قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان فى مصر أسياد وعبيد، باشوات وخدم، لذلك قامت الثورة وكانت أبرز مطالبها تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وفى الطريق إلى تحقيق هذا فتحت القصور والحدائق الخاصة بالأسرة الحاكمة والباشوات كعامة الشعب.. فدخل الناس حدائق المنتزه ليروا بأعينهم - بعد أن كان يتناهى إلى أسماعهم مجرد حكايات - قطعة من الجنة. ومع مرور الوقت وخفوت الثورة فى نفوس الثائرين عاد الفساد ليتسرب كالشيطان فى المجتمع وأروقة النظام ودولابه البيروقراطى وبدأت تتكون طبقة جديدة من الباشوات غير المصنفين رسميًا والمحظوظين وتزاوجت السلطة ورأس المال لينجبا مخلوقًا سويعًا بدأت علاقات فساده الفج تتكشف تباعًا قبل ثورة 25 يناير 2011 لترتفع بعد الثورة وتيرة الكشف عن قضايا الفساد التى تكشف عن واقع مذهل كانت تفاصيله غائبة أو تكاد تتسرب فى شكل شائعات يتناقلها الناس، ومن هذا الواقع هذه القضية.. فساد قصر المنتزه. وقصة هذا الفساد تبدأ مع عام 1979 عندما أصدر الرئيس أنور السادات قرارا جمهوريا بتسليم منطقة قصر المنتزه بمحافظة الإسكندرية إلى وزارة السياحة، وتكوين شركة استثمارية جديدة للإدارة واستغلال وتنمية المنطقة سياحيا، وبالتالى أصبحت منطقة المنتزه منطقة سياحية بعد أن كانت تابعة لرئاسة الجمهورية. أول من طبق هذا القرار الجمهورى وزير السياحة والطيران المدنى جمال الناظر الذى أصدر قرارا بتحديد حدود المنتزه وهى كل ما يدخل سور المنتزه، وفى 2 مايو 1982 أصدر الرئيس السابق حسنى مبارك قرارا جمهوريا باستمرار وزارة السياحة فى إدارة المنتزه واستخدام شركة فى إدارته، وكان وزير السياحة فى ذلك الوقت توفيق عبده إسماعيل الذى أصدر قرارا بضم منطقة الجزيرة والكوبرى لمنطقة المنتزه، وتم إبرام عقد إدارة بين وزارة السياحة وشركة المنتزه للسياحة والاستثمار. وفى سنة 1996 أصدر وزير السياحة د.ممدوح البلتاجى قرارا بتشكيل لجنة من الوزارة وشركة إدارة المنتزه لتسيير الأعمال، ثم عندما جاء أحمد المغربى كوزير سياحة قام بإعادة تشكيل لجنة تسيير الأعمال بالمنتزه، وهذه اللجنة شكلها من رجال الأعمال. ومنذ عام 2007 صدر قرار من شركة المنتزه بتشكيل لجنة لإبرام عقد بين الوزارة وشركة سياحية لإدارة فندق فلسطين بمخالفة للقانون 89 للمزايدات والمناقصات. وفى عام 2007 طلب الجهاز المركزى للمحاسبات من وزارة السياحة عقد المنتزه وميزانياتها، لكن لم يحصل على إجابة! وعلى الرغم من أن وزارة السياحة قامت بإسناد عملية إدارة المرافق والمنشآت الموجودة بالمنطقة إلى شركة المنتزه للسياحة والاستثمار بموجب عقد إدارة موقع بينها الشركة، ويتم بموجب هذا العقد توزيع صافى ربح التشغيل فى نهاية كل سنة مالية خلال مدة العقد بين الطرفين، بنسبة 75% للوزارة و25% للشركة، فإنه لم يدخل ميزانية وزارة السياحة جنيه واحد منذ توقيع العقد. قائمة المحظوظين وهذه الشركة هى التى قادت عمليات البناء والتخصيص بمبالغ زهيدة جدا لرموز عصر مبارك فقد انضم لطابور المرضى عنهم قائمة طويلة ضمت أسماء كبار رموز النظام السابق على رأسهم جمال وعلاء مبارك الذين استوليا على جزيرة جريشة المواجهة لمنطقة المنتزه والمعمورة وقاما ببناء قصرين فاخرين فوقهما (وقد تم هدمهما بعد قيام الثورة)،هذا بخلاف فيلا علاء مبارك المميزة على شاطئ الحرملك رقم? »?7? ?ب? «?فهى تعتبر من أكبر وأفخم الفيلات على الشاطئ وقد حصل عليها عام? ?1985? ?مقابل? ?1635? ?جنيهاً،أما بقية القائمة فقد ضمت صفوت الشريف الذى يمتلك شاليهًا? ?بشاطئ إيزيس رقم? ?3?/?88? ?ويرفض سداد قيمة حق الانتفاع منذ عام? ?2001? ?حتى بلغت ديونه للشركة? ?97? ?ألفًا? ?و490? ?جنيهًا،? كما ضمت القائمة? د. أحمد نظيف الذى حاول منذ كان وزيرًا? ?للاتصالات بالحصول على شاليه ولم يتمكن لعدم وجود شاليهات آنذاك وعندما تولى رئاسة الوزارة أصر على امتلاك شاليه مميز بحق انتفاع قدره? ?2136? ?جنيهاً،? ?واضطر أحمد المغربى،? ?وزير السياحة آنذاك،? ?الاستيلاء على الشاليه الخاص بالملكة دينا زوجة المرحوم الملك حسين ملك الأردن الأول، ?وتخصيصه لنظيف. وضمت القائمة أيضًا زكريا عزمى والذى تم تخصيص كابينة له على شاطئ عايدة بحق انتفاع قدره? ?2117? ?جنيهًا،? وحبيب العادلى الذى حصل على الكابينه رقم? ?21? ?بشاطئ كليوباترا مقابل? ?0726? ?جنيهًا?.? أما شاليه هشام طلعت مصطفى فهو رقم? ?59? ?بجانب فيلا الرئاسة،? ?فى حين يقع شاليه اللواء عدلى فايد بشاطئ كليوباترا رقم? ?159? ?والمهندس سامح فهمى بالشاطئ نفسه برقم? ?122? ?أما المرحوم كمال الشاذلى بشاطئ عايدة رقم? ?2?/?77? ?وأولاد الدكتور فتحى سرور بشاطئ عايدة برقم? ?1?/?17? ?وكذلك الدكتور محمد إبراهيم سليمان بنفس الشاطئ برقم? ?1?/?21? ?وعاطف عبيد كابينة رقم? ?1?/?28? ?والمغربى رقم? ?93? ?بشاطئ كليوباترا. ملفات الفساد ولأن رائحة الفساد لابد أن تنتشر فقد قررت أخيرا نيابة الأموال العامة العليا استدعاء منير فخرى عبد النور وزهير جرانة وأحمد المغربى وفؤاد سلطان وزراء السياحة السابقين لسماع اقوالهم بشأن الموافقة على تخصيص 12 كابينة بنظام حق الانتفاع بشاطئ عايدة الملكى بقصر المنتزه لعدد من رموز النظام السابق ومنهم د.أحمد نظيف واللواء حبيب العادلى ومحمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق وزكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق وعاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق وآخرون مقابل 2000 جنيه فى العام رغم أن أقل سعر للتخصيص 100 ألف جنيه مما يعد اهدارا للمال العام. وطلبت النيابة منع منير فخرى عبد النور وفؤاد سلطان من السفر والتحفظ على أموالهما، ومن المقرر انتقال النيابة إلى سجن المزرعة للتحقيق مع جرانة والمغربى ونظيف والعادلى وسليمان المحبوسين فى قضايا اخرى. وكانت تحريات مباحث الأموال العامة وهيئة الرقابة الإدارية قد افادتا بأن وزارة السياحة خلال الفترة من عام 1995 إلى 2012 وافقت على تخصيص كبائن فى قصر المنتزه مطلة على البحر إلى نظيف والعادلى وسليمان وعدد من أبنائهم وآخرين من رموزالنظام السابق بسعر 2000 جنيه للكابينة الواحدة فى السنة بينما سعرها آنذاك لا يقل عن 150 ألف جنيه. وأضافت أن العادلى سبق وأن توجه إلى قصر المنتزه مع الرئيس السابق مبارك وكان ضمن الوفد فؤاد سلطان وألمح العادلى إلى أن تلك الكبائن مميزة فتطوع سلطان وخصص له كابينة ب 2000 جنيه،وعندما تولى نظيف رئاسة الوزراء دار حوار مصادفة بينه والعادلى حول أماكن التنزه فنصحه العادلى بتلك الكبائن وبعد ايام صدر قرار من المغربى بتخصيص كابينة لرئيس الوزراء الأسبق بنفس السعر، كما خصص المغربى عندما كان وزيرا للسياحة كابينة اخرى لسليمان بالسعر نفسه. ويواجه الوزراء تهم العدوان على المال العام واهداره وتربيح الغير دون وجه حق وتسهيل الاستيلاء على المال العام، وكشفت التحقيقات برئاسة محمد مندور رئيس نيابة الأموال العامة بالإسكندرية أن منير فخرى عبد النور الذى تولى منصب وزير السياحة عقب ثورة 25 يناير وافق على استمرار انتفاع العادلى ونظيف بالكابينتين رغم وجودهما بالسجن. السلاملك الملكى ببلاش! ولم يقف الفساد فى المنتزه عند تخصيص الفيللات والكبائن بسعر زهيد بل أيضًا وصل إلى تأجير القصور الملكية وتحويلها إلى فنادق بأسعار لا يقال عنها إلا أنها هزلية، ومنها قضية فندق قصر السلاملك هو فى الأصل أحد القصرين اللذين بنيا بالمنتزه، فقد كشف تقرير الإدارة المركزية لخبراء الكسب غير المشروع والأموال العامة بوزارة العدل بناء على التحقيقات التى أجرتها فى القضية 151 لعام 2011 حصر تحقيق نيابة الأموال العامة عن أن أهم وأجمل الفنادق بالإسكندرية «فندق السلاملك» الذى كان قصرا ملكيًا ضمن نطاق منطقة قصر المنتزه ويقع فى أجمل بقاع العالم قد تم تأجيره من قبل شركة المنتزه للسياحة والاستثمار لرجل الأعمال محمود سليم عبد السلام محيى الدين رئيس مجلس إدارة إحدى شركات السياحة بمبلغ زهيد وهو 145 ألف جنيه فقط فى العام وذلك بداية من 1987 وحتى بداية 2012. أى حوالى 12 الف جنيه شهريا. التقرير كشف أن قيمة الإيجار لا تتناسب مع القيمة الحضارية للفندق ولا إحدى شركات السياحة عراقة المكان. والطريف أن رجل الأعمال امتنع عن سداد مستحقات القيمة الإيجارية قبل انتهاء العقد فى مارس 2012 ورفع قضية على شركة المنتزه للاستثمار والسياحة ووزارة السياحة فى طريقة للتلاعب لامتداد العقد وهو حتى الآن يستولى على الفندق ويزاول فيه نشاطه مما اعتبره تقرير خبراء الكسب غير المشروع إهدارًا للمال العام وتحايلا على القانون. والغريب فى الامر ان القصر بعد تحويله إلى فندق تم تقسيمه إلى ستة اجنحة فقط وكان سعر الجناح يمثل اعلى سعر لجناح فى فندق بالإسكندرية، وكان سعر إيجار الفندق شهريا يوازى سعر ايجار أحد الأجنحة الستة لمدة عشرة أيام فقط!! شركة عالمية لإدارة المنتزه ويقول د.عبد الرحمن يسرى أستاذ الاقتصاد الإسلامى بجامعة الإسكندرية إنه منذ ثورة يوليو 1925 والمنتزه وفيلاتها وشاليهاتها اصبحت حكرا على المحاسيب واهل السلطة والمقربين منهم، والأمور مازالت تدار كما كانت لأن الجهاز الإدارى للدولة لم يتغير ولا تغير فكره، والأمور تدار كما كانت تدار من قبل، فما يحدث هو وراثة للبلد دون وجه حق، ولابد أن يتغير هذا النظام بالكامل وتوضع منظومة متكاملة لإدارة المنطقة وتنميتها، ويضيف قائلا إن المنافسة الكاملة هى أفضل شىء، واقتصاديا تستلزم المنافسة الكاملة توفر المعلومات الكافية عن المكان وقيمته السياحية والتاريخية والأثرية والجمالية، ونشرها نشرا واضحا بمصر وخارج مصر ،ويجب أن تطرح إدارة المنتزه فى مناقصة عالمية تشارك فيها الشركات السياحية الكبرى المصرية والأجنبية، والحقيقة أنا أفضل طرحها للشركات الأجنبية ذات السمعة الجيدة والخبرة، لتتولى الشركة التى يقع عليها الاختيار تطوير وصيانة الفيللات والمنشآت التى تقادمت ثم إدارتها بالكامل لتضعها على الخريطة السياحية العالمية بحيث نعطى الشركة عقد امتياز لإدارة المنطقة لمدة عشر سنوات بنظام BOT بحيث تصلح الشركة وتطور المنطقة ثم تعيدها لمصر مرة أخرى، وضع رقابة واشراف مصرى على الشركة لضمان جديتها ولضمان ألا تعود المنطقة إلى مصر وهى فى حالة سيئة، ومن الممكن ان نضع شرطا فى المناقصة بأن يدخل شريك مصرى مع الشركة الأجنبية بنسبة 51 %، فلدينا شركات سياحية مصرية محترمة وناجحة أيضًا ولكن وجود الشركات الأجنبية يضمن الترويج للمنطقة على المستوى العالمى لتدر دخلا أكبر لمصر. ويضيف د.عبد الرحمن يسرى قائلا ومن الضرورى فى هذه الحالة ترك مساحات من الشواطئ للتأجير اليومى ليستفيد المواطن العادى منها حتى لا نحرمه من التمتع بتلك المنطقة . أما ما يحدث من تحقيقات النيابة حاليا فقد يأخذ القضاء قرارا قد يكون عادلا من وجهة النظر القانونية ولكنه قد يكون مخربا من وجهة النظر السياحية، لذلك لابد من نظرة اقتصادية ممن لديهم علم بالتنمية السياحية ليضعوا الرؤية المناسبة لمثل هذه الأمور. عودة الفساد! وعن إهدار المال العام المستمر فى المنتزه يقول م. ياسر سيف رئيس مجلس إدارة الجمعية الدولية للتنمية والبيئة والثقافة للأسف طالت يد الفساد حدائق المنتزه وما تحتويه من قصور وكبائن أضاعت على الدولة ملايين الجنيهات، حيث استولى على معظم الكبائن رموز الفساد من النظام القديم من الوزراء والمحافظين ومن رجال الأعمال فى كل منهم استولى على قطعة أرض وقام بتسويرها وحولها إلى ملكية خاصة له وحرم كافة الشعب من هذه الممتلكات القومية وأصبحت جميع الحدائق مستعمرات خاصة لهؤلاء الفاسدين – وحالياً نيابة الأموال العامة بالإسكندرية تجرى تحقيقات موسعة بشأن هذا الفساد وضد هؤلاء المنتفعين الذين حولوا الحدائق إلى بؤر فساد وتربح وفتحت كافة الملفات والعقود التى تم تحريرها مع الفنادق والكافتيريات والمطاعم وغيرها. تخصيصها ! والمدهش أن حدائق المنتزه تحولت إلى قطاع خاص وتم تخصيصها للمحاسيب والمسئولين بأسعار زهيدة وبعض رجال الأعمال استولى على معظم كبائن المنتزه وقاموا بتسويرها والتعدى على صخور البحر واقتطعوا أجزاء كبيرة من حرم البحر وأضافوها إلى الكبائن لتوسيعها وشوهوا جمال خليج المنتزه بالحوائط الأسمنتية الضخمة بدون أى موافقات والعديد منهم قام ببيعها عقب الثورة خشية من المساءلة – وخير مثال هى الكابينة الخاصة ب أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذى جار على الحدائق ووسعها لتكون ثلاثة أضعاف مساحتها وبنى ممر ( سقالة ) خاصة له فى البحر بدون أى موافقات أو ترخيص أو سداد رسوم من مبدأ سياسة الأمر الواقع. والمثير أن عقود الإيجار بين مستأجرى الكبائن وإدارة المنتزه بها مفاجآت مذهلة حيث إن قيمة العقود السنوية لا تتعدى من 2000 إلى 3000 جنيه وفى المقابل يتم تأجير الكابينة فى اليوم الواحد بما يزيد على 2000 جنيه لتحقيق أرباح بالملايين ويضيع على الدولة ملايين الجنيهات من هذا الفساد، وأيضًا بالنسبة للتايم شير فنجد مخالفات يندى لها الجبين. أما خليج المنتزه فقد أصبح بؤرة تلوث ببقع الزيت من اليخوت والمراكب التى يتم رسوها بالاتفاق مع أحد الأندية الرياضية الواقعة على الخليج ضارباً بقانون البيئة عرض الحائط . أما الجزيرة الملكية فحدث ولا حرج فقد تم تخصيص العديد من الفيلات الفاخرة لكبار المسئولين السابقين بأسعار زهيدة وأصبحت هذه الجزيرة حكرًا عليهم ومحرمة على باقى الشعب – والمثير للدهشة أن معظم هؤلاء المسئولين لا يقومون بإستغلال هذه الفيلات بل هى مغلقة لسنوات طويلة ولا يستطيع أى إنسان الإقتراب أو التصوير منها. إن حدائق المنتزه وما تحتويه من قصور وفيلات وكبائن وكافتيريات ومطاعم ثروة قومية ويمكنها أن تكون أحد روافد الدخل من خلال استغلالها كسياحة خارجية وداخلية وفتح الملفات الخاصة بالتجاوزات فى العقود والإيجارات والتخصيصات لتكون وبحق رئة للإسكندرية ومنتجا سياحيا رائعا لجذب السياحة العالمية.