أتفحص أوراقى وأنا على مقربة من لقائى المرتقب بسيد شباب أهل الجنة.. الرجل الذى كرم الله وجهه.. اخترت أن ألتقيه فى هذا الوقت.. وقد كثر الكلام حول أهل الدين.. وأرباب السياسة.. وقد حلقت فوق الرءوس طيور الفتن.. ما ظهر منا وما بطن.. إنه على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة (رضى الله عنه) ووالد سبطيه الحسن والحسين سيدى شباب أهل الجنة على خطى والدهما.. علىّ هو من أسلم من الصبيان وهو الذى نام فى فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وافتداه.. وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فعن سهيل بن سعد (رضى الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:(لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه.. يحب الله ورسوله.. ويحبه الله ورسوله فبات الناس يدولون ليلتهم أيهم يعطاها أو يأخذها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها فقال: أين علىّ بن أبى طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكى عينيه، قال: ارسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عينيه ودعا له فبرئى حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال على: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله فيه لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم أى أعظم النعم وأكثرها. وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة علىّ وقربه منه حتى قال لما استخلفه على المدينة فى غزوة تبوك:(ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى؟.. إلا أنه ليس نبى بعدى). وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قوله: ما نزل فى أحد من كتاب الله تعالى مثلما نزل فى علىّ. وعن أبى ذر (رضى الله عنه) قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلىّ بن أبى طالب (رضى الله عنه). هكذا تكلم ?? سيدى ماذا تقول فيمن يقدسك ويرى فيك ما لم تره فى نفسك؟ يقول الإمام علىّ: كيف لرجل قال الله ربى ومحمدا نبى ورسول الله وشهد بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتجاوز ويخرج إلى ما ليس له وكيف لى وأنا من قال: لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، ولا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير كالمشاورة، والصبر صبران.. صبر على ما تكره.. وصبر على ما تحب.. والغنى فى الغربة وطن.. والفقر فى الوطن غربة.. والمال مادة الشهوات ومن حذرك كمن بشرك.. وفقد الأحبة غربة وفوت الحاجة أهون من طلبها من غير أهلها ولا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه والعفاف زينة الفقر.. والشكر زينة الغنى.. ولا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مُفرطا.. وإذا تم العقل نقص الكلام. ?? سيدى.. وما قولك فى الفتنة؟ يقول الإمام: ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة، ومن وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ولا يعاب المرء فى تأخير حقه إنما يعاب من أخذ ما ليس له وترك الذنب أهون من طلب التوبة، والناس أعداء ما جهلوا، وازجر المسيئ بثواب المحسن، وآلة الرياسة سعة الصدر، ومن لم ينجه الصبر أهلكه الجزع. والإسلام واحد.. ورب الإسلام واحد.. ونبى الإسلام واحد.. والإسلام هو التسليم.. والتسليم هو اليقين.. واليقين هو التصديق.. والتصديق هو الإقرار.. والإقرار هو الأداء.. والأداء هو العمل. ?? سيدى.. أنا لا أصدق أن تكون رجل دنيا وسلطان والخلافة وأنت الزاهد دائمًا وأبدًا.. فهل لك أن تكشف لنا هذا الأمر؟ يقول الإمام: ارتحلت الدنيا مدبرة.. وارتحلت الآخرة مقبلة.. ولكل واحدة منهما بنون (أبناء) فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب.. وغدًًا حساب ولا عمل. وما اضمر أحد شيئا إلا ظهر فى فلتات لسانه وصفحات قلبه وأفضل الزهد إخفاء الزاهد، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه مالا يعلمون. ?? سيدى.. ماذا تقول فى كتاب الله وميثاقه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وكل يحاول تفسيره وتأويله كما يريد؟ يقول الإمام: اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذى لا يغش، والهادى الذى لا يضل، والمحدث الذى لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحدا إلا ما قام عنه بزيادة أو نقصان.. زيادة فى هدى.. ونقصان من عمى.. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ولا لأحد قبل القرآن من غنى.. فاستشفوا به من أدوائكم.. واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه شفاء من أكبر الداء.. وهو الكفر والنفاق والغى والضلال.. فاسألوا الله به.. وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه إنه ما توجه العباد إلى الله تعالى بمثله وأعلموا أنه شافع ومشفّع، وقائل مصدق، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة صدق عليه. ?? سيدى.. وما هى علامات أهل الصلاح والإصلاح حتى نكشف من يتاجرون بدين الله.. لدنياهم؟ يقول الإمام: علامة الصلاح عند الصالح.. أن ترى له قوة فى دين، وحزمًا فى لين، وإيمانًا فى يقين، وحرصًا فى علم، وعلمًا فى حلم، وقصدًا فى غنى.. وخشوعًا فى عبادة.. وتحملًا فى فاقة.. وصبرًا فى شدة.. وطلبًا فى حلال.. ونشاطًا فى هدى.. وتحرجًا عن طمع.. إنه رجل يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل.. يمسى وهمه الشكر.. ويصبح وهمه الذكر.. يبيت حذرًا ويصبح فرحًا.. حذرًا لما حذر من الغفلة.. وفرحًا بما أصابه من الفضل والرحمة.. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب.. قرة عينه فيما لا يزول.. وزهادته فيما لا يبقى.. يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل.. تراه قريبا أمله.. قليلا زلله.. خاشعا قلبه.. قانعا نفسه.. نذورًا أكله.. سهلًا أمره.. حريزا دينه.. ماتت شهوته.. مكظوم غيظه.. الخير منه مأمول.. والشر منه مأمون.. إن كان فى الغافلين كتب فى الذاكرين.. وإن كان فى الذاكرين لم يكتب من الغافلين.. يعفو عمن ظلمه.. ويعطى من حرمه.. ويصل من قطعه.. بعيدًا فحشه.. لينا قوله.. غائبًا منكره.. حاضرا معروفه.. مقبلا خيره.. مدبرا شره.. فى الزلازل وقور.. وفى المكاره صبور.. وفى الرخاء شكور.. يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه.. لا يضيع ما استحفظ.. ولا ينس ما ذكر.. ولا ينابز بالألقاب.. ولا يشمت بالمصائب.. إن صمت لم يغمه صمته.. وإن ضحك لم يعل صوته.. وإن بًغى عليه صبر حتى يكون الله هو الذى ينتقم له.. نفسه منه فى عناء.. والناس منه فى راحة.. أتعب نفسه لآخرته.. وأراح الناس من نفسه.. يُعده عمن تباعد عن زهد ونزاهة.. ودنوه ممن دنا من لين ورحمة ليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوه بمكر وخديعة.