طبقًا لبيانات وزارة الصحة الرسمية فإن عدد المصابين فى أحداث جمعة «رد الكرامة» وصل إلى 124 مصابًا فى محافظات القاهرة والفيوم والشرقية والغربية والدقهلية.. أما فيما يتعلق بالاشتباكات التى جرت فى محيط مقر جماعة الإخوان بالمقطم، فقد نتج عنها إصابة 171 شخصًا.. بيانات وزارة الصحة الرسمية لم تحدد كم من هؤلاء المصابين ينتمى للتيارات الإسلامية والإخوان.. وكم ينتمى للتيارات الليبرالية المعارضة.. لكن الأمر المؤكد أن كل هؤلاء المصابين مصريون، وإن كل الدماء التى نزفت هى دماء مصرية. ومع أن هذه الحقيقة هى الحقيقة الوحيدة المؤكدة فإن الجميع ينساها أو يتناساها.. هل أصبح الوطن غير قادر على استيعابنا معًا.. إسلاميين ومعارضين؟!.. وليس غريبًا بعد ذلك أن نجد أنفسنا - جميعًا وبدون استثناء - غارقين فى بحور الخصام والانقسام.. ليس غريبًا أن نجد الفريقين.. الإسلاميين والمعارضة.. يسعى كل منهم لإقصاء الآخر واستبعاده.. فإذا تابعت القنوات الفضائية ستجد هذا المعنى مجسدًا!.. قنوات المعارضة تتحدث عن إنهاء حكم الإسلاميين وإقصائهم واستبعادهم.. والقنوات الدينية المعبرة عن تيار الإسلاميين تتحدث عن حرب مقدسة ضد أعداء الإسلام!.. ليس معنى ذلك أن هناك من لا يسبح ضد هذا التيار.. لكنهم افى لحقيقة قلة.. قرأت مؤخرًا كلامًا عاقلًا لواحد من قيادات التيار الإسلامى هو د. ناجح إبراهيم الذى يطالب المعارضة بعدم السماح للبلطجية بالاندساس فى مظاهراتهم، مؤكدًا أن العنف يطيح بعدالة أى قضية عادلة.. ويمضى د. ناجح فيؤكد على معنى مهم هو الشراكة التى جمعت بين الفريقين.. الإسلاميين والمعارضة فيقول: لا ننكر دوركم فى الثورة ونرجو فى المقابل ألا تنكروا أن الحركة الإسلامية هى التى دعمت الثورة .. ويتحدث عن ظاهرة العنف التى وصلت إلى درجة حرق المقرات والأتوبيسات وحرق مبان وغيرها.. ويقول إننا نرتكب نفس الخطأ الذى ارتكبناه أثناء الثورة عندما قمنا بحرق أقسام الشرطة وحرق مبنى الحزب الوطنى وغيرها.. لأننا فى النهاية ندفع الثمن لكننا أيضًا مهددون بأن يحترق الوطن فلا يبقى لنا جميعا وطن!.. ويمضى د. ناجح إبراهيم بعد ذلك إلى بيت القصيد فيقول: تصالحوا الآن وعودوا إلى الأيام الأولى للثورة.. وضعوا أيديكم فى أيدى جميع القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان.. تصالحوا الآن فأفضل الصلح ما يكون بعد المعارك والحروب.. أى بعد أن ييأس كل طرف من إقصاء الطرف الآخر.. وإزالته من طريقه.. ولقد علم كل منكم أنه لن يستطيع أن يزيل الآخر فليتعاون معه وليضع يده فى يده وأعلموا أن الشعب المصرى سئم كل القوى السياسية ومل الصراع السياسى.. فأرحموا عسى أن يرحمكم الله. انتهى كلام د. ناجح إبراهيم هو كما نرى كلام يصب فى اتجاه المصالحة ولم الشمل والتعاون وليس العنف والإقصاء والعداء.. لكننا فى المقابل نسمع العجب.. من الإسلاميين والليبراليين!.. *** نسمع من الليبراليين من يتحدث عن قلب نظام الحكم.. ليس بالمعنى الجنائى، لكن ما الهدف من التركيز على عدم شرعية الرئيس الحالى وعن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟!.. وماذا يعنى الكلام عن ضرورة إفشال الرئيس وإسقاطه وليس معارضته أو معارضة سياسته من أجل تصحيح المسار.. ثم إن ما نسمعه من بعض رموز المعارضة فى هذا الإطار يصاحبه تربص بالإعلام المنحاز للمعارضة.. تربص بالرئيس وبكلماته وسياساته وتوجهاته.. ولا يختلف الذين يقفون على الجانب الآخر.. فهناك من بين قادة التيار الإسلامى من يتحدث عن الدعوة لتوحيد التيارات الإسلامية.. ليس لأن الاتحاد قوة فحسب، وإنما لهزيمة المعارضة الكافرة التى تحارب الدين وتحارب الإسلام!.. وقرأت خبرا يقول: توعدت السلفية الجهادية بالرد على أحداث العنف التى وقعت فى محيط مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، مؤكدة أنها على استعداد لنصرة الإخوان المسلمين لو طلبوا منهم ذلك.. وقالت الحركة فى بيان لها: لقد ألمنا ما تعرض له ابناء جلدتنا المسلمين (على اعتبار أن المعارضة غير مسلمة!) وزاد حزننا أكثر بالفجوة العميقة التى اصابت الكيان الإسلامى وهذا ما نوهنا عنه قبل ذلك.. يا سادة كلنا ننسى أننا مصريون.. لا بد أن نتذكر ولا بد أن يساعدنا أحد على ذلك!.. *** على الرغم من أن الأصوات العاقلة تتحمل جزءًا كبيرًا من مسئولية لم الشمل والمصالحة بين التيارات الإسلامية والليبرالية إلا أن المسئولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق الرئاسة والرئيس.. وفى هذا الإطار لا بد من أن يبذل الرئيس كل ما يملك من جهد لتصحيح الأخطاء التى وقعت فيها مؤسسة الرئاسة وفى مقدمتها عدم قدرتها على التواصل مع المجتمع وعدم الاكتراث بإقناع الناس بوجهة نظر الرئيس ورؤيته.. ثم هذا البطء الشديد فى التعامل مع الأزمات.. كما أن الأزمات المختلفة أكدت ضعف طاقم المستشارين للرئيس.. ثم إن الناس لا يقبلوا أن يتكلم أعضاء حزب الحرية والعدالة أو أعضاء مكتب الإرشاد باسم الرئاسة.. وبعد ذلك كله وربما قبله فإن مؤسسة الرئاسة كسرت جسور الثقة بينها وبين المعارضة بعدولها عن وعودها دون تفسير مقنع.. ويستطيع الرئيس بعد ذلك أن يمضى إلى الأمام فيعمل على استعادة ثقة المعارضة.. ويؤكد على الفصل بين جماعة الإخوان والرئيس.. ولا بد من تشكيل حكومة تترأسها شخصية مستقلة.. ثم على الرئيس أن يقنع الناس بجدية وأهمية خطوات الإصلاح الاقتصادى.. *** حان الوقت لسماع صوت العقل.. حان الوقت لنبذ العنف وإنهاء الصراع الدائر بشرط أن نبدأ فورًا وقبل أن ننسى جميعًا أننا مصريون!..