تركزت آمال اليمنيين حول مؤتمر الحوار الوطنى، وأنه سيكون الباب الذى سيدخلون منه نحو مستقبل أفضل، بعد نجاح الثورة اليمنية التى أطاحت بعلى صالح ونظامه الذى حكم اليمن 33 عامًا.. لكن مشاكل اليمن السعيد تحولت إلى مستحيلات أولها انهيار الاقتصاد، وثانيها تنظيم القاعدة، وثالثها حركة الحوثيين، ورابعها الحراك الجنوبى الراغب فى الانفصال، فهل ينجح مؤتمر الحوار الوطنى فى مواجهة المستحيلات اليمنية؟ جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن، وعرّاب تطبيق المبادرة الخليجية، قام بجولات مكوكية، والتقى كل الفرقاء من أجل ضمان نجاح مؤتمر الحوار الوطنى، كان آخر الجولات فى دبى ولقائه بعدد من قادة الحراك الجنوبى، ثم وصل للعاصمة اليمنية صنعاء لوضع اللمسات الأخيرة لانطلاق المؤتمر وتابع عمل فريق الأممالمتحدة. وأكد جمال بن عمر أنه تم تأسيس صندوق ائتمانى ممول من عدد من الدول المانحة لدعم مؤتمر الحوار الوطنى. وقال إن هذه القضية تعد أهم مهمة فى المرحلة الانتقالية الثانية، باعتبار أن إنجاح المؤتمر أولوية لجميع اليمنيين وأن الأممالمتحدة تساندهم وستقدم لهم الدعم الضرورى، لأن المجتمع الدولى يريد نجاح مؤتمر الحوار الوطنى بتعاون جميع الأطراف السياسية لتحقيق هدفه. كما أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء اليمنى أن حكومة الوفاق الوطنى ومن خلال وزاراتها وأجهزتها المختلفة ماضية بكل عزم ومسئولية وطنية فى تنفيذ المهام المنوطة بها فى المرحلة الانتقالية الراهنة من أجل العبور باليمن إلى بر الأمان وتحقيق الاستقرار الاقتصادى والأمنى لليمنيين، مؤكدًا أن الحكومة ستعمل على القيام بكل ما هو واجب عليها تجاه مؤتمر الحوار الوطنى فى إطار تنفيذ المبادرة الخليجية وصولًا إلى الانتخابات المقررة فى فبراير القادم. الجيش جاهز للتأمين كما أكد وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد أن الجيش جاهز لحماية وتأمين فعالية المؤتمر الوطنى، مضيفًا أن أبناء القوات المسلحة سوف يبذلون كل ما بوسعهم من جهود لإنجاح وتهيئة المناخ الملائم لإجراء وتأمين سير جلسات أعمال الحوار الوطنى. وجدد تفاؤله بنتائج مؤتمر الحوار، قائلًا إن اليمن اليوم ليس يمن الثمانينيات أو التسعينيات، حيث شهد ويشهد تغييرًا جذريًا وانعطافات تاريخية مهمة، مرجعًا الأمر إلى ما يمتلكه البلد من كوادر وكفاءات باستطاعتها أن تحدث التحول الإيجابى. وأضاف قائلًا: إن الأحوال ستتغير نحو الأفضل ببناء اليمن الجديد ولن تؤثر فى سير التغيير والبناء تلك المراهنات والمماحكات سواء من الداخل أو الخارج لأن هناك استيعابًا كبيرًا لدى أبناء الشعب اليمنى والقوات المسلحة بأهمية وطبيعة المرحلة التى تمر بها اليمن. منع حمل السلاح وكانت السلطات الأمنية والعسكرية قد أقرت منع حمل السلاح فى العاصمة صنعاء طوال فترة انعقاد المؤتمر الوطنى وشددت لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن المنبثقة عن المبادرة الخليجية على ضرورة إيقاف العمل بتصاريح حمل السلاح خلال فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطنى، على أن يستثنى من ذلك كبار رجال الدولة والقادة العسكريون والأمنيون، بشرط أن يكون السلاح مخفيًا وغير ظاهر. جاءت هذه القرارات فى اجتماع عقدته اللجنة برئاسة وزيرى الدفاع والداخلية بحضور الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطنى. وقال المتحدث باسم اللجنة اللواء على سعيد عبيدان إن الخطة الأمنية سيتم تنفيذها فى المحافظات اليمنية كافة وسيشارك فيها جميع وحدات الأمن والجيش لحفظ الأمن وتوفير الأجواء الهادئة لعقد مؤتمر الحوار وتأمين المشاركين فيه. فرص النجاح وعلى الرغم من انطلاق مؤتمر الحوار الوطنى غدًا، فإن الأجواء المواتية لانعقاده لا تزال مفتقدة، وهو ما يثير حالة مبررة من القلق والمخاوف الشعبية بسبب تأثير البيئة السياسية والأمنية المتردية المحيطة بانعقاد المؤتمر فى فرص نجاحه وخروجه بالحلول المنشودة لتسوية العديد من ملفات الأزمات القائمة فى اليمن. وتأمل النخب السياسية فى أن يحقق المؤتمر نجاحًا فى إنهاء حالة اللاستقرار السياسى والانفلات الأمنى التى تعانيها معظم المدن اليمنية، ويبدو لدى رجل الشارع العادى فى اليمن نوع من الإسراف غير المبرر فى التفاؤل، فى ظل أجواء قاتمة ومحبطة من الانقسام والتباين بين النخب السياسية، واستمرار مظاهر الانقسام فى صفوف الجيش، جراء تأخر إصدار القرارات الرئاسية التكميلية،وتصاعد أنشطة فصائل الحراك الجنوبى المطالبة بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، إضافة إلى التدخلات الخارجية الواضحة فى الشأن اليمنى. المشهد السياسى تركزت طموحات وآمال المواطن اليمنى فى أن يكون الحوار الوطنى مخرجًا من كل قيود الماضى ومآسيه، وانطلاقًا نحو مستقبل أفضل،فاليمن السعيد لا يزال غير سعيد، لكن الواقع اليمنى يواجه ضغوطًا سياسية وأمنية على جبهات ثلاث هى «القاعدة فى شبه الجزيرة العربية» التى تتخذ من جنوب وشرق اليمن مقرًا لها، وحركة «الحوثيين» فى صعدة فى الشمال وما يرتبط بذلك من تدخل إيرانى فى شئون اليمن الداخلية، و«الحركة الانفصالية» فى الجنوب. ويبقى أن أهم ما يهدد سلامة اليمن وأمنه هو تنظيم «القاعدة» الذى كثف من هجماته واستطاع السيطرة على بعض المناطق، لكن الحكومة حققت نجاحات ضده، وربما أن حركة «الحوثيين» قد جرى احتواؤها مؤقتًا لكن صراع الدولة معها وخطورتها على مستقبل اليمن لا تزال قائمة، فتدفق الأسلحة إلى «الحوثيين» ودعم إيران المادى والمعنوى لهم يبقى المشكلة قائمة دائمًا. أما بالنسبة لحركة الجنوب الانفصالية، أو ما يطلق عليها الحراك الجنوبى، فعلى الرغم من مطالبته بالانفصال، فهو لم يخرج بعد على انتهاج الوسائل السلمية كالتظاهرات والاحتجاجات والمنشورات، وعلى الرغم من أن الجنوب يبدو منقسمًا بين تيار متمسك بالانفصال وتيار يريد الفيدرالية، فإن مواقفهما تميل إلى التشدد بشأن معالجة تسوية القضية الجنوبية، كلما ظهر لهم أن منطق السلطة التى أذاقتهم مرارة الوحدة مازالت تحتل مواقع بارزة فى المشهد السياسى اليمنى. فى هذه الأثناء، تبدو قوى الثورة من الشباب المستقلين والحركات والتكتلات، التى لم تمثل فى حكومة «الوفاق الوطنى» أكثر تشددًا حيال المشاركة فى الحوار الوطنى ومنقسمين بين مطالبين بتمثيل عادل لهم فى المؤتمر، ورافضين الانخراط فى الحوار. فى المقابل، تخشى القوى العسكرية والقبلية الأخرى، سواء منها الموالية لعلى صالح أو المحسوبة على الثورة بقيادة اللواء الأحمر وحلفائه، من أن يقلص الحوار الوطنى من حظوظهم، ويأتى بأطراف تعمل على تصفية حسابات معها، ولذلك تلجأ إلى المناورة من أجل أن تضمن مواقعها فى السلطة وتستمر فى حماية مصالحها. ورغم كل شىء يبدو أن التحركات التى يبديها كل طرف من الأطراف السياسية غير مجدية، نظرًا إلى أن الإرادة الشعبية الوطنية مع التغيير وهى التى قادته، فضلًا عن أن الإرادة الإقليمية والدولية، تلتقى على حتمية التغيير. إن الحوار الوطنى الذى يعد إجراءً تكميليًا لبنود المبادرة الخليجية أمر حتمى ستنطلق جولاته غدًا، وإن حاولت بعض القوى أن تضغط وتناور من أجل الخروج بأكبر قدر من المكاسب السياسية، فنتائجه ستؤثر بقوة فى عملية الانتقال السياسى فى اليمن، حيث سيكون نجاحها بمثابة خطوة رئيسية فى مسيرة اليمن بعد نجاح الثورة، ومن المؤكد أن الحوار الوطنى هو الفرصة الوحيدة المتاحة والتاريخية أمام جميع اليمنيين لمناقشة وحل كافة القضايا والمشاكل المرتبطة بحاضر ومستقبل اليمن.