طرحت العمليات العسكرية التى تقوم بها فرنسا حاليا فى دولة مالى، تساؤلا مهما حول ما إذا كانت هذه العمليات ستتوقف عند حد التدخل العسكرى أم أنها ستكون بداية لاحتلال فرنسى جديد لمالى أو لمنطقة الساحل الإفريقى بكاملها؟ وربما يكون هذا السؤال هو الأهم على الساحة الدولية حاليا، خاصة بعد مرور نحو أسبوع على بدء التدخل العسكرى الفرنسى فى مالى لمساعدة قوات الأخيرة على مواجهة تقدم المسلحين الإسلاميين نحو الجنوب. ورغم أن الرئيس الفرنسى «أولاند» أعلن أن فرنسا تدخلت استجابة لطلب الرئيس المالى «ديوكوندا تراورى» ووفق مقررات مجلس الأمن، وبالتنسيق مع شركائها الأفارقة الساعين لتخليص مالى من خطر الجماعات الإرهابية، إلا أن مراقبين سياسيين يرون أن هناك علامات استفهام كثيرة وأبعادًا أكثر يطرحها التدخل العسكرى الفرنسى فى مالى، خاصة بعد زحف مقاتلى حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا المرتبطة بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، وحركة أنصار الدين جنوبا نحو العاصمة باماكو، بما يحمله ذلك من انعكاسات خطيرة فى عدة اتجاهات، أبرزها المصالح الفرنسية والغربية فى هذا البلد الإفريقى الغنى بالثروات المعدنية، كما يرتبط هذا التدخل بالدول الأخرى التى ترتبط بحدود مع مالى، خاصة الجزائر وموريتانيا، وما قد يؤدى إليه تصاعد الاشتباكات من انعكاسات سياسية وأمنية وإنسانية على هذه الدول، لعل أبرزها تدفق آلاف اللاجئين إليها هربا من القتل والقصف. وقد قوبلت العملية العسكرية الفرنسية فى مالى بتغطية واسعة من الصحف العالمية التى تناولتها بالرصد والتحليل، وأيدت الصحف الفرنسية والمالية وبعض الصحف الأفريقية تلك العمليات، ففى افتتاحية صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية اعتبر الكاتب « فينسان جيريه» أن الانخراط الراهن فى حرب مالى يمثل منعطفا حاسما فى تاريخ رئاسة أولاند، وذلك لأنه باتخاذه قرار المضى قدما فى عملية التدخل فى مالى يكون قد حسم التزام بلاده تجاه شركائها الأفارقة، لأنه لا يمكن السماح بتدمير الدولة المالية، أو إقامة كيان أصولى متطرف يهدد المجتمع وسط القارة السمراء، وفى نفس الإطار قالت صحيفة « 22 سبتمبر» المالية إن الرئيس الفرنسى تصرف كرجل إطفاء حقيقى، لإخماد نيران حريق أشعله سلفه فى الإليزيه نيكولا ساركوزى بسوء إدارته للملف الليبى ورغبته فى إضعاف استقرار مالى عبر الحركة الوطنية لتحرير أزواد. على الجانب الآخر، ربطت بعض الصحف بين التدخل العسكرى فى مالى ومرحلة الاستعمار الفرنسى للقارة السوداء، إذ أشارت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إلى أن قرار التدخل فى مالى يعكس تحولاً فى السياسة الفرنسية، فباريس قالت فى وقت سابق إنها لن تتدخل، وإن كانت مستعدة للمساعدة فى تنسيق تدخل متعدد الأطراف فى البلاد، وتضيف الصحيفة أنه برغم حصول التدخل بطلب من الرئيس المالى تراورى، إلا أن وجود قوات فرنسية على أرض كانت مستعمرة للفرنسيين حتى 1960، تجعل الأمور بالتأكيد أكثر تعقيداً، وهذه هى المرة الثانية التى تتدخل فيها فرنسا فى بلد أفريقى فرانكوفونى خلال السنوات الماضية، وذلك بعد مساعدتها فى اعتقال الرئيس الإيفوارى «لوران جباجبو» عام 2011. وترى الصحيفة الأمريكية أنه إذا كان الرئيس الفرنسى أولاند بطل الحرب المالية الآن، فهذا يعنى أن مبدأ التدخل العسكرى الجديد الذى أرساه الرئيس السابق ساركوزى خلال أشهره الأخيرة (التدخل فى ليبيا على سبيل المثال) لم يكن مجرّد أداة انتخابية. من جانبها قالت مجلة « تايم» الأمريكية إن لفرنسا دافعين كى تكون معنية بما يحصل فى مالى، أولهما التاريخ، فلا شك هناك رواسب استعمارية، وهى معنية أكثر من غيرها فى التدخل بشئون الدول الفرنكوفونية. وثانياً: الخوف المهيمن على باريس من إمكانية تهديد إسلاميى مالى لفرنسا، لا سيما أن أغلبية الإسلاميين هناك يتحدثون باللغة الفرنسية ولديهم صلات وأقارب على الأراضى الفرنسية. كما أن تنظيم «القاعدة» فى المغرب العربى كان قد ذكر فرنسا، ممثلة القوى الكبرى فى المنطقة، كهدف أول لعملياته.