يبدو الفارق كبيرا وملحوظا بين الفترتين الرئاسيتين للرئيس الأمريكى باراك أوباما من حيث القرارات التى يتخذها لترتيب الأوضاع داخل البيت الأبيض، فما يميز الفترة الثانية لأوباما هى قراراته الجريئة، والتى كان آخرها قرار انضمام كل من سوزان رايس وسامانثا باور للفريق الرئاسى. ففى أعقاب استقالة مستشار الأمن القومى السابق «توم دونيلون» فى بداية الشهر الجارى، جاء أوباما بصاحبة البشرة السمراء سوزان رايس لتشغل هذا المنصب المهم خلفا لدونيلون، علما أنه سبق أن رشحها لتولى منصب وزير الخارجية خلفا لهيلارى كلينتون قبل أن يتراجع عن ذلك تحت ضغط كبير من الأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ فى أواخر عام 2012، بينما لا يحتاج التعيين بمنصب مستشار الأمن القومى لموافقة مجلس الشيوخ إذ يخضع لسلطة الرئيس مباشرة. ورايس صاحبة ال 49 عاما كانت أصغر من تولى منصب مساعد وزير الخارجية عام 1997 ضمن إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، قبل أن تصبح مستشارة فى الشئون الأفريقية للرئيس بوش الابن خلال فترة رئاسته الأولى، كما كانت مستشارة للمرشح الديمقراطى مايكل دوكاكيس الذى تلقى هزيمة ساحقة أمام المرشح الجمهورى بوش الأب، وعملت كذلك مستشارة للمرشح الديمقراطى جون كيرى الذى لم يحالفه الحظ أمام بوش الابن عام 2004، وكانت أول امرأة من أصول أفريقية تشغل منصب المبعوث الأمريكى بالأمم المتحدة. أما سامانثا باور صاحبة ال 43 عاما ومساعدة الرئيس لشئون حقوق الإنسان، فمصير تعيينها كمبعوث أمريكى جديد بالأمم المتحدة خلفا لسوزان رايس يظل مرهونا بموافقة مجلس الشيوخ ذى الأغلبية الجمهورية، وكذلك اللوبى الصهيونى الذى يكن الكثير من مشاعر الكراهية لباور، ولديه عدة تحفظات وملاحظات على تعيينها، فهى التى صرحت فى وقت سابق بأن على الولاياتالمتحدة ألا تهدر بلايين الدولارات لدعم الجيش الإسرائيلى، بل عليها توظيف هذه الأموال الطائلة لإقامة الدولة الفلسطينية، كما طالبت الإدارة الأمريكية عام 2004 بممارسة الضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل، مضيفة أنه ربما يتعين على الولاياتالمتحدة أن تجتاح إسرائيل لتجريدها من سلاحها لإرغامها على التوصل لسلام مع الفلسطينيين. ويذكر أن «رايس» و«باور» كانتا ضمن فريق أوباما عند ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2008، وكان لهما فضل كبير فى صعود نجمه منذ أن كان سيناتور فى مجلس الشيوخ، وهما من الدائرة المقربة جدا من أوباما، ومدافعتان شرستان عن مبادئ الحزب الديمقراطى والقيم اليسارية، وعقب إعلان أوباما عن قراره عبرت روسيا عن تحفظها على تولى رايس حقيبة الأمن القومى، فى الوقت الذى شنت فيه معظم الصحف الإسرائيلية هجوما عنيفا على شخص سامانثا باور، متمنين أن يقف الأعضاء الجمهوريون فى وجه ذلك الترشيح والعمل على رفضه وإيقافه بكافة الطرق. ويصف بعض الخبراء والمحللين السياسيين اختيارات أوباما بالجريئة، بعدما ضمن البقاء داخل البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة فهو لم يعد لديه ما يخشاه بل يدرك جيدا أنه عليه السعى لتحقيق انجازات يذكرها الأمريكيون فى المستقبل، ولكن بعض الخبراء يرون فى قراراته نوعا من المجاملة وتسديد فواتير انتخابية سابقة، فتعيين سوزان رايس جاء نظرا لعلاقتها الشخصية القوية مع أوباما ومحاولة منه للاستخفاف بمعارضيه من الجمهوريين الذين رفضوا ترشيحه لها كوزيرة للخارجية، فرايس التى لم تشغل أى منصب أمنى فى السابق، ستجد نفسها على رأس مجلس الأمن القومى لأكبر دولة فى العالم، وهو المجلس المنوط به رسم السياسات الأمنية الخارجية للولايات المتحدة وكذلك مواجهة أى خطر يهدد الأمن الداخلى، ولكن دور المجلس فى عهد أوباما تضاءل إلى حد كبير، حيث طغت الآراء والأفكار الشخصية لأوباما على أعضائه، وفيما يتعلق بتعيين سامانثا باور كمبعوث أمريكى جديد بالأمم المتحدة فهم يرون فيها شخصية غير مؤهلة لذلك المنصب، كما أنها غير مدركة لحجم الدور الذى تمثله الولاياتالمتحدة للعالم ولأولوياته بل وصفها البعض بالشخصية الساذجة. وعن الشكل المستقبلى للسياسة الأمريكية، يرى الخبراء والمحللون فى اختيار شخصيتين العامل المشترك بينهما هو الاهتمام بحقوق الإنسان محاولة من أوباما لإنهاء ولايته الثانية والأخيرة بشىء ايجابى فى هذا المجال يحسب له ويستند إليه المرشح القادم للحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى عام 2016، وسوزان رايس وسامنثا باور هما من أشد المؤيدين لسياسات التدخل الامريكى من أجل حقوق الإنسان ووقف الجرائم ضد الإنسانية، ولايستبعد الخبراء فى وجود رايس أن يعلن أوباما بداية التدخل العسكرى فى سوريا أو فى السودان بزعم وقف الجرائم ضد الإنسانية التى تقول الإدارة الأمريكية إنها ترتكب فى هذين البلدين، فرايس من أكثر الشخصيات دعما للتدخل العسكرى وهى التى دعمت وبقوة الغزو الإثيوبى للصومال، كما أنها لعبت دورا محوريا فى إقناع أوباما بالتدخل العسكرى فى ليبيا.