نواطير المدينة أو حراس المدينة هى ترجمة العبارة الآرامية «ناطورى كارتا» وهم جماعة من اليهود تعارض الصهيونية. فاليهودية الحاخامية الأرثوذكسية ظلت ترفض الصهيونية حتى عهد قريب. وهذا الرفض ينطلق من عدة أفكار جوهرية فى العقيدة اليهودية. وماحدث هو أن العقيدة اليهودية تمت صياغتها من الداخل، بينما ظل أعضاء جماعة نواطير المدينة متمسكين بمبادئهم الدينية. ويرى أعضاء هذه الجماعة أن الصهيونية لا تمثل استمرار للتراث الدينى اليهودى أو تنفيذًا للتعاليم اليهودية، وإنما رفض لها وانسلاخ عن التراث الدينى، بل إن الصهيونية من منظور «ناطورى كارتا» هى أخطر الأمور المناوئة لليهودية. وفى كتابه المهم (اليهودية.. ديانة توحيدية أم شعب مختار) يؤكد عمر مصالحة أن الفكرة الأساسية التى يرتكز عليها الرفض الأرثوذكسى للصهيونية هى فكرة الشعب اليهودى بالمفهوم الدينى، فالشعب اليهودى بالنسبة لأعضاء هذه الجماعة ليس شعبًا بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هو أساسًا جماعة دينية ظهرت إلى الوجود منذ ثلاثة آلاف عام. ويستمد هذا الشعب وجوده من ميثاقه مع الخالق وهو ميثاق دائم لا يمكن إلغاؤه. ورغم أن عقائد اليهود تشير إلى أنهم (شعب الله المختار) إلا أن الهدف من هذا الاختيار - حسب أحد التفسيرات الدينية - ليس تمكين اليهود من السيطرة على العالم وإنما العكس هو الصحيح. فقد اصطفى الله اليهود ليقوموا على خدمته فى الدنيا. ولذلك، يفرض هذا الاختيار على اليهود واجبات أكثر مما يمنحهم من حقوق. وحسب رأى أعضاء جماعة ناطورى كارتا، يرجع الاستمرار اليهودى إلى الإصرار على أن اليهودية عقيدة دينية وليست حركة قومية. وتشير أدبيات هذه الجماعة إلى الصراع الذى نشب بين الأنبياء والدولة العبرية، خصوصًا أثناء حصار البابليين للقدس، فقد طالب النبى إرميا بالاستسلام والتخلى عن السلطة السياسية حتى يتم إنقاذ الهيكل من الخراب، فألقته السلطة السياسية فى السجن. وبعد السبى البابلى طلب إرميا من اليهود أن يعبروا عن ولائهم للدولة التى يعيشون فى كنفها. ويعيش أعضاء «ناطورى كارتا» أنماط حياة اجتماعية واقتصادية خاصة بهم. فالنساء زاهدات فى الملبس والمظهر الخارجى و(يكتفين بالطهارة الروحية على حد قول الحاخام موشيه هيرش) كما يكرسن حياتهن لأسرهن. أما الرجال فيدرسون التوراة والتلمود ويرعون أسرهم ويمارسون الحرف المتاحة أمامهم. والحى الذى يسكنون فيه فى القدس هو حى (ميئاه شعاريم) أى المائة بوابة. وبعد الإعلان عن قيام دولة اسرائيل عام 1948، قام بعض أعضاء ناطورى كارتا بإرسال رفضهم لقيام مثل هذه الدولة إلى الأممالمتحدة. وفى أثناء معركة القدس، دعوا إلى هدنة وإلى تدويل القدس حتى يتم فصلها عن دولة إسرائيل. وبلغ الأمر ببعض الأعضاء أن أعلنوا صراحة رغبتهم فى العيش تحت الحكم الأردنى. كما أرسل الحاخام هيرش برقية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطالب فيها بأن تعلن الأممالمتحدة أن حى ميئاه شعاريم منطقة مستقلة على غرار إمارة موناكو فى فرنسا. ولا تعترف جماعة ناطورى كارتا بدولة إسرائيل، ويقوم بعض أعضائها بتنكيس الأعلام والصيام فى ذكرى يوم إعلان قيام الدولة، كما ينظمون المظاهرات والاحتجاجات السياسية ضدها. وتتبنى جماعة «ناطورى كارتا» موقفًا إيجابيًا من منظمة التحرير الفلسطينية ومن حقوق العرب المقيمين فى إسرائيل. وتعلن أن أعضاءها على استعداد للعيش كأقلية دينية فى ظل حكومة فلسطينية تضمن حقوقهم السياسية. ويبلغ عدد أعضاء هذه الجماعة الآن ما يقرب من 60 ألفًا يعيش معظمهم فى حى بروكلين بنيويورك وحى ميئاه شعاريم فى القدس وهناك جماعات صغيرة منهم فى لندن ومونتريال.