عقدت فى سلطنة عُمان فعاليات النسخة الثانية عشر من ندوة تطور العلوم الفقهية التى تم تنظيمها هذا العام تحت عنوان: «فقه رؤية العالم والعيش فيه - المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة. وقد شارك فيها لفيف من العلماء من مختلف دول العالم وأسهمت البحوث والمناقشات فى إنجاح أعمال الندوة والارتقاء بمستواها العلمى والفكرى. شهدت أولى جلساتها الإعلان عن إنشاء وزارة الأوقاف والشئون الدينية فى سلطنة عُمان مركزًا للبحوث الفقهية ومهمته دعم شباب العلماء فى أطروحاتهم. شمل يوسف بن علوى بن عبدالله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية فى سلطنة عُمان برعايته احتفالية افتتاح الندوة، حيث أكد أن العالم العربى يمر بمرحلة تحتاج إلى مثل هذه الندوات لتبيان العدل والحق وتقديم الخدمة التى ينبغى أن توجه ثمارها لخدمة المجتمعات، مؤكدا أنها يمكنها أن تنمو وتتطور إن كانت فى حالة سلم لكن ذلك يتطلب - من أصحاب الفضيلة العلماء وجميع الفعاليات الأخرى - أن تتضافر الجهود فى تبيان طريق المستقبل. وأكد الشيخ احمد بن حمد الخليلى المفتى العام لسلطنة عُمان و الذى شمل برعايته الجلسة الختامية للندوة على أهمية الانتقال من حيز التنظير إلى حيز التطبيق و يجب أن يكون هناك وفاق بين الأمة أساسه الألفة والمودة والوئام ثم يمكن التعايش مع الأمم الأخرى. خرجت الندوة بعدد من التوصيات فى مقدمتها :الدعوة الى إحياء فقه المواطنة وضوابط التعامل مع الآخر من خلال التوجيه الدينى والإرشاد الاجتماعى وذلك بتطوير أنشطة الوعظ الدينى والإرشاد والتوعية الثقافية، امتثالا لقول الله تعالى:«وقولوا للناس حسنا»، وقوله سبحانه:«ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، وإعداد برامج تدريبية للكوادر الدينية. وأكدت ضرورة غرس مبادئ القرآن الكريم والقيم الإيمانية وتأصيل حب الوطن ومعرفة الحكمة الإلهية فى سنة التدافع فإن ذلك كفيل بضمان حقوق الآخرين، من خلال رؤى مؤصلة فى تجربة المسلمين، ومنفتحة على الرؤى الجديدة للعالم. وأوصت الندوة بنشر كتيب يتضمن الأحكام الفقهية والآداب الشرعية فيما يتعلق بالسفر، بنحو مبسط، وبلغات عدة، وتوزيعه على المغادرين فى المطارات والموانئ. كما أوصت بضرورة الاعتناء بالتراث العمانى فى تفعيل الندوات المقبلة، بحيث تتبنى وزارة الأوقاف والشئون الدينية بعض البحوث والأطروحات. أكدت الندوة أن الأمة الإسلامية أمة واحدة عقيدتها واحدة ومصادرها الفقهية تكاد تكون واحدة وأن الاختلافات بين أئمة الاجتهاد لا تعدو ثمرتها الانقسام إلى رأيين أو ثلاثة وهو أقل بكثير من الاختلافات بين شرّاح القانون المدنى أو غيره فقد تكون بالعشرات كما هو مسطر فى كتبهم، ومنبهة إلى أن هذه الخلافات إثراء لساحات إعمال النظر ورفع للحرج عن المقلدين والمجتهدين وبخاصة عند اختيار قانون واحد سواء فى الأحوال الشخصية أو القانون المدنى أو الجنائى (الجزائى) كما أنها تعتبر تعليما للعلماء على مدى الزمان وتدريبا على الاجتهاد وتمكينا لأهل كل عصر من اختيار رأى واحد يلائم المصلحة وظروف العصر وذلك أيضا إشعار بأن الثروة الفقهية الإسلامية مفخرة ودليل واضح على صلاحية الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامى للتطبيق فى كل زمان ومكان. كما أكد فضيلة الشيخ الدكتور شوقى علام مفتى مصر فى كلمته بالندوة أن الموضوع الذى طرحته هذا العام من الموضوعات التى تعالج قضايا الساعة طرح قبل ذلك وسيطرح فهو موضوع قديم جديد يتجدد بتطور البشر وتطور علائقهم وتعقد مشاكلهم فهو موضوع يطرح بين (الأنا والآخر) فعلى الرغم أن بعض أساتذة الفلسفة فى الوقت المعاصر ينكر هذه التسمية (الأنا والآخر) إلا أن القرآن الكريم اعترف بها على مستويات عديدة فى آياته الكريمة ويمكن أن نتصور هذه العلاقة فى ثلاث صور الصورة الأولى تتمثل فى علاقة المسلم بالمسلم والثانية فى علاقة المسلم بغير المسلم فى داخل الدولة المسلمة والثالثة فى علاقة المسلم بغير المسلم فى خارج الدولة المسلمة. فالصورة الأولى تحكمها الأخوة فى الدين حتى أن المسلم فى داخل المجتمع لو حاد عن التعاليم فإن واجب المسلم الآخر أن يعينه بالتوجيهات والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لكن إذا كان ثمة خلاف يحتمله النص القرآنى أو السنة المشرفة فإننا فى هذه الحالة لا بد أن نحتكم الى مبدأ عظيم قرره العلماء وهو (لا إنكار فى المسائل المختلف فيها) بهذا نتصور بأن يكون العيش بين المسلم وأخيه المسلم فى هذا الإطار عيشا آمنا مطمئنا ودعم العلاقة بين المسلم وغير المسلم فى داخل الدولة المسلمة بمبدأ العقد الاجتماعى أو ما يطلق عليه حديثا مبدأ المواطنة وهو مبدأ يضمن كافة الحقوق لغير المسلمين فى داخل الدولة المسلمة نظريا وتطبيقيا نظريا فى تلك الأفهام المتعددة المختلفة الراسخة الثابتة لفقهاء المسلمين على مر عصورهم الى وقتنا المعاصر من إن غير المسلم له كافة الحقوق وعليه الواجب التى على المسلمين. والذى يهم فى النهاية وهى الصورة الثالثة والتى تعنى بها هذه الندوة المباركة وهو علاقة المسلم وبغير المسلم فى خارج الدولة الإسلامية وهى علاقة يكتنفها الكثير من التعقيدات ذلك أن العلاقات الدولية الآن أصبحت علاقات تكاد أن تكون تنزع الى الهيمنة فى هذا العصر الذى تسود فيه العولمة ومع هذا فإن فكرنا نحن - المسلمين - هو فكر مستقر على أننا نتعايش بالعدل والمساواة ونعامل الآخر على أنه يعيش معنا فى هذه الأرض ونشترك جميعا فى إعمارها وأن لكل منا له فكره الخاص.