يبدو أن مصداقية أنظمة العالم الغربى التى تدعى أنها راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان أصبحت على المحك، بعد أن تعرضت إلى انتقادات واسعة وشديدة من قبل العديد من الجمعيات الحقوقية والنشطاء الحقوقيين، بسبب ما تطلقه من إشادات تجاه الإصلاحات الشكلية للنظام الحاكم بميانمار، دون النظر لمأساة الأقلية المسلمة هناك والمعروفة ب «الروهينجا» وما تعانيه من كافة أشكال الاضطهاد والتعذيب والتنكيل من اعتقال وتشريد وقتل ومذابح جماعية على مدار أكثر من نصف قرن على يد جماعات متطرفة إرهابية تحت مسمع ومرأى من النظام الحاكم. أبرز الانتقادات خرجت من المنظمة الدولية لحقوق الانسان «هيومان رايتس ووتش» التابعة للأمم المتحدة، على لسان نائبها «فيل روبرتسون» الذى صرح قائلا: «لقد توقفت الإصلاحات فى ميانمار تماما، وإن كانت فى الأصل شكلية فى جوهرها ولكنها الآن غير موجودة ولن تعود مجددا فى ظل زيادة الصادرات والواردات والعلاقات التجارية المتنامية مع القوى الاقتصادية الكبرى، وما تطلقه الأخيرة من إشادات متتالية ومتسرعة تجاه النظام الحاكم هناك دون النظر لما يرتكب من انتهاكات وإبادات عرقية للأقليات». وقد أقرت المنظمة فى بيان رسمى لها بأن حكومة الرئيس «ثين سين» قد أجرت عدة إصلاحات تبدو فى ظاهرها مهمة ولكنها فى الحقيقة شكلية كالسماح للمعارضة «أون سان سو تشى» بخوض الانتخابات البرلمانية والتى حصلت من خلالها هى و 42 معارضا سياسيا آخرين على مقاعد داخل البرلمان، والإفراج عن 400 معتقل سياسى، بينما السجون ممتلئة بآلاف المعتقلين السياسيين، كما أدانت المنظمة وبشدة تجاهل حكومة ميانمار وجيشها للإبادات والمذابح الجماعية والتطهير العرقى تجاه الأقلية المسلمة من قبل الجماعات الإرهابية والدينية المتطرفة، معربة فى الوقت نفسه عن قلقها تجاه إشادة القوى الغربية بنظام الرئيس ثين سين والتى وصفتها بالمتسرعة وغير المسئولة. كما أدانت منظمات حقوقية سياسات القوى الغربية تجاه ميانمار معتبرين إياها العائق الرئيسى لإقامة إصلاحات حقيقية على أرض الواقع بسبب الإشادات المتكررة والمتتالية بحكومة الرئيس «ثين سين» والتى وصفتها بالمدنية الشكلية، كما اتهم الناشط الحقوقى الإيرلندى الجنسية «ديفيد لارسين» حكومات القوى الكبرى وعلى رأسها حكومات الاتحاد الأوروبى بالانتهازية والخداع قائلا: «إن الحكومات فى وقتنا الحاضر يهمها فى المقام الأول مصالحها السياسية والاقتصادية وإذا ما تعارضت مع حقوق الانسان فإن الأخيرة تتوارى». وعلى لسان مفوض التنمية «أندريه بيبالجس»، كان الاتحاد الأوروبى قد أشاد بالإصلاحات التى شهدتها ميانمار على يد الرئيس «ثين سين» وحكومته فى كافة المجالات، وعلى رأسها ما وصفه بالعمل السياسى وحرية التعبير عن الرأى، كما قدم مسئولو الاتحاد الأوروبى لحكومة ميانمار مساعدات تتراوح بين 100 إلى 150 مليون يورو مع تعليق لكافة العقوبات المفروضة على ميانمار فى الماضى اعترافا منهم بالتحول الديمقراطى والإصلاحات المتعددة التى شهدتها البلاد على يد أول حكومة مدنية جاءت عقب نصف قرن من الحكم العسكرى المطلق المستبد على حد تعبيرهم، ومكتفين فى الوقت نفسه بدعوة الجماعات الإرهابية والدينية المتطرفة إلى ضبط النفس تجاه الأقلية المسلمة. ويتمركز مسلمو الروهينجا فى شمال إقليم «راخين» غرب البلاد، وهم أقلية لا تعترف بهم حكومة ميانمار وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين ليس لهم أية حقوق، فى الوقت الذى تصفهم الأممالمتحدة بأكثر أقليات العالم تعرضا للاضطهاد، ويتعرض مسلمو الروهينجا منذ أكثر من 70 عاما للعديد من المذابح وعمليات التطهير العرقى والإبادة الجماعية على يد الجماعات الإرهابية والدينية المتطرفة وأشهرها جماعة «الماغ» والتى راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين، ففى عام 1942 تعرض المسلمون لمذبحة وحشية هى الأكبر من قبل البوذيين «الماغ» راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وبتكرار تلك المذابح والهجمات الشرسة شرد وهرب مئات الآلاف من مسلمى الروهينجا خارج ميانمار، مما رجح كفة البوذيين الماغ وأصبحوا أغلبية.