ومن أبرز تلك الممارسات أيضا وجود طبقة جديدة من سماسرة العملة ممثلة فى بعض البلطجية الذين دخلوا مؤخرًا سوق المال المصرية واللاجئين السوريين الذين أصبحوا يمارسون ذات النشاط وهو ما بات يمثل عالمًا سرياً للدولار. تحويلات الأموال محسن الحناوى محاسب بشركة استيراد كشف ل «أكتوبر» أن بعض أصحاب الأعمال الكبار يقومون بتحويل أموالهم لبنوك خارج مصر ومنها يحولون فقط بعض المبالغ التى تغطى أنشطة الشركة شهريًا ورواتب العاملين بها. ويقول رجب سالم محاسب آخر بشركة استيراد إن الشركات العالمية بعد الثورة تشترط على المستورد المصرى تحويل جميع مستحقاتها المالية قبل ارسال المنتج نظرًا لسوء الأوضاع فى مصر مؤكدًا أن ذلك يؤدى إلى نقص شديد فى السيولة أثرت على نشاط الشركة التى يعمل بها ودفع صاحب الشركة إلى تحويل أمواله للخارج خوفًا من سوء الأوضاع. شركات الصرافة أصبحت شركات الصرافة هى المكان الذى يجمع سماسرة العملة من مصريين وأصحاب جنسيات أخرى من لاجئين اضطرتهم ظروف بلادهم السياسة إلى مصر حيث يتجول هؤلاء بأكياس البلاستيك السوداء مليئة بالعملة حتى لا تكون لافتة للنظر وعن هذه الظاهرة يقول ياسر الحفنى محاسب بإحدى شركات الصرافة إن هناك طبقة جديدة من سماسرة الدولار من البلطجية وأصحاب الجنسيات الأخرى وخاصة السوريين ممن يترددون على شركات الصرافة موضحًا أن الفرد من هؤلاء يتردد على عدد من الشركات حتى يستطيع جمع المبلغ الذى يريده لأنه لا يستطيع الحصول عليه من شركة واحدة ثم يعيد بيعه مرة أخرى للمستوردين بأسعار أعلى نظرًا لحاجة هؤلاء للدولار. وأضاف محاسب شركة الصرافة أن شراء الدولار يشهد إقبالا كبيرًا ايضا من جانب العملاء التقليديين وممن يرغبون فى الاستثمار خلال شراء الدولار والاحتفاظ به لحين الظروف المناسبة لبيعه بما يحقق أكبر فائدة ممكنة. موضحا أن شركات الصرافة لا تملك عدم بيع الدولار لهؤلاء بموجب القانون لأن احتفاظ الشركة بالدولار ورفض بيعه يمثل مخالفة كبيرة مشيرًا إلى أن كل شركة تعمل فى أطار مبلغ محدد بموجب الترخيص. العالم السرى! من جانبه، كشف خالد فتح الله نائب رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية جانبًا هامًا من العالم السرى للدولار يتمثل فى الآلية التى يحصل بها المستورد على الدولار من السوق السوداء، موضحًا أن هناك شبكة من المتحكمين فى سوق الدولار السوداء تتكون من بعض العاملين فى شركات الصرافة والسماسرة حيث تمتنع شركات الصرافة فى البداية عن توفير طلبات المستوردين للدولار، ثم يفاجأ المستورد بأحد مسؤولى الشركة يخبره بأن هناك شخصًا لديه سيولة من الدولار ومن الممكن توفير المبلغ للمستورد بمبلغ يفوق السعر المعلن على الشاشة بنحو 30 قرشًا على سبيل المثال، ويعرض مسئول الصرافة وضع كمية الدولارات المطلوبة فى حساب المستورد بالبنك، وفى النهاية يرضخ المستورد لضغوط الصرافة ويحصل على الدولار بالسعر الأعلى من السوق. ومن ناحية أخرى يرجع أسباب عودة السوق السوداء للدولار إلى بعض ممارسات البنوك، حيث أصبح المستورد مجبر للجوء إلى شركات الصرافة للحصول على الدولار، بسبب قيام البنوك بوضع طلبات المستوردين على قوائم الانتظار، لحين توفير البنك المركزى للعملة الأجنبية من خلال عطاءاته الأسبوعية. قوائم الانتظار ومن جانبه حمّل محمد الأبيض رئيس شعبة الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية البنوك مسؤولية عودة السوق السوداء، بسبب وضعها كبار المستوردين، وكذا شركات الصرافة على قوائم الانتظار، مشيرًا إلى أن البنوك تشترط على الصرافة سداد قيمة ما تطلبه من دولارات بالعملات العربية وليس بالجنيه.ويرى الأبيض أن التصدى للارتفاع المستمر للجنيه لن يتم إلا بضخ كمية كافية من الدولار فى السوق المصرية وبدون ذلك ستستمر الأزمة. وحول القلق حيال إغلاق بعض شركات الصرافة نتيجة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الدولار أكد الأبيض أن ذلك لا يمثل أية خطورة مستقبلية نيجة لهذا الغلق ووصفه بأنه مؤقت وسينتهى بمجرد استقرار سعر الصرف. وقال أحمد الخولى رئيس قطاع الخزانة وإدارة الأموال بأحد البنوك إن حالة تراجع سعر الدولار فى بعض الأيام لا يعنى أن أزمة سوق الصرف قد انتهت لان الدولار مازال غير متوافر لتغطية الطلب التجارى عليه، فمازال الطلب أكبر من العرض. وأوضح أنه لابد من عودة سوق الإنتربنك الذى توقف مع بدء العمل بآلية العطاءات الجديدة حتى يتم توفير العملة الامريكية بالبنوك لتلبية طلبات التجار. مواجهة الأزمة وفى بحثنا عن الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى أكد فتحى ياسين رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى الأسبق والخبير المصرفى أن الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة حرجة إلا أنه مازال آمناً، وأشار إلى أنه يمكن معالجة الوضع الراهن خلال تحجيم الطلب على العملة الأجنبية، وتحجيم الطلب على الدولار وفى هذا السياق ووصولاً إلى هذا الهدف أكد أنه يجب على إدارات البنوك التأكد من مدى جدية الاعتمادات الخاصة بالعملة الأجنبية بحيث يتم تقليص الاعتمادات التى توجه لصالح احتياجات غير ضرورية. وعلاوة على ذلك أكد ضرورة أن تضع البنوك ضمن أولوياتها ضرورة زيادة موارد الاقتصاد المصرى خلال تغطية خطوط الانتاج الناقصة ووضع ودراسة الخطط اللازمة للتعاون فيما بين البنوك لتمويل المشروعات القومية الكبرى على سبيل المثال المشروعات الخاصة بنمطقة شمال غرب البحر الأحمر ومنطقة قناة السويس مشيرًا فى ذات السياق إلى أن المنطقة تحظى بجميع مقومات نجاح مشروعات الصناعات التكميلية للسفن بما يحقق لمصر ميزة تنافسية فى هذا المجال، وأن البنوك لديها العديد من الدراسات القيمة للعديد من المشروعات الجيدة التى يمكن أن تساعد بشكل حقيقى فى تنمية الاقتصاد المصرى وزيادة الموارد وأن ما تحتاجه البنوك هو مزيد من الجرأة والتعاون فيما بينها للحد من معدلات الخطورة، وأشار إلى أن البنوك المصرية نحجت من قبل فى النهوض بالصناعة المصرية خلال تمويل مشروعات إنشاء مصانع الأسمنت وأصبح الأسمنت المصرى مطلوباً فى الأسواق العالمية، وأكد أن مثل هذه السياسات نجحت فى مواجهة أزمات اقتصادية مماثلة من قبل مع بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات. ومؤكدا على ضرورة التنشيط الحقيقى للموارد الاقتصادية شبه المعطلة وفى مقدمتها السياحة. ويلفت ياسين إلى أنه رغم ضبابية المشهد الاقتصادى إلا أن الاقتصاد المصرى لديه العديد من المقومات التى تعمل كحائط صد ضد الأزمات من أهما وجود موارد ثابتة أساسية للدخل القومى مثل موارد قناة السويس، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، والنشاط التصديرى، مشيرًا إلى أن تلك الموارد تساعد الاقتصاد المصرى على الوفاء بالالتزامات الداخلية والخارجية هذا ما بدأ به د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد جامعة بنها موضحًا، ضرورة مواجهة الأزمة الراهنة المتعلقة بنقص السيولة خلال إعادة النظر فى سياسات الائتمان مع ضرورة توجيه القروض للمسارات التى تنعش السوق المحلية وتحد من نقص السيولة. حدود الأمان! ومن جانبه أكد د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى أن الاقتصاد المصرى مازال فى الحدود الآمنة حيث يصل معدل الدين الداخلى والخارجى إلى 78% حيث كشف البنك المركزى فى تقريره عن أن صافى رصيد الدين المحلى المستحق على الحكومة بلغ نحو 1002.1 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2012، بزيادة قدرها 194 مليار جنيه، وتبلغ نسبة الدين الخارجى حوالى 34 مليار دولار من قيمة الناتج المحلى حيث يبلغ الدين المحلى حوالى تريليون جنيه مصرى ويصل الدين الخارجى إلى 35 مليار دولار، وأوضح أنه هذه المعدلات مقبولة قياسًا بالكثير من الدول منها أكثر الدول تقدمًا حيث يبلغ حجم الدين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية حوالى 101% من الناتج القومى ويناقش الكونجرس حاليًا رفع سقف الدين عن هذه النسبة . ومن ناحية أخرى يحذر د. أيمن محمد إبراهيم من التقاعس عن معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة بشكل حقيقى وخلال وسائل غير تقليدية، مؤكداً أن الأساليب التقليدية من الممكن أن تؤدى إلى طبع أوراق بنكنوت على المكشوف وهو ما يقود إلى التضخم الجامح الذى يعد أخطر أنواع التضخم حيث يعبر عن ضعف عجلة الانتاج والتقلب الشديد والسريع فى أسعار السلع والخدمات مع عدم توافرها. ويرى أن هناك العديد من الوسائل غير التقليدية لزيادة الدخل القومى منها تنفيذ مشروع بنك الشعب الذى يقضى بتوفير مبلغ 3 مليارات جنيه شهريًا موضحًا أن تمويل هذا المشروع يقوم على دمج مبالغ كسر العلامة العشرية على مستوى جميع الهيئات والوزارات موضحا أن أجرى دراسة علمية بهذا الصدد، وأن الدراسة أثبتت إمكانية توظيف هذه الموارد خلال مشروع بنك الشعب فى شراء أذون خزانة بفائدة لا تتعدى 10 % فقط وهو ما يعنى توفير 4% فارق الفائدة عن البنوك الأخرى لصالح الخزانة العامة للدولة، وهو ما يعنى خفض فاتورة الدين بحوالى 50 إلى 60% من القيمة الحالية، كما أن هذا البنك يمكن أن يساعد فى تنفيذ العديد من المشروعات التنموية بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية. المتأخرات وعلاوة على ذلك يؤكد ضرورة أن تهتم الحكومة بتحصيل المتأخرات الضريبية على رجال الأعمال والتى تصل إلى حوالى 30 مليار جنيه، كما أنه من الضرورى أيضا تطبيق الحد الاقصى للأجور دون استثناء مشيرًا إلى أن الجهاز الإدارى الراهن ليس به من الكفاءات من نخشى من تركهم مناصبهم حال تطبيق الحد الاقصى للأجور فهم ذات الأشخاص الذين فشلوا فى دفع عجلة التنمية وتسببوا فى خسارة العديد من الشركات والجهات الحكومية. ومن جانبه وصف أحمد قورة رئيس البنك الوطنى المصرى سابقًا، أن ما يعانيه الاقتصاد المصرى يعد حالة من التعثر نتيجة لنقص السيولة النقدية الذى أرجعه إلى الزيادة الشديدة فى الطلب على السلع والخدمات فى مقابل نقص الموارد، وهو ما يؤدى إلى الزيادة فى عجز الموازنة، مشيرًا أن الاقتصاد المصرى نجح من قبل فى التصدى لمثل هذه الأزمات عندما تسببت شركات توظيف الأموال فى سحب السيولة من السوق المصرى فى بداية تسعينات القرن الماضى، واستطاع البنك المركزى مواجهة الأزمة، مؤكداً أن الأزمة الراهنة يمكن للاقتصاد المصرى تجاوزها خلال ترشيد الإنفاق والبحث عن موارد جديدة تنعش الاقتصاد المصرى.