مصر تغيرت.. هذه حقيقة.. وأهلها لم يعودوا كما كانوا.. بل إن هواءها وسماءها وأرضها ليست كما كانت.. الإنسان المصرى الذى كنا نراه - فى الأغلب الأعم - هادئاً بشوشاً ومبتسماً.. وابن نكتة كما يقول العامة.. لم يعد كذلك.. للأسف الشديد. ونحن نتساءل: لماذا تغيرنا ومن الذى غيرنا.. وما هى أسباب هذا التغيير ومظاهره؟ والأهم من ذلك: كيف نستعيد الشخصية المصرية الجميلة.. بكل سماتها الأصيلة؟! وحتى نكون أكثر إنصافاً وموضوعية.. فإننا يجب أن نعطى صعيد مصر وبعض المحافظات البعيدة عن القاهرة حقها.. فأهل الصعيد مازالوا يحتفظون بأخلاقهم وطباعهم وشخصيتهم الأصيلة النبيلة. يحدث هذا فى الصعيد المهمل الذى تركناه فريسة للبطالة وسوء الخدمات وتراجع الميزانيات رغم أن أهالى الصعيد ساهموا فى بناء حضارة مصر منذ آلاف السنين.. بل ساهموا فى بناء ربوع العالم العربى بسواعدهم الفتية.. وأجسامهم القوية وعقولهم النيّرة. ولنبدأ بإستعراض مظاهر وملامح تغّير الشخصية المصرية وهى محاولة للاجتهاد.. قد تصيب وقد تخطىء. ** حدة الطباع وسرعة النرفزة والغضب أولى سمات هذا التغيير، وقبل الثوره كنا نلاحظ ذلك بقوة فى وسائل المواصلات والبيوت وأماكن العمل ولكن هذه السمة أو الصفة السيئة زادت بصورة كبيرة.. وانتقلت إلى الشوارع والمقاهى وأماكن العمل حتى كادت تتحول إلى ظاهرة مرضية ومرفوضة أدبياً واجتماعياً وإنسانياً. ** غياب الاحترام المتبادل.. من الصغير للكبير وحتى من الكبار للصغار.. ومن الكبار للكبار!! فالاحترام يتراجع.. ويكاد يتوارى. فى هذا الزمن الصعب.. وبلغه الحسابات والأرقام فإن عدم الاحترام له ثمن فادح.. وتأثيرات بالغة على الصحة وعلى مصالح الناس وعلى العلاقات العائلية والعملية أيضاً. ** غياب كثير من القيم وتراجع الأخلاقيات التى كان يحظى بها الإنسان المصرى.. سمه ثالثة سيئة.. نلاحظها الآن خاصة مع انتشار المخدرات والتحرش والتعدى على الآخرين وعلى حقوقهم، ولا يدرك من يمارسون هذه السيئات أنهم يدينون أنفسهم.. ويعتدون على حقوقهم قبل حقوق الغير، فعندما أظلم غيرى فأنا أظلم نفسى أولاً.. وعندما أسىء إلى أى إنسان فإن الإساءة تصيبنى قبله.. وهل راجع المتحرشون أنفسهم؟ فلو كانت الفتاة أو السيدة التى تتعرض لهذا السلوك المقيت تمت لهم بصلة القرابة (أخت أو ابنة أو أم..إلخ) ماذا يكون موقفهم؟ ماذا يفعلون؟ وكيف يردون؟ أما مدمنو المخدرات فنحن نسألهم: ماذا تستفيدون من هذا البلاء؟! تدمرون صحتكم وأنتم مسئولون عنها أمام الله.وتحرقون أموالكم.. بل قد تتحولون إلى مجرمين وتنزلقون إلى هاويه هائلة تدمركم وتدمر مجتمعكم؟ فلا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكه والهلاك؟ ** تراجع أخلاق أولاد البلد وبعض أنحاء الريف المصرى.للأسف الشديد.. سمة سيئة رابعة.. وللأسف الشديد ذهبت - منذ سنوات وحتى قبل الثورة - إلى إحدى القرى فشهدت حاله من الصراع الغريب الذى فاجأنى.. وكأن هذه القرية نار تأكل بعضها.. مع أن النصيب مكتوب والقدر الإلهى محفوظ منذ الأزل.. فكل صراع على أرض أو ميراث أو حتى جاه زائل.. كما تزول الدنيا.. «ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». ولكن هذا لا يعبر عن السمة العامة للقرية المصرية الأصيلة التى مازالت تحتفظ بأصولها الطيبة وجذورها الرفيعة..ولكنها بحاجة إلى من يوقظها وينتشلها من هذا السبات العميق وتلك الهوه السحيقة. ** شيوع الأنانية وتراجع حب العطاء سمة أخرى مرذولة ومرفوضة.. نراها للأسف الشديد لدى غالبية المصريين الآن. الغالبية الساحقة تريد الأخذ ولا تفكر فى العطاء.. كثيرون يفكرون ويبحثون ويقاتلون من أجل اكتناز القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث؟ الغالبية «تحوش وتكوّش» وقليل من يقدم ويعطى بنفس راضية. ولا يعلم أنه - ونحن جميعاً - سوف نلقى وجه رب كريم.. طال الزمن أم قصر. ولعلنا نتذكر قول خامس الخلفاء الراشدين عندما سألوه قبل وفاته: ماذا تركت لأولادك يا أمير المؤمنين؟ فرد قائلاً: ولدى واحد من اثنين:-ولد صالح وسوف يعينه الله بصلاحه.. وولد غير صالح.. ولا أريد أن أعينه على فساده بمالى.. هذا هو القول الفصل: صلاح أو فساد هما الطريقان الواضحان اللذان حددهما رب العباد.. بالصلاح نكسب ونسمو إلى عليين. وبالفساد نتدنى ونهوى إلى أسفل السافلين لا قدر الله. *** هذه بعض السمات السيئة للشخصية المصرية الآن.. ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هو: لماذا تغيرنا إلى الأسوأ؟ قد يدعى البعض - جهلاً أو عمداً - أن الثورة هى أحد أسباب هذا التغير وإنها أصابتنا بكثير من الأمراض والبلاوى الإجتماعية والأخلاقية والسلوكيه، ولكن هذا الإدعاء مردود عليه بسهولة.. لأن أيام الثورة الأولى قدمت نموذجاً رائعاً لمصر والعالم.. حتى أن كثيراً من القاده اعتبروها إلهاماً لكل الشعوب الحرة.. بل وقدوة تحتذى، وشهد ميدان التحرير (آنذاك) وكل ميادين مصر التى استوعبت ما يقرب من 20 مليون مواطن ثاروا على النظام البائد الذى يشيع زبانيته عبر وسائل الإعلام. أن الثورة هى سبب ما نعانيه الآن من مشاكل وهموم متصاعدة. نعم إن هؤلاء الفلول - وأذنابهم فى الداخل والخارج - هم الذين يصنعون هذه الأزمات والمصائب والكوارث.. وأبرزها مجزرة بور سعيد وما نتج عنها من حوادث دامية.. حتى الآن.. هؤلاء يمولون ويقودون الثورة المضادة، ويقوم إعلامهم ببث الشائعات والفتن كل لحظة بالأموال التى نهبوها من الشعب. نعم إعلام الفلول ساهم بجزء كبير فى تدمير الشخصية المصرية.. بل إن ممارساته وكوارثه تفوق آثار أسلحة الدمار الشامل التى تدمر الأبدان والجماد.. أما أسلحة الدمار الإعلامى فهى تدمر العقول والنفوس، وآثارها تظل باقية.. وقد لا تمحوها. السنون وحكمة المصلحين. كما أن بعض الساسة (من أغلب الأحزاب والقوى ومنظمات المجتمع المدنى) ساهموا بممارستهم المرفوضة وتصريحاتهم الشريره فى إذكاء روح العنف والفوضى وشجعوا الشباب على الإنطلاق نحو دائرة التدمير والتخريب والإفساد. إن كلمة أو تصريحاً ساماً يطلقه أحد السياسيين يمكن أن يدمر أمة بأسرها، ويدفع الثمن هؤلاء الشباب البسطاء الذين يضللهم الإعلام والساسة المخربون. أيضاً يجب أن نعترف بأن المسجد والكنيسة تراجع دورهما.. ولا نكاد نسمع صوتهما. لاستعادة هذه الروح الأخلاقية السامية. وإذا كان القرآن خُلق الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم .. بل كان قرآناً يمشى على الأرض..فإننا نطالب الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بأن تنظم ندوات ومنتديات فى كل المساجد والزوايا لتبصير الكبار قبل الصغار بما آلت إليه تحولات الشخصية المصرية وأن يوضحوا لهم كيفية العودة إلى طريق الحق والحقيقة. نحن كلنا نتغنى بحب مصر.. وإنها «تاج العلاء فى مفرق الدهر» ولكننا لا نطبق ذلك عملياً. فالحب له شواهد ومتطلبات وأسس.. وليس مجرد كلام معسول يطير فى الهواء بمجرد خروجه من الأفواه، نحن نريد أعمالاً تؤكد حبنا لمصر.. وأولها الحرص على قيمة العمل والنظام والانضباط. وقد يردد البعض قائلاً: وما علاقة الحب بالنظام والانضباط؟! هل هناك حب منضبط وحب منفلت؟! هل هناك حب منظم.. وآخر فوضوى؟! هل العمل من سمات الحب ؟!. نقول: نعم وبلغة الأرقام فحتى أُرضى من أحبه وألبى طلباته.. يجب أن أعمل وحتى يكون الحب ناجحا يجب أن يكون النظام سمة الحياة.. فالفوضى تضر الجميع حتى العشاق والمغرمين!! والحب الحقيقى لمصر يجب أن يُترجم إلى سعى لتحقيق مصالحها.. لا أن نضرها وندمر منشآتها.. الحب الحقيقى يتطلب أن نقدر ظروف المحبوب وأن نمنحه فرصة لالتقاط الأنفاس.. حتى يكون للحب معنى ومغزى.. وأن يحقق أهدافة النبيلة!.