ما أحوجنا فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، إلى كلمة صادقة، كلمة وطنية بمعنى الكلمة لا تبغى غير وجه الله، وما أحوجنا إليها وهى على لسان رجل دين عنوان صادق لسماحة الإسلام ووسطيته.. «أكتوبر» التقت الدكتور بكر زكى عوض عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر واستمعت إلى شهادته على الأحداث الجارية، وكيف يمكن لمصر وشعبها اتقاء شر الفتنة وخطرها، وما هو السبيل إلى نصرة دين الله بالمعنى الحقيقى دون زيف السياسة وألاعيبها. * كيف ترى واقع الأمة الإسلامية الذى تعيشه الآن؟ ** الأمة الإسلامية تعيش عصر اضمحلال سياسى ولم تستفد من بعض التجارب التى مرت بها بعض الدول الإسلامية فى أواخر القرن الماضى.. حتى مطلع هذا القرن ولا يزال الانتماء لتيارات سياسية معينة، فأمتنا الإسلامية مقصرة بحق كتاب ربها، مقصرة بحق سُنّة نبيها، مقصرة فى عدم تحكيم العقل فى عدم الاستفادة من الحكماء الذين هم قادرون على إدارة شئون هذه الأمة جملة وتفصيلا، فتقصير هذه الأمة بحق كتاب ربها واضح فى أن الله أمرها بالوحدة فلم تتحد، ونهاها عن الفرقة فتفرقت، وأمرها بأن تعتصم بكتاب الله فلم تعتصم، وأمرها بأن تعد العدة لمواجهة خصومها فلم تستعد، ولهذا نزل بها الوعيد الإلهى الذى يقول: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقد تنازعنا ففشلنا، فذهبت ريحنا. * وماذا عن مصر الأزهر؟ ** مصر تعيش أزمة صراع دينى بين التيارات الإسلامية والناس فى حيرة فى دينهم يتبعون التيار السلفى أم التيارات الأخرى، وبين هذه التيارات بعضها البعض صدام وصراع يدور حول شىء واحد هو حسابات المكاسب والخسائر فقط، وليس حسابات الدين أو نَصْ القرآن أو السُنّة النبوية المطهرة. واسمح لى أن أدلل لك بمثال ذكرته كثيرًا وفى مواقف متعددة، وهو أننا فى أيامنا هذه نقع فى مخالفات واضحة صريحة، فمثلا نهى الإسلام عن سياسة الاستفزاز، ومع هذا فواقع المسلمين فى مصر إنما يقوم على «الاستفزاز»، ونقرأ القرآن الكريم: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )، ونقرأ فيه أيضًا: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ، ونقرأ قول الله تعالى: ( واذا خاطبهم الجهلون قالوا سلما) ، نقرأ قول الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كل هذه النصوص غائبة عن القطاع الدينى غير الأزهرى جملة وتفصيلا. * اعتقد الكثيرون أن وجود الإسلاميين فى الحكم سوف يخدم الإسلام لكن هذا لم يتحقق.. فى رأيك لماذا؟ ** لو أن المسلمين الذين صعدوا إلى قبة الحكم عملوا بالإسلام ولم يتخذوا منه شعارًا، لقدموا خيرًا للبلاد.. ولكن يحزننى أنهم اتخذوا الإسلام شعارًا وأساءوا إليه من حيث التطبيق جملة، وتفصيلًا، وسوف أضرب مثلًا واحدًا عندما تقدم جماعة الإخوان المسلمين «الإسلام هو الحل».. فهذا شعار يحمده الجميع ويشغلهم، لكن الناس انتظروا الحل، فلم يجدوا حلًا واحدًا لأى شىء على وجه الإطلاق، وهنا يصاب الناس بالأزمة ويظنون أن الإسلام الذى يقدم الحل، عاجز عن تقديم الحل، بل إنهم فى هذه الفترة من الزمن قد نزل بهم من المشاكل مالم ينزل بهم عبر سنين، ولو أنهم فرقوا بين الإسلام وقدرته على الحل من ناحية، وبين المسلمين وعجزهم عن تقديم الحل لهان الأمر وما تحمل الإسلام تبعة توظيف هذا الشعار، لكن الناس يتساءلون الآن أين الحل، بل إن بعض الشباب الآن قد أصيب بصدمة، وبعضهم أعرض عن الالتزام بالدين، وبعضهم أساء فهم الدين الإسلامى وظن أن زمنه قد ولّى، بعد أن تاجر بهذه الكلمات تيارات أخرى، حين قالوا «لو كان فى الإسلام حل، لأرانا».. إذ ينبغى أن يكون الدين بمعزل عن الشعارات التى ترفع جملة وتفصيلًا، ومن أراد أن يوظف الدين وأن يخدمه، فليخدم الدين من خلال التطبيق العملى لهذا الدين، ولو طبقناه لتغير وجه مصر، فالدين يأمرنا باختيار الكفاءات فى المناصب، أين ذلك فى وقتنا المعاصر؟. كما أن الدين أشار إلينا وذكر لنا تجارب الأمم السابقة وذلك أن ولى الأمر مطالب شرعًا بأن يختار الكفء الذى يقدم الحل للمشكلة، ولو كان هذا الكفء على غير الدين، ومن غير الجنسية، والدليل على ذلك أن عزيز مصر حين أدرك أن يوسف عليه السلام وهو من بنى إسرائيل، وليس من حملة الجنسية المصرية، وأنهم لا يؤمنون بالتوحيد «أننى تركت ملة أبانا» فهو مخالف للملك فى الجنسية ومخالف له فى الدين، ومع ذلك حين استشعر الملك أنه وحده القادر على أن يقدم حلاً للاقتصاد المصرى أتى به ليقدم الحل، فأين ذلك من واقعنا المعاصر، وأين ذلك من نصوص قرآننا والسنة الآمرة باختيار الأكفاء وذوى الخبرة؟. * ما رأيك فى إعلان الجهاد فى سوريا؟ ** من أعلن ذلك منتسبون إلى العلم وليسوا من العلم فى شىء.. فبأى حق شرعى يعلن هذا أو ذاك الجهاد، وإعلان الجهاد إنما هو منوط بولى الأمر.. وبأن يستطلع رأى أهل الحل والعقد وكنت أتمنى بدلاً من أن يعلنوا الجهاد فى أرض مصر، أن يذهبوا بأنفسهم إلى سوريا وأن يعلنوا الجهاد وهم يحملون السلاح داخل سوريا هم وأولادهم وأزواجهم وأهلهم ويحملون السيف ويقاتلون، ثم يقولون من هناك، نحن هنا فهلموا إلينا. أما أن يغرروا بالمصريين من خلال ميدان أو ساحة أو ما شاكل ذلك، ويدعوا الشباب صاحب العاطفة الدينية الجياشة إلى أنه لابد أن يتوجه للجهاد، أى جهاد هذا الذى يتحدثون عنه؟ إن الكفار لم يحلوا بديارنا هنا فى مصر حتى نعلن الجهاد، ولم نستشعر خطراً من سوريا علينا حتى تتحرك للجهاد، وهو المعروف بجهاد الدفع أو جهاد الطلب، فلا المشركون أتوا حتى نكون فى دائرة جهاد الدفع، ولانستشعر خطرا حتى ندخل بجهاد الطلب كل هذا إساءة إلى الإسلام.. وأؤكد أنهم أدعياء علم وليسوا بعلماء فهؤلاء فشلوا فى تخصصاتهم وعجزوا عن أن يعيشوا حياة كريمة خلال تخصصاتهم الدقيقة فإذا بهم يتجهون إلى الإسلام.. يقرأون قليلاً من الكتب ويقفون على قليل من المعارف ويقولون بعض العلوم على أى أناس ما عهدنا عليهم سماحة ولا وسطية ولا اعتدال. * فى رأيك.. هل الصراع الذى نراه الآن فى سوريا دينى أم صراع سياسى؟ ** الصراع الذى نراه فى سوريا شأنه شأن الصراع الذى نراه فى العراق، شأنه شأن الصراع الذى فى أفغانستان، ومالم تستيقظ مصر فإن هذا الصراع سينتقل إليها، إنه صراع لعبت فيه الأيادى الخفية من أجل تدمير الدول الإسلامية دولة تلو الأخرى. وهناك خطأ ينبغى أن نتوجه له ونتداركه، وأن نحظره وهو محاولة جر المسلمين السنة إلى مواجهة المسلمين الشيعة بدعوى أن إيران فى المعركة، وأن حزب الله فى المعركة وذلك يعنى «هلموا يا أهل السنة لدخول المعركة..» وإذا دخلنا المعركة على هذا الأساس بين السنة والشيعة فإنها معركة تستغرق من الزمن ما لا يعلم مداه إلا الله، ولن ينتهى القتال عن حد سوريا. * أعتقد أننا نعيش عصر «الفتنة» فما الذى على المصريين فعله فى مواجهة هذه الأمور؟ ** بالفعل أرى أن الأمر «فتنة» كما نقول، والرسول صلى الله عليه وسلم قال فى حديث شريف «فى الفتنة ترى الحليم فيها حيران».. وهى مشكلة لا يقدم فرد بعينه حلا لها.. وفى رأيى الشخصى حتى فى واقعنا المصرى اليوم.. وكم طالبت بأن تجتمع لجنة مكونة من حكماء مصر المنزهين عن التيارات السياسية وأن تتخذ من القرار ما ينقذ البلد قبل إشعال النار، وعندنا أشخاص لهم وزن سياسى وثقل سياسى، وهم وإن كانوا محسوبين أحيانا على بعض التيارات، لكنهم عندما يطلب منهم تجدهم.. فلدينا الجنزورى مقبول من الجميع، والدكتور كمال أبو المجد أيضا.. وكذلك الدكتور على لطفى وعبد العزيز حجازى فلو اجتمع هؤلاء تحت لجنة تسمى «لجنة الحكماء» يمكن أن نهرب من الأزمة التى نعانى منها. والواضح أن كلا يبحث عن مصلحته الشخصية ولم يفكر أحد فى مصر على وجه الإطلاق. * كيف يمكن أن يحل الإسلام مشكلة سد النهضة؟ ** نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى الأمر من جانبين الأول أن عدونا الحقيقى هو إسرائيل وأن عدوانها لنا لا يزال قائما.. وإن كانت توقفت عن حربنا المباشرة إلا أنها لم تتوقف عن حربنا.. ومنها ما تحرص عليه إسرائيل من دعم مثل هذا المشروع، إن الأثيوبيين لا يجدون شرابا ولا ملبسا، فأين حظهم مما أعطى الله المسلمين وأين حظهم من علمنا؟ فالأكثرية المسلمة هناك مع ضعف اقتصادى وعلمى ومع عدم استشعار قوى مساندة خارجية.. فلا قيمة لهم والقضية ليست بالأكثرية العددية.. فالآن العالم يتحكم فى الوضع الاقتصادى.. ورأس المال الآن هو عصب الحياة ولذلك نجد أن إسرائيل عددها 4 ملايين لكن وراءها أمريكا.. ولكن لو سألت مَن وراء المسلمين الأثيوبيين؟ فلن نجد أحدا لأننا قد قصرنا فى حق هؤلاء فلو أن لنا معاهد ومدارس.. ومحفظى قرآن ولو أننا لنا فرع لجامعة الأزهر فى هذه الظروف فى أثيوبيا لاستطعنا أن نجعل رباطا قلبيا بيننا وبينهم، وحركنا بيننا المشاعر الإسلامية، أما المسلم الأثيوبى أو الذى يعيش فى وسط افريقيا وهو لا يجد طعاما ولا شرابا.. فإنه يترك دينه من أجل الوضع الاقتصادى.. حتى تولدت لديهم قناعة أن سبب فقرهم «مصر» وأن المياه التى تذهب إلى مصر لو حولت إلى أراضيهم لجعلتهم جنة الله فى الأرض. وأن مصر تظهر بمظهر الاستعلاء الاستكبار وعليه فإذا أرادت أن تصحح الصورة فابعث بأناس يقيمون هناك فترة زمنية كافية.. ولتكن شهر رمضان.. وللأسف لو سألنا كم عدد الذين سيرسلون إلى أثيوبيا من الأزهر والأوقاف؟.. سوف تصدم. فنحن كما قلت قصرنا فى حق أثيوبيا وغيرها من الدول الأفريقية، ولا أحمل مصر وحدها المسئولية بل كل الدول العربية والإسلامية مسئولة، فإذا كانت مصر لا تملك الموارد فالخليج مسئول أمام الله عن دفع الموارد أو المرتبات اللازمة لعلماء الأزهر الذين يذهبون إلى هذه الدول، بمعنى، أن يشارك الخليج بماله والأزهر بعلمائه.. حتى لا ينفلت هؤلاء منا ونبكى على اللبن المسكوب. * كيف يقوم الأزهر بهذا الدور ليس فى أثيوبيا وحدها بل فى أفريقيا؟ ** النص القرآنى واضح چ ? ? ? ?? ?چ چ? ? ? ڈ ڈ ژ ژڑچ چہ ہ ہ ھچ ..فالأزهر مؤسسة ضمن الدولة ويأخذ موارد محدودة من الميزانية العامة، ولم يعد للأزهر من الموارد ما يمكنه من أن يحقق ما يبغيه وما نتمناه.. فضلًا عن الأزهر بعلمائه وشيخه وتلاميذه فيهم عزة وأنفة فهم لا يتسولون من أجل أن ينشروا الدعوة.. وقبل أى شىء عليك أن تنظر هل حققت لهم الأمن الغذائى أولا.. ثم الأمن الاجتماعى.. ثم الأمن السياسى طبقا للآية الكريمة ( الذى اطعمهم من جوع وءامنهم من خوف ) والآية التى تقول چہ ہ ہ ھ ھچ والآية چ? ? ? ?چ .. إذن فلكى أستمع إليك وأستجيب لما تدعونى إليه حقق لى أولا الأمن الغذائى.. إن الأزهر يقوم بدوره وعندما كان يتوافر لديه كان يعطى، وكل دول الخليج تعلموا على نفقة الأزهر وكانت مصر فى ذلك الوقت قادرة على أن تدفع المرتبات بالكامل من الخزانة المصرية.. فالأيام تغيرت وتبدلت الأحوال وصلت إلى أوضاع اقتصادية نحن نعرفها.. فالأزهر لم يقصر فيما عهد إلينا به وهو أمانة العلم، لكن تبقى القدرة المالية كما قلت.. لا يملك هذا لأنه مؤسسة والمخصص للدعوة لا يذكر. * فى رأيك، كيف يتم استغلال روحانيات شهر رمضان فى إعادة الوئام مرة أخرى بين فئات الشعب؟ ** لا أظن أن يحدث ذلك.. لسبب واحد وهو أن التيارات الدينية نفسها متصارعة والناس متأثرة بهذه التيارات.. فلما كانت الدعوة منوطة بالأزهر وحده أو الأوقاف التى تعتبر من حضن الأزهر لما وجدنا هذا الاضطراب ولا هذه القلاقل.. فلما تشعبت الدعوة وتنوعت وتعددت أصبح بأسنا بيننا والمشكلة أننا لم نتصارع حتى نتصالح، ولنا كلام ظاهر وآخر باطن.. فهل يقبل السلفيون دعوة الأزهر على ما هى عليه؟ وهل يقبل الأزهريون دعوة السلفيين جملة وتفصلا؟ وهل يقبل دعاة أنصار السنة دعاة الأزهر؟. وشهر رمضان فى تجل إلهى لكن طبيعة الدعوة الآن لم تعد كما كانت فى الماضى لأنها اتسمت بسمة صراع بل ونزلت فى بعض الأحيان إلى سمة الحزبية.. فإذا انتقدت أو عارضت فكأنما عارضت الحزب.. مما أدى إلى صدام بين الدعاة أنفسهم. * وكيف يمكن للأزهر احتواء هذا ويحول الخلاف إلى مجرد اختلاف؟ ** فى رأيى وقلت كثيرا.. إن الوحيد القادر على لم شمل هؤلاء جميعا هو شيخ الأزهر بصفته، لا بشخصه.. والجميع بلا استثناء يقدرون ويحترمون شيخ الأزهر.. وهو اللقب الوحيد الذى يمكن أن يجتمع أمامه كل التيارات وقد حدث هذا مرات عدة، لكن بكل أسف نحن نوقع على الأوراق وقت الجلسة، وربما بعد أن خرجنا ينكر الناس توقيعاتهم.. فالأمر ليس كذلك، لكن لا يزال الأزهر يلعب دوره فى وحدة الأمة ووحدة المصريين خاصة ولعل موقف شيخ الأزهر من مظاهرات 30 يونيو حين قال إن الخروج السلمى على الحاكم جائز شرعا.. يؤكد استقلاليته.. فالأزهر هو الباقى، ودعاته لايزالون محل احترام وتقدير.