شدد الدين الإسلامى على حُسن معاملة الزوجة وأن تكون بالمودة والحسنى، وإما الانفصال بهدوء مراعاة لسنوات «العِشرة» خصوصاً لو كان الزواج أثمر أطفالاً لا ذنب لهم فى هذه الخلافات.. ويشهد المجتمع المصرى حاليا حالة من التفكك لتراجع التمسك بالقيم، فضلا عن ضعف الوازع الدينى مما أدى إلى انتشار عبارة «طلاق مبطلقش وهاسيبك كده معلقة» وهى أبشع صور الاستغلال من بعض الأزواج لميزة «القوامة» التى منحها الله له على زوجته.. إذ يلجأ البعض إلى المساومة بمنح زوجته ورقة الطلاق إن استحالت «الِعشرة» مقابل التنازل عن كل حقوقها أو يكرهها على الحياة رغم أنفها ويتمادى فى إذلالها.. مما يدفع بعض الزوجات إلى «الخلع» الذى انتشر بصورة لافتة مؤخرا.. نناقش هذه القضية من كافة جوانبها فى سياق هذا التحقيق.. يقول الدكتور أحمد يحيى أستاذ علم الاجتماع إن الزواج علاقة يفترض فيها الاستقرار والاستمرار فإذا فقدت أحد عنصرى هذه العلاقة أصبحت المشاكل هى المسيطرة على فكر الطرفين وأصبح كل منهما يسعى إلى التخلص من الآخر وتبدأ خطوات التخلص أولا بما يعرف بالتباعد الجسدى ثم التباعد النفسى ثم الخرس الزوجى إلى أن يصل الأمر إلى اتخاذ موقف حاسم باستمرار العلاقة أو انعدامها، ولأن الطلاق دائما فى يد الزوج ولأنه يخضع إلى تقييم مادى ومعنوى وحسابات الربح والخسارة فبعضهم يتخذ القرار أيا كانت النتائج والبعض الآخر يستخدم العند طريقة وعدم الاستجابة للطرف الآخر بقوله (طلاق مابطلقش) خاصة أن مثل هؤلاء الرجال لهم القدرة على الزواج الثانى والتعرف بأخرى، أما الزوجة خاصة إن كان لديها أولاد فمجالاتها محدودة وتصبح هى الضحية لعناد زوجها وهو أخطر ما يتواجد فى العلاقة الزوجية أن يتعايش طرفان يتربصان ببعضهما البعض كالأعداء وهنا ينشأ ما يعرف بالبناء الأسرى الفارغ بمعنى أنه يوجد هيكل من الخارج للأسرة ولكن لا يوجد بداخلها أية علاقات إنسانية، ومن ناحية أخرى تكون البداية لما يعرف بالتفكك الأسرى والشعور بأن أطراف الأسرة يعيشون علاقات فندقية، وأوضح أن الأمر يتطلب بعض العقلانية وتدخل الأهل لتقريب وجهات النظر أو إنهاء العلاقة، مضيفا: يجب أن نعلم جميعا أنه ليس كل الطلاق شرا فبعضه قد يكون خيراً للطرفين بل قد يكون هو الحل الأمثل. وأوضح الدكتور عبد الحكم عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن عبارة (طلاق ما بطلقش) تقال فى حالتين، إما أن الزوج متمسك بالفعل بزوجته أو لمجرد العناد معها والتشبث برأيه، وأشار إلى إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، ويتم الطلاق فى حالة استحالة العشرة بين الرجل والمرأة وفى حالة طلب المرأة الطلاق من زوجها بغير سبب ظاهر أو وجود ضرر يقع عليها فإنها تعتبر آثمة لأنها تطلب أمراً نهى عنه الشرع، ولكن إن كان هناك من المبررات ما يجعلها تطلب الطلاق من زوجها، فهذا هو حقها ويسمى طلاقاً للضرر، وإذا كان الزوج لا يشعر بهذه المسألة بالرغم أنّ المرأة طلبت ذلك منه ويرى أن ما يقع عليها من ضرر هو فى أمور عادية ويقول (طلاق مابطلقش) لأنه متمسك بها فتكون هذه هى الحالة الأولى، وقد يتم الصلح بينهما، أما فى الحالة الثانية فيعتبر الزوج آثما لأنه استخدم التعنت والتعسف واستخدم حقاً أعطاه الله له، والقاعدة الشرعية تقول لا ضرر ولا ضرار أى لا ينبغى أن يضر الزوج زوجته ولا أن تضر الزوجة زوجها، ومشيرا إلى أن هذا الزوج يعتبر آثمًا لأنه لم يرع حق الله فيها والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وإذا لم يجد الزوج فى زوجته سيدة مناسبة له والعكس واستحالة العشرة بينهما فإن الطلاق أمر مشروع ويؤجر الزوج إذا طلقها لأنه أعطاها حقها الشرعي، أما بالنسبة لموقف المرأة التى تعرضت لمثل هذا الموقف وقال لها زوجها (طلاق ما مبطلقش) فإذا كان لديها من القرائن والأدلة ما يثبت أنها فى ضرر فعليها أن ترفع أمرها للقاضى وتطلب الطلاق للضرر والقاضى فى هذه الحالة لا يحكم إلا بدليل كحالة الضرب مثلا فيكون لديها شهود وسجلت الواقعة فى القسم من قبل، كل هذا تستطيع تقديمه فى عارضة الدعوة والقاضى ينظر لأنه ولى الأمر فيطلقها للضرر. وأوضح الشيخ سالم عبدالجليل أن الزواج فى شريعة الإسلام عهد متين، وميثاق غليظ ربط الله به بين رجل وامرأة, رباط أقامه الله على ركائز من السكن والمودة والرحمة, هذا الرباط الوثيق الذى نسجت خيوطه بعد بحث وتعب، وتعرف وخطبة، ومهر وزفاف وإعلان، وليس من اليسير على شريعة حكيمة أن تتهاون فى نقضه وحل عقدته لأدنى مناسبة، وأوهى سبب، يدعيه الرجل أو تزعمه المرأة. ولقد أباح الإسلام للرجل الطلاق علاجاً لا مفر منه، حيث يضيق الخناق، وتستحكم حلقات الأزمة بين الزوجين، غير أنه لم يبح له هذا إلا بعد أن يجرب وسائل العلاج الأخرى، من وعظ، وهجر وتأديب وتحكيم، وبعد أن يستنفد طاقته النفسية فى احتمال ما يكره, ولم تترك الشريعة الرجل بعد الطلاق دون غرم يؤوده ويثقل كاهله، ويخوفه عاقبة عمله، فهناك دفع الصداق المتأخر، والنفقة الواجبة فى العدة، وأجرة رضاع الأولاد، ونفقتهم حتى يكبروا, ولقد جعلت الشريعة الإسلامية للزوجة الكارهة مخرجاً من الحياة مع زوج تنفر منه، وتنأى بجانبها عنه، فإذا كانت الكراهية من قبلها، وكانت هى الراغبة وحدها فى الفراق، وزوجها محب لها، حريص عليها، غير راغب فى فراقها، كان مخرجها ما عرف فى لسان الفقهاء باسم (الخلع) غير أن الشريعة، كما أمرت الرجل أن يصبر ويحتمل ويضغط على عاطفته، ولا يلجأ إلى أبغض الحلال إلا عند إلحاح الحاجة، حذرت المرأة هى الأخرى من التسرع فى طلب الطلاق أو الخلع. وإذا كان الشقاق من الطرفين وكانت الكراهية متبادلة بينهما، ولم يطلق الرجل فهناك مخلص آخر للمرأة عن طريق الحكمين، أو المجلس العائلى قال الله فى شأنه «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا»(النساء:35). ويقول الدكتور إبراهيم العنانى أستاذ القانون بجامعة عين شمس إن الزوجة لا يجوز لها طلب الطلاق بدون عذر شرعى , ولكن من حقها عندما لا تجد أية إمكانية للبقاء مع زوجها أو لإضراره بها أن ترفع الأمر إلى القضاء ، وإذا أثبت أنه يضر بها فإن القاضى سينظر ما يقتضيه الشرع فى ذلك من طلاق أو خلع, وعلى الزوجة المتضررة أن تثبت الضرر بشهادة الشهود ولكن قد يحدث أن تعجز المرأة عن الإثبات وهو أمر يحدث كثيرا فقد يكون الزوج صاحب سلطة أو سطوة أو قوة ويخشاه الكثيرون، وبالتالى فلا تجد الزوجة من يذهب معها للإدلاء بشهادة حق تنقذها من براثن زوج قد يكون مستبدا ويكون الحكم فيها برفض الدعوى والمقصود بالضرر إيذاء الزوج زوجته بالقول أو بالفعل إيذاء لا يليق بما لا يستطاع معه دوام العشرة بينهما. ولقد وضع قانون الأحوال الشخصية للمرأة بعض الأحكام التى تحقق للمرأة الاستقرار النفسى والعائلى وتحفظ لها كرامتها، وتراعى أمومتها ومشاعرها، من ذلك: حق الزوجة فى طلب التطليق بحكم من القضاء وذلك فى الحالات الآتية: كامتناع الزوج عن الإنفاق عليها وجاء ذلك فى المواد 4، 5، 6 من القانون رقم 25 لسنة1920. ومثال على ذلك فنصت المادة 4 على أن « إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته, فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم عليه بالنفقة فى ماله فإذا لم يكن له مال ظاهر ولم يقل إنه معسر أو موسر ولكن أصر على عدم الإنفاق طلق عليه القاضى فى الحال وإن ادعى العجز فان لم يثبته طلق عليه حالا وإن أثبته أمهله مدة لا تزيد على شهر فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك. «كما يحق للزوجة إذا وجدت بزوجها عيباً مستحكماً لا يمكن البرء منه أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون والجزام والبرص والإيدز والعنه، سواء كان العيب بالزوج قبل الزواج ولم تعلم به أم حدث بعد الزواج ولم ترضه وذلك فى المواد 9، 10، 11 من القانون رقم 25 لسنة 1920، كما يحق للزوجة إذا ألحق بها الزوج إيذاء بدنياّ أو نفسياّ أو هجر فراشها أن تطلب الطلاق وذلك طبقا للمادة 6 من القانون رقم 25 لسنة1929: والتى تنص على أنه «إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضى التفريق وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينها فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضى حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد 11,10,9,8,7».