أجواء عصيبة وظروف استثنائية، تلك التى أقيم خلالها معرض القاهرة الدولى للكتاب ال44، (23 يناير 5 فبراير 2013) أعرق معارض الكتاب العربية، وأكبرها فى منطقة الشرق الأوسط، وثالث أكبر معارض العالم للكتاب المصنفة دوليا. وللعام الثانى على التوالى، وربما لأعوام قادمة أيضا، يلقى الحراك الثورى العربى عامة، وفى مصر خاصة، بظلاله على معرض الكتاب وسوق النشر، فلا تزال حركة البيع والشراء وتداول الكتاب تعانى من الارتباك والتخبط وتتذبذب بين صعود وهبوط عشوائى، غير منتظم، ولا يلوح له استقرار فى القريب العاجل، ولا يزال عدد كبير من الناشرين يعانى من الخسائر الفادحة جراء إلغاء دورة المعرض العام قبل الماضى، (يناير 2011)، عام اندلاع الثورات العربية، وهو ما انعكس على حركة المعارض، حيث شهد العالم العربى إلغاء لبعضها وتأجيلا لبعضها الآخر. «معرض القاهرة الدولى للكتاب ال 44»، يأتى هذا العام وسط أجواء مشحونة ومضطربة، انعكست بشكل مباشر على مشاركات الدول ودور النشر العربية والمصرية، وهو ما تم رصده فى هذا التحقيق.. الافتتاح يستهل معرض القاهرة للكتاب ماراثون معارض الكتاب العربية لعام 2013، ويبدو بمثابة الافتتاح لحركة الإصدارات وسوق النشر فى مصر والعالم العربى، للعام الجديد 2013، حيث تطرح دور النشر عناوينها الجديدة، ومنشوراتها المتنوعة للمرة الأولى خلال معرض القاهرة، صحيح أن سوق النشر شأنها شأن كل المجالات والأنشطة الأخرى قد تأثرت بشدة بسبب الأوضاع السياسية، وانعكس هذا بوضوح عليها من الناحية الاقتصادية، إلا أن ثمة «شعاع من الضوء» قد لاح هذا العام مع بدء دوران عجلة البيع والشراء من خلال الإقبال المتزايد على أجنحة المعرض خلال الأيام الخمسة الأخيرة منه، وهو ما استدعى أن يطلب الناشرون المصريون والعرب، بشكل رسمى من وزارة الثقافة ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، مد المعرض لأربعة أيام أخرى، لإعطاء الفرصة للناشرين لتعويض خسائرهم المتراكمة خلال العامين السابقين، إضافة إلى ما يتطلعون إليه بأمل كبير فى تحقيق ولو هامش ربح معقول يكون مرضيا ومغطيا للنفقات والتكاليف التى تحملوها خلال مشاركتهم. فرصة الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، المؤسسة المنوط بها تنظيم المعرض والإشراف عليه، قال إن الدورة الحالية لمعرض القاهرة، ورغم الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، تعتبر بمثابة فرصة للناشرين لتعويض خسائرهم خلال العامين الماضيين، وكذلك لإجراء مراجعة لقوائم الإصدارات الجديدة للعام الحالي، ودراسة الدفع بالعناوين التى تهم القارئ العربى أو تضاف إلى قوائم العام الجديد. مجاهد أوضح أنه ورغم الصعوبات التى أحاطت بتنظيم المعرض هذا العام، فإن مجمل ما تحقق من مبيعات وما شهده من إقبال تزايد خلال أيامه الأخيرة يعد «نجاحا كبيرا» للمعرض، مشيرا إلى أنه ما كان للناشرين أن يطلبوا من وزارة الثقافة مد المعرض لعدة أيام تالية، إلا بسبب استشعارهم بالإقبال المتزايد وتصاعد حركة البيع مما يبشر بمكاسب معقولة خلال أيام المد. سوق الكتاب ماهر الكيالى (أردنى الجنسية)، صاحب ومدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وعضو اتحاد الناشرين العرب، قال إن «سوق الكتاب العربى لم تكن مزدهرة أصلاً فى السنوات القليلة التى سبقت ثورات الربيع العربى، لكن وفى كل الأحوال وبرغم الظروف الصعبة، فإن معرض القاهرة للكتاب هذا العام قد حقق نجاحا ملحوظا وكان هناك حركة على أجنحة البيع، وثمة كتب بعينها قد نفدت النسخ المتاحة منها، وبالأخص الروايات المرشحة لجوائز معروفة، كالبوكر العربية، مثل رواية العراقى سنان أنطون «يا مريم» المرشحة ضمن روايات اللائحة القصيرة للبوكر هذا العام، ومثل رواية الجزائرى أمين الزاوى «حادى التيوس» التى نفدت نسخها جميعا بمجرد طرحها فى المعرض». على النقيض، ومن وجهة نظر مغايرة، قال أحد الناشرين الجزائريين المشاركين فى المعرض، إن الكتاب بات «كمالية ترفيه» للثوار فى ميدان التحرير فى القاهرة، ولم يعد حاجة ضرورية لمن تسيل دماؤهم وتهدر أرواحهم بالعشرات والمئات فى سوريا المنكوبة، بينما صارت بعض العناوين مرشّحة للحظر والمنع والتراجع لدى السلطات الثورية الجديدة ومناصريها فى مصر وتونس وليبيا، محذرا من مخاوف حقيقية من «تشديد قبضة» سلطوية معاكسة لنهضة الشارع، مشيرا إلى أن هناك مخاوف من تحول«الربيع العربى» إلى «شتاء قارس» يهدد المكتسبات التى نالها المواطن العربى بالروح والدم فى هذه الدول. أما الناشر اللبنانى الشهير، بشار بشارو، المدير السابق للدار العربية للعلوم (ناشرون)، والمدير الحالى لمنشورات (ضفاف) ومنشورات(الثقافة)، فى كل من لبنان والإمارات، فعبر عن رصده لتغير ومزاج وذائقة القارئ العربى بعد الثورات، حيث أكد أن هناك إقبالا متزايدا على نوعيات بعينها من الكتب، تشير إلى تصاعد الإقبال على الروايات التى تعالج هزيمة المثقف الليبرالى واليسارى فى مواجهة المد الإسلامى ووصول بعض فصائله إلى السلطة، كما حدث فى مصر وتونس، عقب الثورات. روايات «هناك روايات عديدة من مصر والمغرب وتونس والجزائر وليبيا ولبنان ودول الخليج، تلقى رواجا ملحوظا وتحقق مبيعات لافتة»، يقول بشار، بما يدفع إلى ضرورة التركيز على هذه الظاهرة الجديرة بالتأمل والدراسة، لافتا إلى أن روايات مثل «ساق البامبو» للكويتى سعود السنعوسى، قد وزعت 3 آلاف نسخة فى شهرين فقط، بعد أن وصلت للائحة الطويلة ثم القصيرة لجائزة البوكر العربية، ووزعت نسخا قياسية خلال معرض القاهرة للكتاب، وكذلك رواية اللبنانية الشابة جنى فواز الحسن «أنا، هى والأخريات» قد وزعت بدورها حوالى الألفى نسخة فى المدة ذاتها. أما الناشرة الجزائرية آسيا موساى، مديرة وصاحبة منشورات(الاختلاف) بالجزائر، فأكدت أن معرض القاهرة للكتاب هذا العام قد يكون «تعويضا مناسبا» للناشرين عن مشاركتهم فى معارض سابقة ولم يحققوا منها النتائج المرجوة، مضيفة أن معرض القاهرة ورغم السياق العام من الاضطرابات وأجواء عدم الاستقرار والتظاهرات الموجودة فى الشارع، لم يخذل الكتاب العربى فى المجمل، وحقق له «توزيعا لا بأس به» فى ظل الظروف الحالية. آسيا عبرت عن سعادتها لمشاركتها للمرة الأولى فى معرض القاهرة للكتاب، واستضافتها ضمن المشاركين أيضا فى الأنشطة الثقافية المقامة على هامش المعرض، حيث كانت أحد المشاركين فى ندوة (جائزة البوكر.. ما لها وما عليها) بصفتها عضو مجلس أمناء جائزة البوكر، وكانت الندوة شهدت حضورا لافتا من الجمهور والناشرين وتخللها نقاش ساخن حول الجائزة الشهيرة وما تثيره من جدل عقب الإعلان عن ترشيحاتها فى كل عام. أما على صعيد العناوين وأحدث الإصدارات وجديد سوق النشر التى أقبل عليها القراء، فبدا واضحا الإقبال المعتاد والكثيف على أجنحة الكتب المخفضة، خاصة جناح الهيئة العامة للكتاب، وجناح الهيئة العامة لقصور الثقافة، ودار الكتب والوثائق القومية، إضافة إلى المركز القومى للترجمة، وهى كلها تمثل جهات لسوق النشر على الصعيد الرسمي، حيث توفر إصداراتها بأسعار مدعمة، وتلقى إقبالا غير مسبوق من الجمهور المتعطش للقراءة. «شخصية مصر» لجمال حمدان فى 4 مجلدات، و«عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» للجبرتى فى 8 مجلدات، و«تاريخ مصر- سير الآباء البطاركة» فى 10مجلدات.. كانت أهم العناوين التى تلقفتها الأيدى، وشهدت أجنحة توزيعها زحاما غير مسبوق وتدافعا من الجمهور للحصول على نسخة منها، وهى صادرة عن الهيئة العامة للقصور للثقافة. ترجمة أما المركز القومى للترجمة، الذى يحظى بسمعة طيبة للغاية فى مجال نشر وتوزيع الكتاب المترجم فى مصر والعالم العربي، فلم تهدأ حركة الزوار عليه، محققا نسبة مبيعات عالية، حيث طرح المركز خلال فترة المعرض عناوين مهمة وجاذبة، لاقت إقبالا كبيرا، وفقا لتاميران محمود، مسئولة التوزيع بالمركز، منها: «مختصر دراسة للتاريخ» لأرنولد توينبى فى 4 مجلدات من ترجمة ودراسة الدكتور محمد فؤاد شبل،«تاريخ الأندلس» ليوسف أشباخ فى مجلدين ومن ترجمة محمد عبد الله عنان، «الاستشراق الأمريكى»،«التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، رواية نوبل 2012 «الذرة الرفيعة الحمراء». دور النشر الخاصة دور النشر الخاصة حققت توزيعا عاليا لبعض إصداراتها الحديثة، خاصة منها ما يتعلق بالظرف الراهن فى مصر، حيث حقق مثلا كتاب القيادى الإخوانى المنشق ثروت الخرباوى «سر المعبد»، الصادر عن دار نهضة مصر، نسبة توزيع بلغت حوالى 10 آلاف نسخة خلال أشهر قليلة منذ صدور الطبعة الأولى منه، ومن قبله كتاب «قلب الإخوان» له أيضا الصادر عن دار الهلال، فيما حققت دار التنوير البيروتية، التى افتتحت مقرها الجديد فى القاهرة خلال فترة المعرض، مبيعات كبيرة من كتبها الجديدة مثل، كتاب «بلاغة الحرية» للدكتور عماد عبد اللطيف، وكتاب«كراهة الديمقراطية» من ترجمة أحمد حسان، ورواية «كازانوافا فى بولزانوا» التى تترجم للغة العربية للمرة الأولى. وفى الدار المصرية اللبنانية، حققت سلسلة (كلاسيكيات)الجديدة توزيعا قياسيا، وهى السلسلة التى أصدرتها الدار قبل أيام من المعرض وضمت إعادة نشر أهم أعمال مفكرى وكتاب النهضة المصرية، مثل أعمال مصطفى لطفى المنفلوطى؛«النظرات» فى 3 أجزاء، و«العبرات»، و«الفضيلة- أو بول وفرجينى»، و«الشاعر- أو سيرانو دى برجراك»، و«فى سبيل التاج»، و«تحت ظلال الزيزفون»، وأعمال الدكتور محمد حسين هيكل الشهيرة: «فى منزل الوحى»، «الفاروق عمر» فى جزئين، «الصديق أبوبكر»،«عثمان بن عفان»، إضافة إلى عملين كلاسيكيين من عيون التراث العربى، وهما «الأدب الكبير والأدب الصغير» لابن المقفع، و«حى بن يقظان» لابن طفيل، وتوالى الدار إصدار بقية العناوين فى السلسلة المهمة عقب المعرض. كذلك كان من العناوين اللافتة فى الدار المصرية اللبنانية، كتاب وزير الإعلام السابق أسامة هيكل الذى صدر قبل أيام قليلة من انتهاء المعرض.