لأكثر من عام والعالم كله يقرأ القصص ويشاهد الفيديوهات لمناطق الصراع بين القوات الحكومية السورية من جانب، وقوات المعارضة المسلحة من جانب آخر.. والمجتمع الدولى والأمم المتحدة يحاولون قدر المستطاع وقف نزيف الدم، لكن هذا الهدف لم يتحقق بعد. ويلزم التأكيد هنا على أن حركات الاحتجاج المعادية للحكومة السورية بدأت فى إطار ما يسمى ب «الربيع العربى» فى الوقت الذى تبدلت فيه الأنظمة الحاكمة فى مصر وليبيا وتونس، كما يلزم التنويه إلى أن القوة فى ليبيا تبدلت بدعم من قوات الناتو، وأن الإعلام الغربى لم يخف حقيقة أن المبادرين بهذه الأحداث هم دوائر معينة فى الولاياتالمتحدة مع حلفائهم فى أوروبا لتحقيق مصلحتهم فى النهاية. ولذلك نجد أن الولاياتالمتحدة وبعض الدول الغربية تدعم المعارضة السورية بشدة. وعلى سبيل المثال فإن فرنسا وإيطاليا اعترفتا بقادة المعارضة بوصفهم الممثلين الوحيدين لسوريا الدولة، وذلك على الرغم من حقيقة أن الحكومة التى شكلتها المعارضة فى الخارج تم تغييرها مرتين. وهذه الحكومة يتم دعمها ليس فقط على الصعيد الدبلوماسى، ولكن أيضًا هناك بعض الدول الخليجية تدعمها مالياً، وتدفع ليس فقط لإمداد الميليشيات المسلحة فى سوريا بالسلاح والذخيرة، ولكن أيضًا للمرتزقة الذين يتوافدون على سوريا من البلدان الإسلامية ومن المنظمات الإرهابية العالمية. وتركيا أيضًا تدعم المجموعات المسلحة فى سوريا بشدة فمن خلال أراضيها تحصل هذه المجموعات على السلاح والذخيرة. كما أن تركيا لم تنشئ معسكرات للاجئين السوريين فقط، ولكنها أدارت مراكز استجمام وراحة للمعارضين السوريين وفتحت مستشفياتها العسكرية لعلاج جرحاهم. وفى نوفمبر الماضى، طلبت الحكومة التركية من ألمانيا تزويدها بمنظومة صواريخ باتريوت لنشرها على الحدود التركية - السورية بزعم أنها فقط لحماية تركيا. وهو ما دفع وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» إلى القول بأن نشر منظومة الباتروت فى تركيا سوف يزيد من مخاطر الصدام المسلح. فكلما تراكم السلاح زادت مخاطر استخدامه بغض النظر عن أية إثارة يمكن أن تتسبب فى ذلك. كما قال نائبه «سيرجى ريابكوف» بأن عسكرة الحدود السورية - التركية ستؤدى بالضرورة إلى تصعيد فى حدة التوتر. وأضاف الدبلوماسى الروسى أن السبب الرئيسى لجعل الحدود التركية - السورية أكثر تقلبا هو غياب ما أسماه بالإدارة السياسية لدى عدد من الدول لا لإظهار العضلات العسكرسة، ولكن لإعطاء اهتمام أكبر بالعملية السياسية. وإذا نظرنا إلى الداخل التركى فسوف نجد أن الحكومة فى جانب والشعب فى جانب آخر فيما يتعلق بقضية النزاع الحدودى. فقد ذكرت جريدة «حريات» التركية أنه وفقا لاستطلاعات الرأى فإن 60% من الأتراك يعارضون الصراع المسلح وتصعيد حدة التوتر على الحدود مع سوريا، وثمة صحيفة أخرى هى «الديلى نيوز» قالت إن سياسة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان المعادية لسوريا تؤدى إلى عزل الحكومة عن الشعب، حيث تعتبر عدة دوائر سياسية وإعلامية داخل تركيا وفى المنطقة أن تركيا هى المحرض على النزاع العسكرى المحتمل مع سوريا، ووفقًا لمحللين سياسيين فإن تركيا تلعب بالنار عندما تقوم بأعمال إثارة مثل سماحها بدخول ما يقرب من مائة عنصر من أصحاب الخبرة القتالية التابعين للقاعدة، ثم إرسالها لاحقًا إلى الأراضى السورية، بالإضافة إلى تدريب الميليشيات العسكرية السورية المعارضة داخل معسكرات فى تركيا. كما نجد أن أحزاب المعارضة التركية بما فى ذلك حزب الشعب الجمهورى لا توافق على تفويض البرلمان للقيام بعمليات عابرة للحدود مع سوريا، وتعتبر مثل هذه العمليات استسلامًا للقوى الاستعمارية التى تسعى لإسقاط النظام الحاكم فى سوريا. وفى العاشر من ديسمبر الماضى، قامت الولاياتالمتحدة بوضع إحدى المنظمات المعارضة العاملة فى سوريا على لائحة الإرهاب، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن منظمة «جبهة النُصرة» التابعة لتنظيم القاعدة فى العراق والتى تقوم بعملياتها فى سوريا هى المسئولة عن التفجيرات الانتحارية التى تتخذ من المقار الحكومية السورية هدفًا لها. وكان قد أعلن فى السابق أن «جبهة النُصرة» تقوم بعمليات فى حلب بالتعاون مع منظمة «الفجر الإسلامية» و«كتائب أحرار الشام» و«لواء التوحيد» و«لواء الفتح» وهذه العمليات تتعارض مع ما يقوم به الجيش السورى الحر. وبطبيعة الحال، فإن «جبهة النُصرة» ليست هى التنظيم الجهادى الوحيد الذى يعتنق أفكارًا متشددة فى سوريا، ولكنها واحدة من عشرات الكتائب، وقد أعلنت بعض هذه الكتائب مؤخرًا عن سعيها لإقامة دولة إسلامية بعد سقوط نظام الأسد، وهو ما أصاب ساحة المعارضة السياسية السورية بالارتباك. وعلى أية حال، فإن هذه الخطوة جاءت لتلقى الضوء من جديد على التنظيمات المسلحة العاملة داخل سوريا بدعم من تركيا والغرب ولتفتح باب التساؤلات الصعبة حول واقع وحجم وأهداف هذه التنظيمات.