حفل المؤتمر السنوى الخامس للجمعية المصرية للدراسات التاريخية الذى أقيم بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام بشخصيات وأسماء مهمة وقامات عالية فى تخصصها والتى أكدت فى مجملها على أن النظام السياسى فى الحضارة والدولة الإسلامية هو نظام مدنى.بدأ المؤتمر بتكريم د. على بركات بوصفه أحد أهم مؤرخى جيل الستينيات والذى وصفه د. عاصم الدسوقى بأنه مؤرخى القرن التاسع عشر. وألقى . حازم عطية الله أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة حلوان محاضرة تحت عنوان الدين والسياسة فى مصر الفرعونية فأوضح أن الديانة فى مصرالفرعونية كان لها باع كبير وكانت الألهة هى العمود الفقرى للسياسة المصرية القديمة، فهى ظاهرة فريدة استمرت لفترة العصر الفرعونى حيث اعتبرت الحاكم هو الإله وكان لترسيخ تلك الفكرة أثر كبير فى وجدان الشعب المصرى وفى تطور الحضارة المصرية وكان للدين فى ذلك الوقت دور أساسى فى توحيد البلاد سياسيا وتأسيس فترة جديدة عرفت بالدولة الوسطى أما فى الدولة الحديثة تحول الملك الحاكم لإنسان عامل ويتعامل بناء على قوته وحكمته الشخصية مدعوما بكهنة الآلهة المختلفة. وأوضح د. محمد نعمان جلال الباحث فى الدراسات الاستراتيجية الدولية والفكر السياسى من خلال محاضرته التى القاها تحت عنوان الإسلام والنظام المدنى للدولة أن مفهوم الدولة الدينية أو المدنية أو العلمانية هو مفهوم غير صحيح وإنما يجب التعبير عنه بمفهوم النظام السياسى للدولة والحقيقة أن مفهوم الدولة العلمانية يتم تشويهه بشكل كامل فالدولة لا دور لها فى الدين والذى حدث هو الخلط بين العلمانية والإباحية، وبالتالى بات الهجوم على مفهوم العلمانية شديدا والنظام السياسى المدنى يعنى أنه نظام سياسى محايد ليس ضد الدين أو مع الدين. وأشار إلى أن النظام السياسى فى الحضارة والدولة الإسلامية هو نظام مدنى لأن الإسلام جاء كدين وعقيدة وليس كنظام سياسى مشيرا إلى أن أول وثيقة لحقوق الإنسان ظهرت فى الإسلام ثم ياتى مفهوم العدالة كأحد المفاهيم الفارقة فى العلوم السياسية منهيا محاضرته بأننا نريد دولة مدنية وشعبا متدينا. وفى محاضرته التى القاها تحت عنوان تاملات حول فقه السلطة فى الإسلام أكد د. مجدى عبد الحافظ أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان أن من عيوب التراث الإسلامى أنه ارتبط بالمذهب السنى الاشعرى وهو المذهب الوهابى وإنه بالرغم من تعددية الفقة السياسى فى الإسلام إلا أن الانتقائية التى اتخذتها بعض الجماعات كرست ترسانة ضخمة من الحديث والوقائع المغلوطة وتراثا من العسف والظلم والتى تم نشر شرعيتهم باسم الدين. وأضاف فى الحقيقة أن الفقه السياسى فى فجر الإسلام تصدى لمشكلات المجتمع القبلى وضرب آفات هذا المجتمع فى مقتل حين اعتمد قواعده الأولى التى تصدى للممارسات القديمة القائمة وقد استطاع هذا الفقه الجديد إعادة الحيوية والمرونة لمجتمع كانت آفاقه قد سدت تماما أمام عامة الناس وعبيدهم أو من لم يكن ينتمى إلى شرف العصبية والحظوة فأقام امبراطورية أذهلت القاصى والدانى فامتدت من الأندلس غربا وحتى المحيط الهندى شرقا. ويقول د. محمد مبروك باحث فى التاريخ الحديث والذى أعد بحثا بعنوان الفتن الطائفية بين الماضى والحاضر ( قرن من الزمان) موضحا من خلال بحثه الفرق بين المؤتمر القبطى 1911 والوقت الراهن مؤكدا أن بيئة الفتنة فى 1911 والآن تثبت أن هناك خوف كلا الطرفين على هويته من الأخر خاصة فى الفترة الحالية وبعد تولى فصيل له توجهات واضحة فى التحيز للدين الإسلامى وانكار حقوق الطرف الآخر، وربما مما ساعد على ذلك أن الأوضاع السياسية كانت تساعد على ذلك، ففى 1911 كان الاحتلال الانجليزى يساعد على اذكاء الفتنة أما اليوم فالولايات المتحدة هى التى تقوم بهذا الدور وتتخذ من فكرة حماية الأقليات وحقوق الإنسان حجة للتدخل فى الشئون الداخلية للبلاد، وكذلك هناك أسباب أيدولولجية فهناك الإخوانى والسلفى والصوفى وفى الطريق الشيعى وعقد الباحث مقارنة بين الوضع الاقتصادى فى بداية القرن العشرين والذى اتسم بالتطور البطىء واعتمد على الزراعة أما الآن فحدث ولا حرج فنحن نكتفى بالتسول من الخارج كما أشار مبروك إلى أن الصحافة عانت على مدار القرن العشرين من تقييد حريتها وسياسة قطع الألسن وزاد عليها فى وقتنا الحالى التعدى على الإعلاميين ورفع قضايا لاغلاق منابر إعلامية كما عقد مقارنة بين موقف البطريرك كيرلس الخامس الذى كان يحاول مهادنة الحكام والسلطة وعلى النقيض من ذلك فقد توجه البابا تواضروس الثانى بمقولات شديدة اللهجة فطالب الرئيس مرسى بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأقباط والكنائس مضيفا أن المشاعر الطيبة ليست كافية لحماية وتامين الكاتدرائية وأشار إلى أنه لابد من اتخاذ اجراءات حاسمة وأشار إلى أن سكوت مؤسسات الدولة عن تلك الاعتداءات يعد شيئا مؤسفا مشيرا فى بحثه إلى أن الداخلية كانت متباطئة فى الدفاع عن الكنيسة. وأشار فى بحثه إلى رؤوس الفتنة وعلى رأسها فى بداية القرن العشرين اخنوخ فانوس وعبد العزيز جاويش أما الآن فياتى على رأسهم زكريا بطرس والشيخ أبو اسلام ومن جهه أخرى كان هناك أبواق متعقلة يأتى على رأسها واصف غالى وأحمد لطفى السيد والراحل محمد متولى الشعراوى والشيخ على جمعة. وتحدث د.جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية عن الإخوان من ثورة 23 يوليو 1952 إلى رصاصات المنشية والذى أشار إلى أن القوى السياسية فى تلك الفترة راهنت على الجيش المصرى، لأن كل القوى السياسية كانت قد افلست لذلك وجدنا اختراق الإخوان المسلمين والتيارت الفكرية الدينية لصفوف الجيش وتوجد العديد من الوثائق التى تثبت ذلك بعددهم أسمائهم وربما أكبر الدليل على ذلك أن عددا من الضباط الأحرار شهد فى قضايا الإخوان لصالحهم وهناك العديد من الروايات التى تؤكد انتماء عبد الناصر إلى جماعة الإخوان المسلمين وكذلك أنه انضم إلى الشيوعيين تحت اسم موريس. وارجع شقرة اتجاه ضباط الجيش للانتماء إلى الإخوان المسلمين فى الفترة من 1937الى 1942 إلى أولًا جاذبية البنا وإلى فقدان الجنود الثقة فى الملك وأوضح سبب الافتراق الذى حدث بين ناصر والإخوان إلى أن الإخوان لم يقدموا لعبد الناصر أو لغيره من الضباط أجوبة شافية لهم كماذا لو وصل الإخوان للحكم وما موقفهم من القضايا السياسية والاجتماعية وهو ما دعا ناصر إلى تكوين تشكيل الضباط الأحرار سنة 1945 وقد علم الإخوان بكل تحركات الضباط الإحرار وقد أكدت عدة روايات مقابلة ناصر بمرشد الإخوان فى ذلك الوقت والحقيقة أن شباب الإخوان كانوا يرون فى الثورة تنفيذا للمشروع الإسلامى. و أشار شقرة إلى أنه من أخطاء ناصر أنه صعد من الإخوان فى فترة من الفترات ليمرر قانون حل الأحزاب السياسية إلا أنه فوجئ أن الأمر تم تمريره بقانون وأنه لم يبق على الساحة سوى الإخوان وفى تلك الفترة انتشرت الأفكار التكفيرية فظهر كتاب معالم فى الطريق لسيد قطب وهو ما أظهر مدى خطورة الفكر الإخوانى وشعر ناصر أن الإخوان يمثلون خطرا على أهدافه السياسية لذا وجه عبد الناصر ضربات قاسمة للإخوان فاعتقل قياداتهم وكوادرهم واعدم محمود عبد اللطيف الذى أطلق النار فى المنشية إلا أن سجنهم لم يمنع تحركهم ضد النظام حيث وقعت محاولات فاشلة للانتقام من عبد الناصر مما زاد الأمر تطرفا. وتناولت د.صفاء شاكر الباحثة فى التاريخ تنظيم صالح سرية فى الكلية الحربية من الثورة إلى رصاصات المنشية كنموذج للعنف السياسى. وصالح سرية الفلسطينى الأردنى الجنسية الذى جاء إلى مصر زائرا فمكث ساعيا إلى إحداث انقلاب على السلطة عن طريق تجنيد ضباط الجيش إلا أن الوثائق التى لدينا تسجل رفض حسن الهضيبى مرشد الإخوان فى ذلك الوقت وزينب الغزالى لتلك الفكرة إلا أن زينب الغزالى كانت السبب فى معرفة سرية ببعض ضباط الكلية الفنية العسكرية فى ذلك الوقت وكان فكر سرية يتلخص فى القبض على السادات وكبار رجال الدولة وتنصيب نفسه رئيس جمهورية الا أن الانقلاب فشل بسبب سيطرة رجال الصاعقة فى الكلية على الأمر وربما يعد الخلاف فى كيفية إقامة دولة إسلامية كان محل خلاف بين الجنود وسرية الذى كان يرى أن الحل الأمثل هو الانقلاب العسكرى فى حين رأى أخرون أن حرب العصابات هى الأجدى فى ذلك الأمر وتسجل المحاكمات واعترافات المهمين فى هذا الحدث سعى الإخوان المسلمين إلى نفى أى علاقة لهم بهذا الأمر. و يطرح د. محمد عبد الوهاب رئيس قسم التاريخ بجامعة الشارقة وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس بحثة بعنوان الإخوان ونظام مبارك والذى أوضح فيه أن مبارك اتخذ موقفا متوازنا فى بداية عهده بالإخوان وظهر ذلك فى خطابه المتوازن بعد توليه السلطة فعصر مبارك تمثل فى صراع واضح بين الشرعية الثورية والشرعية الاجتماعية وقد اتجهت الجماعة إلى مهادنة السلطة وقد اتاح لها ذلك العمل على كسب ود الشعب المصرى وهذا هو المقصود بالشرعية الاجتماعية فقام عمر التلمسانى بإعادة بناء التنظيم والاندماج فى المجتمع السياسى فهادن السلطة فنجد فى سنة 1984 حصل الإخوان على ثمانية مقاعد فى البرلمان ثم بدأوا فى فكرة السيطرة على النقابات والاتحادات الطلابية ونوادى هيئة التدريس وتقديم خدمات تعويضية للمجتمع وهو الأمر الذى عجزت عنه الحكومة فى ظل زيادة الأسعار والبطالة وفى انتخابات 1986 بدأ الخروج من مرحلة الانسجام خاصة بعد حادثة الأمن المركزى فبدا الصدام وظهر أحمد رشدى وزكى بدر اللذان ذكى بدر صراحة استخدما العنف ضد تلك الجماعات مما أدى إلى اهتزاز الصورة الخاصة بالنظام رغم قيام مبارك بمشروعات لتحسين الوضع الاقتصادى إلا أن الوضع الاقتصادى كان قد ازداد سوءا مما أدى إلى حصول الإخوان على ثمانية وستين مقعدا فى البرلمان فى انتخابات 1987 ذلك بالتحالف مع حزب الأحرار برئاسة مصطفى كامل مراد وحزب العمل برئاسة إبراهيم شكرى وكان مهندس تلك الصفقة حازم أبو إسماعيل وهذا جعل الإخوان لهم الحق قانونا فى إنشاء حزب شرعى طبقا للقانون وقد أشار عدد من قيادات الإخوان فى ذلك الوقت إلى أن لولا مطاردات زكى بدر لاستطاعوا الحصول على 150مقعدا واستطاعت الجماعة بذلك الوصول للشارع مما اشعر النظام بالخطر. والجمعية المصرية للدراسات التاريخية تأسست في 30 يوليو 1945 بمرسوم ملكى بإنشاء الجمعية الملكية للدراسات التاريخ بفضل مساعي الدكتور حسن حسنى الباشا السكرتير الخاص للملك فاروق، وهدفها هو النهوض بالدارسات التاريخية، ونشر الوعي التاريخي بين أبناء الوطن وتغير اسم الجمعية بعد قيام ثورة يوليو 1952 إلى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. وقد اهدى د.سلطان القاسمى حاكم الشارقة للجمعية مقرها الحالى بمدينة نصر والذى افتتح فى مايو 2001