رغم أن الحوار الوطنى الذى تجرى وقائعه حاليا بمقر رئاسة الجمهورية والذى يديره باقتدار وحكمة المستشار محمود مكى يعكس رغبة حقيقية فى إشاعة أجواء من التفاؤل نحن أحوج ما نكون إليها هذه الأيام التى تشهد انقساما خطيرا بين القوى السياسية.. ذلك الانقسام الذى لا يهدد استقرار الوطن فحسب. وإنما يوقع ثورتنا المصرية العظيمة فى مأزق يهدد مستقبلها ويطفئ لدينا جميعا ما نلتمسه من آمال عريضة فى تحقيق أهداف هذه الثورة وأبرزها اكتمال الخلاص مما كنا نعانى منه عبر ثلاثين عاما من القمع والاستبداد. ورغم أنه قد انبثقت عن هذا الحوار بوادر تفاهم يمكن أن يكون عاملاً بنّاء فى استعادة ما نأمله من استقرار للشارع السياسى المصرى بعدما أصابه من احتقان واستقطاب خلال الشهور الماضية واشتعال للموقف السياسى بين المؤسسة الحاكمة بشقيها المتمثل فى رئاسة الجمهورية والحكومة كطرف أول والمعارضة على اختلاف طوائفها وأطيافها كطرف ثان فإنه يمكن لهذا الحوار أن يؤتى ثماره المرجوة إذا ما وجد تجاوبا بنّاء من القوى السياسية المعارضة التى اتخذ بعضها موقفا رافضا للمشاركة فى هذا الحوار دون أن يكون هناك مبرر لهذا الرفض سوى محاولة هذه القوى الرافضة تعويق الآثار الإيجابية التى يمكن أن يحدثها هذا الحوار.. ظنا خاطئا منهم بأن نجاح مثل هذا الحوار سوف يحسب لمؤسسة الرئاسة باعتبارها راعية له. ونسى هؤلاء أن النجاح المنتظر سوف تتقاسمه كل هذه القوى مع المؤسسة الراعية له فضلاً عن أنه يصب فى النهاية لمصلحة مصر وثورتها وكذلك ترسيخ ما نصبوا إليه من أمن واستقرار للمجتمع المصرى الذى عانى ومازال يعانى من جراء هذا الانقسام المفتعل والذى يدفع ضريبته كل طوائف وأطياف الشعب المصرى بلا استثناء.. qqq وأغلب الظن أن هذا العزوف عن المشاركة فى الحوار له هدف واضح لاستمرارية معاناة الشعب المصرى حتى يضيق ذرعا وصدرا بالثورة ويظل فى حالة «الغليان» الراهنة والتى تترجمها جبهة الرفض الشهيرة بجبهة الإنقاذ الوطنى بأنها حالة عدم قناعة بالأداء السياسى لكل من رئاسة الجمهورية والحكومة معاً.. والحقيقة التى يجب أن تعلمها هذه الجبهة التى ليس لها من اسمها نصيب أن حالة الرفض لن تشمل المؤسسات الحاكمة فقط. وإنما سوف ينتقل هذا الرفض لأدائهم السياسى والذى يفتقد الرشد وإعلاء مصلحة الدولة على أى مكاسب سياسية واهية حيث إن جميع القوى السياسية كما يقول المثل الشائع فى سفينة واحدة إذا ما غرقت - لا قدر الله - فسوف يكون الجميع وبلا استثناء غرقى بذات المصير ومن قبلهم مصر التى سوف يذكر تاريخها فى هذه الحقبة فشل الجميع فى تحقيق سلامتها المفقودة بما ينفى نفيا قاطعا أن هؤلاء بالفعل جبهة للإنقاذ حيث تؤكد الوقائع أنهم جبهة للقضاء على ما تبقى لنا من قيم وروح جديدة بثتها فينا ثورة يناير والتى لم يكونوا أهلا لها حيث لم يرتفعوا إلى ما يكمن فيها من عظمة وروعة مفضلين فى أنانية بغيضة مصالحهم الحزبية والتى لن تجدى له نفعا حين يهدم المعبد فوق رؤوسهم وحينذاك لن ينفعهم الندم والبكاء على اللبن المسكوب الذى لطّخوه بأوحالهم وغبائهم السياسى.. qqq وقد يقول قائل إن الأخطاء فى العمل السياسى يتبادلها كل الأطراف حكاما ومحكومين.. معارضة وموالاة وقد يكون ذلك صحيحا ويؤكده الواقع السياسى المزدحم بكل أشكال التخبط والاختلال والذى كان من أبرز نتائجه ما نراه من محبطات على المسرح السياسى فى الآونة الأخيرة ولكن رغم ذلك كله فإن الحوار الوطنى يصبح الحل الأوحد كسبيل لما نأمله من استقرار. وقد يبدو ذلك جليا من «أجندة» الموضوعات المطروحة على طاولة هذا الحوار ونضرب مثلاً بآخر الجلسات التى تناولت فى حلقاتها النقاشية حول القانون المزمع إقراره للانتخابات البرلمانية القادمة لمجلس النواب وحتى لا نفاجأ بحكم للمحكمة الدستورية العليا بعوار هذا القانون إذا لم يأخذ حقه الواجب فى التوافق على إقراره وحتى لا نعود إلى المربع رقم واحد كما حدث فى القانون التى أجريت بمقتضاه انتخابات مجلس الشعب المنحل وما تكبدناه جراء ذلك من إنفاقات مالية نحن فى غنى عنها خلال هذه الظروف الاقتصادية الراهنة. فضلا عن تعطيل مهام التشريع لهذا المجلس التى استوجبت صدور قرارات جمهورية بقوانين كانت محل جدل أثار زوابع سياسية كادت تهدد أمن المجتمع واستقراره. qqq ورغم الإنجازات الإيجابية لهذا الحوار الوطنى منذ أول اجتماع له فإن الصورة الكاملة والمرجوة لما يجب أن تكون عليه هذه الإنجازات قد يشوبها عزوف بعض القوى السياسية عن المشاركة فى الحوار بدافع من الأنانية السياسية التى تتسم بالغباء خاصة أن المستشار محمود مكى قد قدم استقالته كنائب لرئيس الجمهورية وفق ما يقره الدستور الجديد وهذا يؤكد حياديته المطلقة كقاض اشتهر عنه مصداقيته القانونية كرائد من رواد استقلال القضاء فضلا عن أنه لا يشكك أحد فى انتمائه المؤكد لمصر ومصر فقط بعيدا عن أى مواقف سياسية حيال اتجاه معين أو تيار محدد سوى رغبته الصادقة للعمل بإخلاص لصالح الوطن والمواطن معاً وذلك من خلال ما يسفر عنه هذا الحوار من صيغ توافقية تقى البلاد مما يكتنفها حاليا من انقسام واستقطاب لسائر القوى السياسية على اختلاف مشاربها العقائدية والنتيجة واضحة للعيان.. حيث أصيب الاقتصاد المصرى بضائقة تكاد تعصف باستقراره المنشود.. ناهيك عن تعطل كل سبل التنمية فى مثل هذه الظروف الدقيقة التى تمر بها مصر منذ قيام ثورة يناير قبل عامين كاملين.. qqq إن الحوار الوطنى يعتبر بحق فرصة ذهبية لاستدراك ما حدث فى الفترة الأخيرة من سقطات سياسية يدفع المجتمع المصرى ضريبتها الباهظة من قوت أبنائه فضلا عن أنه كان كاشفا بما لا يدع مجالا للشك افتقاد بعض القوى السياسية للوازع القومى المفترض فيها حيث بدا للجميع أن هذه القوى تعمل لصالحها الذاتى فقط بعيدا عن المصلحة العليا للوطن وأعتقد أن الشعب المصرى بذكائه المعهود سوف يضعهم فى قادم الأيام فى مكانهم الصحيح لما بدا عليهم من أنانية مقيتة وانتهازية مرفوضة.