واضح أن شهر يونيو هو شهر المظاهرات الحاشدة فى مصر، فإذا كنا فى انتظار مظاهرات 30 يونيو القادمة.. فلعلنا نذكر أيضًا مظاهرات 9 و10 يونيو من عام 1967 عقب النكسة.. التى أصبح الكثيرون منا لا يتذكرونها. ففى مثل هذا اليوم نتذكر تنحى جمال عبد الناصر عن الحكم فى أعقاب نكسة 67. لاشك فى أن صورة عبد الناصر اهتزت كقائد وزعيم بعد النكسة، عندما قصف الطيران الإسرائيلى جميع المطارات العسكرية واستطاع تدمير سلاح الطيران المصرى على الأرض.. وقتل آلافا من الجنود المصريين فى انسحاب عشوائى للجيش من سيناء، مما أدى لسقوط سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان فى يد إسرائيل فى ستة أيام!! وألقى عبد الناصر خطاب التنحى: «ولقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدونى عليه لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى وأن أعود إلى صفوف الجماهير». وفور الإعلان عن قرار التنحى الذى هز قلوب ومشاعر المصريين، انطلقت المظاهرات فى الشوارع والميادين مطالبة عبد الناصر بالرجوع عن قراره والعودة إلى الحكم. استمرت هذه المظاهرات يومى 9 و10 يونيو، كما أن مجلس الأمة ومجلس الوزراء رفضا قرار التنحى، فألقى عبد الناصر بيانًا يوم 10 يونيو قال فيه: «إننى سوف أبقى حتى تنتهى الفترة التى نتمكن فيها جميعًا من أن نزيل آثار العدوان». لست هنا بصدد تحليل أسباب النكسة، لأن شرحها يطول ولا يتسع المجال لها، لكننى أستطيع أن ألخص السبب الرئيسى فيها، وهو الاستعانة بأهل الثقة فى جميع المواقع، وكان أهمها موقع القائد العام للجيش المشير عبد الحكيم عامر، الصديق الصدوق للزعيم جمال عبد الناصر، والذى لم يكن لا على مستوى الكفاءة ولا مستوى الخبرة ليكون قائدًا عامًا للجيش.. فكانت النكسة والهزيمة. وبعد أن أفاق الزعيم، بدأ فى الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة، فكانت حرب الاستنزاف، وبعد أقل من شهر واحد على النكسة، كانت معركة رأس العش، التى أعادت ولو جزءًا من الثقة فى قدرة الجندى المصرى والقائد الكفء وهو أيضًا ثقة. ورحل عبد الناصر، وتولى السادات المسئولية وقام بثورة التصحيح التى طهرت كثيرا من المواقع، وجاءت معركة العبور العظيم التى أعادت الكرامة لكل مصرى، لكن نشوة الأعمال العظيمة لا تدوم طويلًا.. فعدنا من جديد إلى نظرية أهل الثقة أولاً وأخيرًا وليذهب أهل الخبرة إلى الجحيم، وكأن أهل الثقة هم فقط المصريون. وطوال عهد المخلوع دمرت نظرية أهل الثقة كل مواقع العمل، باختيار متوسطى وأحيانًا معدومى الكفاءة لتولى أعلى المناصب فى جميع أنحاء المحروسة، وجاءت ثورة 25 يناير، لكنها للأسف لم تصل بعد إلى الأفكار والعقول. واستمرت نظرية الاستعانة بأهل الثقة من متوسطى الكفاءة والأداء، فماذا كانت النتيجة؟ بعد حوالى ثلاثة أسابيع يكمل د. محمد مرسى عامه الأول فى حكم مصر كأول رئيس مدنى منتخب، اجتهد الرئيس فأصاب أحيانًا وأخطأ أحيانًا.. استعان بحكومة أهل الثقة، والتى لم يختلف أحد على ضعف أدائها، حتى حزب الرئيس نفسه اتهمها بضعف الأداء، لا ننكر أن بعض الوزراء كفاءتهم واضحة وأداؤهم متميز.. لكن مسئولية الحكومة هى مسئولية تضامنية. المعارضة ترى أن الرئيس وحكومته أخطأوا أكثر مما أصابوا، فقررت محاسبة الرئيس بعد عامه الأول فى الحكم، فتمت الدعوة لمظاهرات 30 يونيو لسحب الثقة من الرئيس والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. ومن المتوقع أن يشهد 30 يونيو مظاهرات كثيفة قد تحدث حالة من الفوضى لا يعلم أحد مداها. ندعو الله أن تكون المظاهرات القادمة فى إطار من السلمية، وألا يراق خلالها دماء مصرية، وأتمنى أن تكون مظاهرات 30 يونيو درسًا للجميع، للحاكم أن ينحى نظرية أهل الثقة جانبًا، وللمحكومين أن يصبروا وهذا من طبعنا، فالرئيس لم يحكم إلا عامًا واحدًا.. نعلم جميعًا أنه كان مليئًا بالأزمات والصعوبات.. لكن تحملنا وصبرنا على ما هو أكثر منها قسوة. وأُذكِّر الرئيس بالمَثَل الشعبى «ادى العيش لخبازه..» ووالله لن يأكل منه شيئًا.. لأن المصرى أصيل، ولن يخون الأمانة أبدًا.. وإن تصادف وخانها أحد، فهناك أجهزة رقابية تراقب أداء المسئولين، ولدينا قضاء عادل قادر على محاسبة أى مسئول.. سيادة الرئيس كلنا مصريون.. وفى النهاية أقتبس من الزعيم الراحل عبد الناصر كلمات: «لقد تعودنا معًا فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المُرة، أن نجلس معًا، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائمًا أن نجد اتجاهنا السليم مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتًا».