاء الله تعالى. E-mail:[email protected]