فى المحلة الكبرى غابت الشرطة فانهارت دولة القانون وحضر بدلا عنها دولة «السنجة والجنزير والمقروطة».. يوم الأحد من الأسبوع الماضى استيقظ أهالى المدينة العمالية على مشهد غياب تام لوسيلة المواصلات الرئيسية «الميكروباص» وسرعان ما انتشر الخبر، السائقون دخلوا فى إضراب وأغلقوا الطرق الرئيسية واصطفوا بسياراتهم لقطع الطرق وشريط السكة الحديد، مستخدمين أيضا الكتل الخرسانية وجذوع الأشجار والحواجز الحديدية لشرطة المرور والتى اختفت بدورها من شوارع المدينة منذ عدة أسابيع. وعند محطات البنزين كان المشهد ينبىء بأن الأزمة وصلت إلى حد غير مسبوق، مشاجرات وتدافع بين أصحاب وقائدى السيارات حول أسبقية الحجز لشراء ماتبقى من كميات قليلة من السولار الموجود بالمحطات.. المشهد الثالث الذى يكمل سيناريو الأزمة هو مشهد البلطجية والمسجلين خطر على جانبى الطرق الرئيسية والفرعية من المدينة وأمامهم «جراكن السولار» يبيعونها بأعلى من سعرها حتى وصل أحيانا السعر إلى الضعف، يتحدون الجميع ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم إلا من يدفع السعر الذى يحددونه ويحصل مقابله على الكمية المتفق عليها.. المتهم سائقو الميكروباص الذين تحدثنا إليهم أشاروا بأصابع الاتهام لأصحاب محطات الوقود، فقالوا لنا إنهم يستعينون بالبلطجية فى بيع السولار والعملية كلها تتم تحت تهديد السلاح وسط تخاذل وتقاعس من الشرطة على حد تعبير عبدالله جلال أحد السائقين الذى قال لنا إن أصحاب المحطات يبيعون صفيحة السولار بأكثر من 40 وأحيانًا 50 جنيهًا عن سعرها الحقيقى، ومن يعترض من السائقين يكون مصيره الاعتداء عليه بالضرب وحرمانه من التموين. مظلومون على عكس ماسبق أبدى «م ب» أحد رؤساء الورديات فى محطة وقود اعتراضه على اتهامات السائقين وقال فى ثورة غضب إنه وزملاءه فى المحطات مظلومون والعكس هو الصحيح، فقال بالنص: «لما يدخل علىًَ من 10 إلى 15 بلطجيا بمطاوى وسكاكين وفرد مقروطة ويهددونى إما رفع السعر والقسمة معهم أو الضرب والبهدلة وممكن أموت أنا وزملائى»، وأضاف منهيا الكلام: «قبل ما تتهمونا اسألوا الشرطة سايبه البلطجية دول ليه طايحين فينا كده؟!». ما وراء الأزمة ومع الساعات الأولى فى الإضراب حاولت بعض القيادات الأمنية وبعض العقلاء من أهل المدينة التوسط والتفاوض لدى السائقين لفض الإضراب وفتح الطرق، إلا أن السائقين قد رفضوا مبدأ المناقشة من الأساس بل استقبلوا قوات الشرطة والأهالى بالهتاف «واحد اتنين الجيش المصرى فين؟» و «انزل يا سيسى انزل يا سيسى» موجهين نداءهم إلى وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى لمطالبته بتدخل قوات الجيش للإشراف على المدينة وعلى عملية توريد وتوزيع السولار. غزو التوك توك وعقب انتشار خبر الإضراب، أصبح سائقو التوك توك هم أصحاب اليد العليا فى المدينة، حيث توافد المئات من سائقى التوك توك من القرى المجاورة إلى داخل مدينة المحلة الكبرى، ليصبح هو الوسيلة الوحيدة داخل شوارع المدينة الفرعية منها والرئيسية، يحدد سائقوه السعر وفقا لتقديراتهم الشخصية ويضاعفون السعر من ساعة لأخرى حتى وصل إلى 7 جنيهات، فيحدثنا كريم أبو العلا -17 سنة-سائق توك توك- من قرية شبرا ملكان قائلا: «الأجرة بتتحدد حسب الظروف ودلوقتى مافيش مواصلات غير التوك توك اللى حمولته 3 أو 4 أنفار وهى أقل بكتير من الميكروباص، وطبيعى أن أجرة نفس المسافة بتاعت الميكروباص تزيد بالتوك توك»، بالإضافة إلى زيادة سعر صفيحة البنزين «20 لترا» من 22 جنيهًا فى السابق إلى 40 جنيهًا وقد تزيد وذلك على حد قوله. وعلى مداخل المدينة يكشف لنا عمال الكارته جزءًا خفيًا من الأزمة يتمثل فى قيام أشخاص بمنع عربات السولار من دخول المدينة، فيؤكد لنا عم عزت الشيشتاوى أحد عمال الكارته عن قيام مجموعة من البلطجية بغلق مدخل المدينة بواسطة عربتين تريلة بحجة الاحتجاج على نقص السولار والبنزين، وهو الأمر الذى أكده بيان حزب الحرية والعدالة بمدينة المحلة الذى أدان من خلاله تعطيل مصالح المواطنين، واتهم الحزب من خلاله أعضاء بالحزب الوطنى المنحل بالوقوف وراء تلك الأحداث، وافتعال أزمة السولار، لإثارة غضب واحتقان المواطنين تجاه النظام الحالى. أزمة مفتعلة كما أشار البيان إلى أن السبب الرئيسى فى الأزمة مفتعل وبتحريض من إبراهيم قشطة مرشح سابق بانتخابات مجلس الشعب والمعروف بعلاقته الوثيقة بسائقى الميكروباص، وحمدى الفخرانى عضو سابق بمجلس الشعب عن الحزب الوطنى أيضا ومعروف بكراهيته الشديدة للإخوان واستخدامه للبلطجة فى كافة تحركاته على حد تعبير البيان، مضيفا بأن كلًا منهما قدم مبالغ مالية قدرها عشرون ألف جنيه لتنفيذ مخطط الإضراب عن طريق توزيع مبالغ نقدية على السائقين المشاركين به لتشجيعهم على الاستمرار فيه، كما تم قطع الطريق المؤدى لمدخل مدينة المحلة باستخدام مقطورتين أرقامهما «د س ب 4238» و «ع ه أ 4752» لمنع دخول عربيتين محملتين بالسولار، كانتا فى طريقهما لتفريغ حمولتهما فى محطات البنزين، وتم قطع الطريق عليهما ما اضطرها لتفريغ حمولتها بمحطات البنزين المجاورة للمدينة، فالهدف هو إحداث حالة من الفوضى والارتباك ضمن مخطط الثورة المضادة، بهدف إفشال الحكومة والرئيس والتسبب فى سخط الناس عليهم. ومن جانبه يرى عاطف بسيونى أمين عام حزب الحرية والعدالة بالمحلة الكبرى أن المدينة ليس بها أزمة سولار من الأساس، وقال إن هناك وفدًا من الحزب يتفاوض مع وزير التموين ووزير البترول لزيادة حصة المدينة من السولار والتى هى بطبيعة الحال قبل الزيادة أكبر من احتياجات المدينة، ويلوم الدكتور ممدوح منير المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة بمدينة المحلة تخاذل محافظ الغربية ومدير الأمن وعدم اتخاذهما أى إجراءات فعلية من شأنها حل الأزمة، ومشددا بأنه ليس معنى وصول شحنات من السولار أو توقف قطع الطريق، أننا سنسكت على من تسبب فى ذلك أو قصر فى أداء عمله، ومضيف قائلا:«نحن ندرك أننا فى صراع طويل مع الفساد ورجال ورموز النظام السابق الذين يريدون إفشال الثورة، ولكننا سنظل نعمل بلا هوادة»، مشيرا إلى أن المستشارين القانونيين للحزب يعكفون حاليا على إعداد بلاغ مصحوب الأدلة والصور لتقديمه إلى النائب العام خلال الأيام القادمة. وردا على اتهامات مسئولى حزب الحرية والعدالة له بالوقوف وراء الأزمة، أبدى إبراهيم قشطة المعروف ب «عم سواقين المكروباص فى المحلة» غضبه من ذلك نافيا فى الوقت نفسه كافة الاتهامات، مضيفا إلى أنها مجرد حجج وشماعة يعلقون عليها فشلهم فى إدارة البلاد، ومطالبهم بالاهتمام بمشاكل المواطن المصرى البسيط وتغليب المصلحة العامة على مصلحتهم الخاصة، ومتهما إياهم بالسعى للسيطرة على البلاد مهما كان الثمن ومهما كانت العواقب والنتائج، وعن احتمالية زيادة الأجرة يتعجب قشطة قائلًا: «يعنى السولار يزيد والأجرة تفضل بنفس الثمن، والزيادة يتحملها السواق ليه، أمال هيأكل عياله إزاى ويعيش إزاى!» مطالبا بتوجيه اللوم إلى الحكومة لتوفير السولار بسعر مناسب قبل اتهام سائقى الميكروباصات الغلابة على حد وصفه. ويعانى مواطنى مدينة المحلة غياب المجلس المحلى ورئيس المدينة المهندس إسماعيل سلامة عن أداء دوره، فالمجلس خارج نطاق الخدمة منذ عدة أسابيع عقب محاولة اقتحامه من قبل المتظاهرين، وفى أغلب الأوقات يكون مغلقًا وخاليًا من مواظفيه وهو ما وجدناه عليه طوال أيام الإضراب. وتعقيبا على الأزمة أكد اللواء حاتم عثمان مدير أمن محافظة الغربية حصوله على موافقة المهندس أسامة كمال وزير البترول على زيادة الحصة المخصصة لمدينة المحلة الكبرى من السولار لعلاج الأزمة سريعا، حيث نجح فى إقناعه بزيادة حصة تلك المدينة العمالية من 40 طن إلى 140 طن سولار على أن يتم ضخها خلال الأيام القادمة، وفيما يخص اتهام قوات الشرطة بالتخاذل عن أداء واجبها عبر عثمان عن حزنه وأسفه الشديد لما تواجهه الشرطة من هجمات شرسة لتشويه صورتها، نافيا فى الوقت نفسه كافة ادعاءات مسئولى حزب الحرية والعدالة، مؤكدا بأن 8 تشكيلات أمنية تقوم بتأمين عربات نقل السولار والبنزين بشكل يومى تحت إشراف مباحث التموين، مشيرا فى الوقت نفسه لوجود قوات لتأمين المحطات. وعقب ثلاثة أيام متواصلة من الإضراب وصلت عشر عربات محملة بالسولار إلى مدينة المحلة الكبرى تحت حماية أمنية مشددة من الجيش والشرطة معا، وقامت بتفريغ أكثر من نصف حمولتها بمحطات «البندر، المشحمة، النصر، الزعبلاوى» قبل أن تتجه بباقى حمولتها إلى مدينة المنصورة، وقد تجنبت قافلة السولار الدخول من المدخل الرئيسى للمدينة واتخذت طريقا فرعيا خشية الاحتكاك مع سائقى الميكروباصات المضربين والذين يروا أن الاستجابة لحل الأزمة قد تأخرت كثيرا، فيما كشف أصحاب محطات البنزين أن تلك العربات كانت فى الأساس من نصيب مدينة المنصورة قبل أن تحول طريقها إلى داخل المحلة بأمر من المسئولين لمواجهة الأزمة.