ارتفاع قيمة المخزون العقارى لدى البنوك إلى ما يزيد على 16.5 مليار جنيه وفقاً لإحصائيات البنك المركزى يعد من أهم التحديات التى تواجه الجهاز المصرفى المصرى حاليًا، فضلا عن حالة الركود الاقتصادى التى زادت من المخاطر التى تواجهها البنوك فى ملف إدارة الأصول العقارية، وهو ما دفع بعض البنوك نحو البحث عن آليات جديدة لإدارة ملف الأصول العقارية، وتعتمد هذه الآليات على التخلص من محافظ الأصول العقارية للبنوك خلال «تصكيك» جزء من الأصول بمجرد تطبيق مشروع قانون الصكوك، والتفاوض مع شركات تسويق عقارى أجنبية بهدف الترويج لبيع تلك الأصول. «أكتوبر» تطرح فى سياق الموضوع التالى القضية للنقاش من جانب الخبراء لتقييم هذه التوجهات والكشف عن أهم الأدوات التى تحقق الإدارة الناجحة للأصول العقارية التى تؤول ملكيتها للبنوك نتيجة لتسويات مديونيات المتعثرين. تصكيك الأصول محمد طلعت، مدير عام الاستثمار ببنك فيصل قال: إن البنك لديه تصور للتخلص من الأصول العقارية التى آلت للبنك نتيجة تعثرات أو مملوكة له ملكية خاصة من خلال عمليات التصكيك، مشيراً إلى أن تلك الآلية ستساهم فى سرعة تخلص البنوك من أصولها وتمكنها من توفير السيولة اللازمة، مشيراً إلى أنه بمجرد طرح الصكوك سيكون هناك العديد من البرامج والآليات التى يمكن استغلالها و تطويعها فى خدمة محافظ البنك المختلفة. وتوقع طلعت أن تقوم البنوك التى تعانى من ارتفاع محافظها المتعثرة فى الاعتماد على آلية التصكيك فى التخلص من تلك الأصول، متوقعا نمواً فى الطلب على اكتتابات الصكوك بمختلف أنواعها. ومن جانبه، قال عبد المجيد محيى الدين رئيس مجلس إدارة البنك العقارى المصرى العربى: إن تصكيك محافظ الأصول العقارية بالبنوك هى آلية جديدة توفر للبنوك فرصة للتخلص من الأصول المتراكمة لديها إلا أن إقبال البنوك على تصكيك محافظها مرهون بمدى طلب العملاء على طلبات الصكوك. وأضاف أن المنتجات التى تطرحها البنوك قائمة على عمليات عرض وطلب، كلما زاد الطلب على منتج بعينه توسعت باقى البنوك فى طرحه، متوقعا أن تبادر البنوك الإسلامية بعمليات تصكيك لمحافظها، لافتا إلى أن نوع الأصل أيضا يتدخل فى مدى إقبال العملاء عليه. وأشار رئيس قطاع الفروع الإسلامية بأحد البنوك العامة إلى أن آلية تصكيك محافظ الأصول العقارية ستحقق جدوى فى التخلص من الأصول العقارية بالبنوك، مشيرا إلى أن هناك استعدادات واضحة من جانب الشركات والعملاء فى التعامل من خلال آلية الصكوك بمجرد طرحها، مما يشير إلى احتمالية نجاح تلك الآلية. ونفى أن تقتصر آلية تصكيك الأصول العقارية عل البنوك الإسلامية فقط،متوقعًا أن البنوك العامة من الممكن أن تصكك محافظها العقارية ما دامت أن العقود التى تبرمها ونوعية الأصول متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. شركات التسويق الأجنبية وذكر مصدر مسئول بالبنك العقارى المصرى العربى أن البنك لديه محفظة أصول تبلغ 2.4 مليار جنيه، وتوجد عدة أساليب لعملية تسويق هذه الأصول، حيث يسعى البنك للتعاقد مع شركات لعمل تسويق لهذه الأصول، بجانب دراسات أخرى لعمل صناديق عقارية عن طريق شركة أجنبية متخصصة فى الصناديق العقارية تقوم بتسويق الأصول العقارية عن طريق طرح سندات. تقييم الخبراء بداية أوضح فتحى ياسين رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى الأسبق أن اللجوء إلى شركات التسويق الأجنبية وإصدار الصكوك الاسلامية على الأصول العقارية يعد بمثابة بعد الآليات المتبعة لتسييل الأصول العقارية، إلا أنها من ناحية أخرى تعد نوعًا من التحايل والأسلوب غير السليم لإدارة البنوك لملف الأصول العقارية، وأرجع ذلك للعديد من الأسباب يأتى فى مقدمتها أن سوق العقارات على المستوى العالمى يعانى من الركود الشديد وتعرض للعديد من الأزمات على مدار السنوات الماضية منذ عام 2008، الذى شهد أزمة من أشد الازمات التى تعرضت لها الولاياتالمتحدة نتيجة لسوء الإدارة والفشل فى الاستثمار فى مجال الاصول العقارية. ومن ناحية أخرى أوضح أن السوق المصرية مليئة بأصحاب الكفاءات ممن يمكن الاعتماد عليهم بنجاح فى إدارة ملف الأصول العقارية بنجاح . وفيما يتعلق بإصدار صكوك إسلامية على الأصول العقارية التى حصلت عليها البنوك نتيجة لتسويات مديونيات المتعثرين أكد أن تجربة الصكوك الإسلامية مازالت فى مهدها وقد تنطوى عملية التطبيق على بعض الأخطاء التى تنعكس سلبًا على الاقتصاد المصرى فى مجمله، وأنه من ناحية أخرى وفقا لما أثبتته التجارب السابقة الأكثر نجاحًا للبنوك فى إدارة الأصول العقارية، فإن نظام التقسيط هو الأفضل فى تسوية المديونية والاستفادة المثلى من الأصل العقارى، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال استطاع البنك الأهلى خلال آلية التقسيط طويل الأجل تسوية المديونيات الخاصة بمدينة الرحاب، وأضاف أن الاعتماد على نظام التقسيط يتطلب ضرورة حصول البنك على الضمانات اللازمة من المدين بعدم التصرف بالبيع إلا بعد سداد كامل المديونية والتى تضمن أيضا إتمام عملية التقسيط بضمان البنك. التسويق ومن جانبه أوضح د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى أن قضية الاعتماد على شركات التسويق العقارى الوطنية أو الأجنبية فى تسويق الأصول العقارية له شقان، الأول هو جلب الاستثمارات وزيادة معدلات السيولة لدى البنوك، والثانى يتمثل فى التأثيرات السلبية التى يمكن أن تنجم عن تلك الممارسات حيث يمكن أن تؤدى إلى تضخم فى سوق العقارات خاصة فى ظل حالة الركود الاقتصادى الذى يعانى منه الاقتصاد المصرى بشكل عام، مشيرًا إلى أنه من ناحية أخرى فإن شركات التسويق العقارى الأجنبية يمكن أن تتيح الفرصة أمام بعض النماذج من غير المرغوب فى تملكهم وحدات عقارية فى مصر و الذين يمثل تواجدهم وتملكهم لوحدات عقارية مخاطر على المجتمع المصرى ككل، وانطلاقًا من تلك المخاطر أكد ضرورة وضع الضوابط والمعايير والآليات اللازمة لتحليل الأطراف التى تقبل على تملك وحدات عقارية فى مصر خلال شركات التسويق العقارى خصوصًا أن هناك العديد من التجارب التى أثبتت مخاطر تمليك الوحدات العقارية لغير مواطنى الدولة . وفيما يتعلق بالاتجاه نحو إصدار صكوك إسلامية على الأصول العقارية أوضح أن تجربة الصكوك من الممكن أن ينطوى تطبيقها على مخاطر كبيرة خاصة أنها مازالت قيد الإعداد وتفتقر إلى العديد من التشريعات والضوابط التى من الممكن أن تجعلها غير صالحة للتطبيق فى إدارة الأصول العقارية قبل تقييم مدى نجاحها والدور الذى يمكن أن تلعبه فى النشاط الاقتصادي. الفكر الجديد وطرح د. أيمن محمد إبراهيم بعض الآليات لإدارة البنوك للأصول العقارية التى تحصل عليها نتيجة لتسوية مديونيات المتعثرين منها الاستثمار المباشر خلال عقود الشراكة بين البنوك والأطراف التى تمارس ذات النشاط الذى كان يمارسه أصحاب العقارات قبل أن تؤول ملكيتها للبنوك حال أن تكون العقارات التى حصل عليها البنك عبارة عن مصانع أو وحدات سكنية بالمدن الجديدة وغير ذلك من العقارات التى يمكن توظيفها فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية . وأوضح إبراهيم أن نظام التأجير يعد بمثابة أسلوب جيد للاستثمار غير المباشر للبنوك للأصول العقارية خاصة تأجير المصانع وغيرها من الوحدات التى تصلح لمختلف الأغراض الاقتصادية، وخاصة أن السوق المصرى يوجد به ما يقارب من 2660 مصنعًا متوقفًا منذ بداية الثورة. ومن ناحية أخرى أكد إبراهيم أن إدارة ملف العقارات التى تؤول ملكيتها للبنوك تتطلب فكرًا جديدًا وضوابط شديدة لحماية الاقتصاد المصرى . مضيفًا أن الأصول العقارية التى تحصل عليها البنوك نتيجة لتسوية مديونيات المتعثرين تعد وسلية سليمة ومشروعة تستوفى خلالها البنوك مستحقاتها من المدينين المتعثرين للسداد الكلى أو الجزئى للدين حال عدم استطاعة المدين القدرة على السداد النقدى فى حاله موافقة المدين على منح تفويض كامل للبنك لبيع الأصل والتصرف فيه وفقًا للمعايير المتفق عليها، على أن يتم الاحتفاظ بالأصل لمدة عام كفترة انتقالية يقوم البنك خلالها بدراسة كيفية الاستفادة بالشكل الأمثل من الأصل العقارى خلال إداراته المعنيه ومستشاريه وفى حالة الاتفاق على البيع فإن ذلك يتم خلال مزادات علنية والإعلانات فى الصحف، هذا ما بدأ به د. عبد الرحمن بركة رئيس مجلس إدارة بنك مصر- رومانيا، موضحًا أن تلك الوسيلة تعد مقبولة من حيث الشكل فى تسوية مديونيات البنك وضمان حقوق المودعين. وفى ذات السياق أشار د.إبراهيم إلى أن توجهات بعض البنوك نحو التفاوض مع شركات تسويق أجنبية وإصدار صكوك إسلامية على الأصول العقارية كآليات لتسييل الأصول لا تمثل أية خطورة على الاقتصاد المصرى، إلا أنه من ناحية أخرى أكد أن الاعتماد على شركات تسويق عقارى تقوم البنوك بإنشائها ونقل الأصول العقارية إليها بهدف إدارة تلك الأصول تعد الأداة الأفضل والأكثر إيجابية فى إدارة ملف الأصول العقارية نظرًا لأنها تجعل محفظة البنك نظيفة مشيرًا إلى أن بنكى مصر والأهلى لهما تجارب ناجحة فى انشاء هذه الشركات والاعتماد عليها. وفيما يتعلق بالصكوك الإسلامية يرى أنها من الممكن أن تكون أكثر نجاحًا فى تطبيقها على الأصول الإنتاجية. الأمن القومى وردًا على ما يثار حول مخاطر الاعتماد على شركات تسويق عقارى أجنبية على الأمن القومى المصرى أكد اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى والاستراتيجى أن جميع البنوك العاملة فى مصر تخضع لرقابة البنك المركزى المصرى وتسير وفقًا للوائحه وقوانينه وأنه لا خطورة مطلقًا من الاعتماد على تلك الأدوات لإدارة الأصول العقارية المصرية، مشيرًا إلى أنه لا خوف على الثقافة المصرية والمجتمع المصرى من التمدد الشيعى وغيره وأن ذلك ما أثبته التاريخ المصرى على مر العصور. دراسات جدوى ويرجع د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا أسباب زيادة الأصول العقارية لدى البنوك لعدم وجود دراسات جدوى فعّالة من جانب البنوك قبل تمويل المشروعات. وبالتالى يتعثر المشروع وتؤول ملكية الأصول العقارية للبنك، ويضيف أنه على سبيل المثال مازالت البنوك تقوم بتمويل مشروعات القرى السياحية والمنتجعات رغم زيادة العرض على الطلب بمعدلات كبيرة علاوة على فشل عمليات التسويق لهذه المشروعات. وأكد طاحون ضرورة تفعيل إدارة البحوث بالبنوك لتقييم المشروعات بشكل دقيق وفعّال قبل تمويلها علاوة على ضرورة الاستعانة بذوى الخبرة المجردين من المنفعة فى تقييم مثل هذه المشروعات.. وفى هذا الصدد أكد ضرورة الاستعانة بأساتذة الاقتصاد بالجامعات المصرية الحكومية وذلك لاستبعاد نسبة الفساد عن البنوك وتوفير التقييم الصحيح والفعّال للمشروعات قبل تمويلها. وأضاف. طاحون أن البنوك دورها تمويلى وليس تسويقيا ولذا فإن استمرار البنوك فى تمويل مثل هذه المشروعات دون الاعتماد على دراسات جدوى فعّالة يمثل خطراً يهدد النشاط الاقتصادى خاصة فى ظل غياب التخطيط الواعى لتوجيه عمليات الائتمان، وعدم وجود صناديق احتياطية للكوارث فى مصر وهو ما يترتب عليه حدوث تداعيات شديدة الخطورة فى حالة فشل البنوك فى إدارة مخزونها العقارى وغياب الخطط المدروسة لتوجيه الائتمان لصالح التنمية الاقتصادية. ومن ناحية أخرى أكد طاحون أن الأصول العقارية التى تؤول ملكيتها للبنوك نتيجة لعمليات تسوية مديونيات المتعثرين توفر الضمانات اللازمة للبنوك لعملية السداد، موضحًا أن إدارة البنوك لهذه الأصول لا تأتى بهدف الاستثمار. وإنما تتخذ كضمانات، ولذا فإن إدارة البنك لهذه الأصول تعد أفضل من إدارة العملاء المتعثرين.. وفى ذات الوقت تمكن إدارتها بشكل أفضل من جانب أصحابها إذا توافرت لهم عناصرالخبرة.