أيام الجمعة تحولت فى حياة المصريين إلى أيام حشد للتظاهر والتخريب بعد أن كانت أيام حشد للعبادة وتم فيها استبدال التوتر والقلق بالسكينة والخشوع وصار التحريض والشحن دعاء يوم الجمعة الأثير عبر «تويتات» القادة والناشطون والزعماء والسياسيون والطامعون فى السلطة والموعودون بها والعملاء والمغيبون. هذه الملاحظة ليست وليدة اليوم تمامًا مثلما أن استخدام وسائل الإعلام البديل، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى صارت فرس الرهان فى كسب معارك الحشد والتجييش أو ملاحظة أن النخب تفضل استخدام موقع «تويتر» فى الوصول لأهدافها البشرية على حساب موقع «فيسبوك» لأسباب تتعلق بالوسيلة نفسها، ف «التويتة» التى لا تزيد على جملة أو جملتين تصل من أقصر طريق للمتلقى لأنها تشبه «الحقنة» التى تصل مباشرة للدم دون المرور على الأمعاء.(1) دائمًا أكتب الخميس مساء هذا هو آخر ميعاد للكتابة بسبب دورية صدور المجلة التى بين يديك ولهذا السبب الذى ذكرته مرارًا وتكرارًا فأنا مطالب أن أتعامل مع أحداث مجهولة سوف تقع فى اليوم التالى الذى هو يوم الجمعة، وعزائى أن أحداث الجُمعْ صارت دوافعها وأحداثها متوقعة من قراءات سابقة كثيرة لأحداث متشابهة وقعت وفى هذه الحالة لن ينقص الكاتب إلا تبعات الحدث وتطوراته اللحظية وهذا ليس موضوعًا لمقال رأى بقدر ما هو موضوع خبر، ما علينا وإذا كان حدث جمعة 19/4 عنوانه الرئيسى «جمعة تطهير القضاء» فالعناوين الفرعية تتراوح ما بين وصف الحدث بأنه (حدث تخريبى) و / أو حدث غير مرحب به وأصحاب هذا الرأى الأخير أعلنوا عن رفضهم المشاركة فيه لتوصيل رسالة محددة إلى الإخوان ومؤسسة الرئاسة. أما الذين سموا جمعة 19/4 بأنها جمعة «تخريب مصر» فهم الفصائل الأكثر تشددًا فى خصومتها مع الإخوان ومفهوم أن المقصود جبهة الإنقاذ وحلفاؤها من الجمعية الوطنية للتغيير وحزب الوفد وغيرهم ممن تجاوزت خصومهم مع الإخوان حد الأزمة لكن الجديد فى الأمر هو موقف مولاة الأمس ومحالفى الإخوان والقريبين من معسكرهم الذين حولتهم الممارسات السياسية إلى خصوم «تكتيكية» بمعنى أنهم ليسوا خصومًا استراتيجيين أو خصوم على التأبيد. وأبرز الخصوم «التكتيكيين» للإخوان الآن هم السلفيون وأتباع د. عبد المنعم أبوالفتوح فى حزب مصر القوية. (2) موقف الجبهة السلفية وحزب مصر القوية من المشاركة المعلقة والتى لا تعنى إلا رفض المشاركة فى تظاهرات جمعة 19/4 موقف معلن صدر فى بيانات الجبهة والحزب واختصارًا فإن هذا الموقف الرافض جاء لأسباب أهمها أن هناك واجبات لازمة وسياسات وقرارات كانت لا بد أن تصدر عن مؤسسة الرئاسة ولكنها لم تصدر لا عن الرئاسة ولا عن المؤسسات التى تدور فى فلكها من مؤسسات الدولة مثل مجلس الشورى باعتبار تكوينه الذى يغلب عليه الطابع الإسلامى، وبالتالى عدم انتسابه للمؤسسات التى تحارب د. مرسى وتمنعه عن اتخاذ أو المساعدة فى اتخاذ قرارات من شأنها الوصول بالثورة إلى أهدافها الحقيقية وعلى رأسها هدف التطهير الشامل والجذرى لكل مؤسسات الدولة وليس القضاء فقط وإذا كان شكل الخطاب وعباراته قد اختلف فى بيان الجبهة السلفية عن حزب مصر القوية فإن المعنى واحد وهو أن النظام فشل حتى الآن فى تحقيق العدالة الانتقالية وأن أزمة محاكمات عهد مبارك ليست متعلقة فقط بأداء السلطة القضائية خلال المرحلة، ولكنها أيضًا متعلقة بأداء السلطة التشريعية التى قصّرت فى إصدار قوانين العدالة الانتقالية والمحاكمات السياسية، ومتعلقة أيضًا بالسلطة التنفيذية التى قصّرت عمدًا فى جمع الأدلة عن جرائم نظام مبارك وتقديمها للقضاء.. أو هكذا رأى حزب مصر القوية أداء النظام ومؤسسات الدولة تحت حكم د.مرسى ولخص رؤيته فى عبارة ذكية مفاداها بأن النظام «يهرب إلى الأمام» بينما اعتبرت الجبهة السلفية أن النزول لمليونيات لعدة ساعات فى الميادين دون أن تكون هناك خطوات سياسية داعمة هو نوع من العبث الذى تمت ممارسته كثيرا فى المرحلة الماضية ولم يأت بالنتيجة المرجوة. (3) نفس المعنى الأخير قاله بفجاجة عبد الله كمال أحد رموز عهد مبارك الإعلامية وقد شجعته الحالة المعنوية التى ظهر عليها مبارك فى جلسة محاكمته الأخيرة وجرأة «الفلول» المتزايدة على أن يقول للإخوان أن سلاح الحشد لم يعد فى صالحكم. وأضاف فى «تويتة» له إن نزلتم بحشود كبيرة فسوف تستفزون الآخرين وإن بدت مظاهرتكم محدودة فإن هذا سوف يشجع الآخرين عليكم، وبالطبع هى ليست نصيحة من كمال على العكس فهو يبدو كمن يُخرج لسانه لخصمه ويمارس عليه نوعًا من الحرب النفسية الكلامية لينال من عزيمته، وهو أيضًا إعلان قوى لعودة الفلول. وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق ردود أفعال أخرى لجبهات وأشخاص أخرى مثل جبهة القضاء والقضاة أنفسهم وبعض الحركات الثورية وشخصيات مثل البرادعى فسوف نخرج بنتيجة واحدة مؤداها أن الإخوان فى مأزق حقيقى. (4) أكاد ألمح الشماتة فى عيون خصوم الإخوان وهم يتصورون أن الأخيرين فى طريقهم للانهيار والسقوط والاختفاء من الوجود، ويتأكد هذا المعنى حين أتنقل ب «الريموت» بين محطات فضائيات هؤلاء الخصوم فأجدها تنقل عن «تويتر» ما يناسب معركتهم من تويتات مشاهير النخب والسياسيين والموعودين بالسلطة والفلول فتزيدنى حزنًا وكآبة ليس لأنها ضد الإخوان لكن لأن المعركة تحولت إلى حرب إبادة ونفى بين المصريين تتجذر فيها الكراهية يومًا بعد يوم وتؤكد بما لا يدع أى مجال للشك أن أعداء الوطن لم يكونوا فقط أذكى منا نحن المصريين حين خططوا بمهارة فائقة للإيقاع بيننا ولكنهم أيضًا كانوا أكثر إخلاصًا فى عملهم وأكثر التصاقًا بأهدافهم وقضاياهم.