كشفت كوارث القطارات التى وقعت مؤخراً فى أسيوط والبدرشين وأرض اللواء بالجيزة أن هيئة سكك حديد مصر أصبحت مثل مبنى قديم متآكل وآيل للسقوط فى أى لحظة! وبعد عقود من الإهمال الجسيم الذى عانته السكك الحديد وقطاراتها التى يستخدمها ملايين المصريين يومياً أصبح لزاماً على الدولة أن تتحرك قبل فوات الأوان، وقبل أن تنهار ثانى أقدم سكك حديد فى العالم بعد بريطانيا. ولكن.. ماهى أوجه الخلل فى هيئة السكك الحديد؟ وكيف يمكن علاج هذه المشكلات المستعصية لضمان خدمة آمنة وآدمية لكل مصرى يركب القطار من أول الدرجة الأولى مكيفة وحتى الدرجة الثالثة العادية؟ الإجابة فى سياق التحقيق التالى.. يقول الدكتور حافظ فهمى أستاذ هندسة السكة الحديد بجامعة الإسكندرية إن وقف حوادث القطارات يتطلب إعادة هيكلة منظومة السكة الحديد ووجود إدارة مستقلة لمتابعة القطارات. فى ظل معاناة السكة الحديد من مشاكل متراكمة على مدى سنوات طويلة أصبح من الضرورى إيجاد حلول جذرية لوقف النزيف البشرى والخسائر المادية المتلاحقة فضلاً عن العجز فى قطع الغيار وتهالك عربات القطارات وعدم صلاحيتها للاستخدام الادمى وعدم توفير وتطبيق معايير الأمن والسلامة وعدم وجود مراكز تدريب للسائقين والمهندسين بعد إغلاق معهد وردان،بالإضافة إلى المزلقانات العشوائية وعدم وعى الركاب لدرجة أن بعضهم يوقف جزرة الفرامل أمام مسكنه حتى لا يتعب فى السير من محطة القطار الرسمية إلى منزله. خلل مستمر ويشيرإلى أن تكرار حوادث القطارات يرجع إلى وجود خلل متشعب ومتعدد فى هيئة السكة الحديد. فمن المؤكد أن هناك خللاً فى القطارات وفى عمليات الصيانة فى ورش السكه الحديد وأنه لا يتعدى عمل صيانة دورية لها أثناء تخزينها. كذلك يوجد خلل فى شبكة الاتصالات والسيمافورات فى نقاط التحكم الرئيسية التى تعتمد على العنصر البشرى فى المحطات حيث إن نظام التشغيل الميكانيكى المعمول به فى السكة الحديد يحتاج إلى عمالة ماهرة وتدريب مستمر . الدرجة الثالثة وتعد عربات الدرجة الثالثة نموذجاً صارخاً للإهمال واللاآدمية ومعظمها انتهى عمرها الافتراضى وقد حدث سابقاً أن سقطت راكبة تحت عجلات القطارات أثناء وجودها فى دورة المياه. وكذلك عدم وجود إضاءة فى العربات لدرجة أن كمسارية الدرجة الثالثة يحملون كشافات أثناء الاطلاع على التذاكر، وهو ما يزيد من معاناة المواطنين البسطاء ومحدودى الدخل أثناء ركوبهم قطارات غيرآدمية بالمرة. التصنيع المحلى للقطارات رغم أن سعى الدولة إلى تشجيع الصناعة الوطنية يعد شيئاً إيجابياً ولكن إذا كان التصنيع المحلى رديئاً ولا يتمتع بالجودة والكفاءة والعمر الافتراضى. فهنا تقع الكارثة، وفيما يتعلق بالقطارات نجد أن وزير النقل يصدر أوامره لرئيس هيئة السكك الحديد بشراء الأستوكات من عربات القطارات من الشركة الوطنية، وبالتالى يكون مجبراً على الشراء منها مع فارق الجودة والمواصفات والخبرة وبالتالى يكون عمرها الافتراضى قصيرًا ونوعية الخدمة غير مناسبة ولا يتساوى مع المواصفات العالمية. ولابد من تحرير هيئة السكك الحديد من هذه القيود وعدم إجبارها على شراء قطارات محلية متواضعة المستوى. والدليل على جودة الصناعات العالمية فى القطارات أن القطار التوربينى يعمل فى مصر منذ أكثر من ثلاثين عاماً وبنفس الكفاءة واالمواصفات العالمية ولازال هناك قطار واحد يعمل فقط. بعد انتهاء العمر الافتراضى للقطارات الأخرى. وهو مايفرض على شركات التصنيع المحلى أن تطور من نفسها وتوفر الإمكانيات الفنية والمالية اللازمة لتصل إلى مستوى المواصفات العالمية. وتعانى هيئة السكك الحديد من حالة تناقض صارخ وشيزوفرنيا غريبة فالقانون رقم 152لسنة1980 الخاص بإنشاء الهيئة ينص على أنها هيئة اقتصادية تحقق الربح وتوفر عوائدتدخل خزانة الدولة ولكن الواقع يعصف بذلك القانون وتحولها الدولة بالإكراه إلى هيئة خدمية. وبذلك خرجت الهيئة عن قانون انشائها. لأن الدور الخدمى يراعى البعد الأجتماعى بينما الدورالاقتصادى يهدف إلى تحقيق الربح أو على الأقل تعادل المصروفات والإيرادات كما تفرض الدولة على الهيئة قيوداً بمنع رفع تعريفة الركوب حتى أن أسعار تذاكر القطارات لم تتحرك منذ عام2005. فوضى الصيانة وقد أعدت هيئة سكك حديد مصر هيكلاً جديداً للسكة الحديد منذ حوالى عام وتضمن الهيكل الجديد نائباً لرئيس الهيئة لأعمال الصيانة. وتم إرسال الهيكل لهيئة التنظيم والإدارة منذ أكثر من 6 شهور ولكنها لم تعتمده حت الآن فى الوقت الذى تعد الصيانة ضرورة حيوية لتأمين القطارات والركاب لأن هناك ورش صيانة تابعة لقطاع المسافات الطويلة وأخرى لقطاع المسافات القصيرة. وكل ورشة خاصة بصيانة قطارات معينة مما يخلق نوعاً من الفوضى وعدم انتظام العمل. وعلى سبيل المثال فإن ورش صيانة المسافات الطويلة توجد فى أسوان وورش المسافات القصيرة توجد فى الأقصر. وإذا حدث وان تعطل قطار بين القاهرةوأسوان فى الأقصر فإن صيانته تكون فى أسوان لعدم الاختصاص فى توزيع الصيانة، وهناك قطاع ثالث للصيانة يتمثل فى صيانة عربات القطارات وهذ يعنى ان الصيانة فى السكة الحديد موزعة على قطاعات ثلاثة لكل قطاع منها رئيس مختلف، وبالتالى لا يوجد بينها تنسيق ويتم تلافى ذلك بعد إنشاء وظيفة نائب متخصص للصيانة يوحد عمليات الصيانة فى الهيئة ككل. الأمن المفقود أما معايير الأمن والسلامة فى هيئة السكك الحديد فتكاد تكون معدومة، تحكم فى منظومة التشغيل أو صيانة لوحدات السير وكذلك عدم تجديد الفلنكات الأسمنتية والخشبية التى توضع عليها القضبان بدليل خروج العجلات عن القضبان.كما أن عنصر النظافة مفقود أيضاً فى العربات وذلك نجد بعض الفئران فى عربات الدرجة الأولى والمباشرة بدعوى أن مخزن القطارات فى القاهرة فى منطقة أبوغاطس فى غمرة التى تكثر بها أكوام القمامة وتتسلل الفئران منها إلى القطارات ولا توجد رقابة على منظومة العمل فى السكك الحديد سواء من ناحية النظافة أو التشغيل وتحديد المسئول عن خروج عربة متهالكة من الورش. العنصر البشرى ويعتمد التشغيل فى السكة الحديد على العنصر البشرى باعتبار التشغيل الميكانيكى هو السائد بينما السكة الحديد فى أوروبا يقل تدخل العنصر البشرى مثل ما يحدث فى مترو الأنفاق فى مصر ويتم الإعتماد على الكمبيوتر والتحكم الأوتوماتيكى وبالتالى فإنه لا توجد حوادث فى المترو والحمد لله. كما أن معدلات الصيانة عالية وكذلك العمالة المدربة وهذا ما نفتقده فى السكة الحديد حيث لا تدريب ولا صيانة ولا رقابة ولا عقاب للمخالفين والمهملين..وتتطلب إعادة هيكلة السكة الحديد وضع رؤية متكاملة لحل المشاكل المزمنة على أن تكون البداية بفحص كل وحدات المنظومة لكشف أوجه القصور والعجز وتلافيها فوراً مع إجراء الصيانه الشاملة لجميع العربات والورش وتوفير قطع الغيار اللازمة مع إعادة التدريب وعودة العمل فى معهد وردان من جديد بعد توقف ثلاث سنوات.