رغم أننا سنحتفل فى الأسابيع القادمة بمرور عامين على قيام ثورة 25 يناير المجيدة.والتى كان من أهم أسبابها التصدى للفاسدين من رموز النظام السابق الذين استحلوا ثروات هذا الشعب المسكين.. واستولوا على أراضيه.. وجمعوا المال الحرام من العمولات والسمسرة والمضاربات وغسل الأموال والسمسرة واحتكار السلع وقوت الشعب.. وهربوا الأموال إلى بنوك سويسرا وإسبانيا وانجلترا وفرنسا.. فإننا لم نستطع حتى الآن استرداد هذه المليارات المهربة بسبب سرية الحسابات والإجراءات والألاعيب الشيطانية التى اتبعها رموز النظام السابق بزعامة الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى إخفاء هذه الأموال! وأعتقد أننا يجب أن نتعلم الدرس ونعيه جيدًا فى مكافحة الفساد والتصدى له بكل الطرق والوسائل بعدأن أصبح الفساد يحكم على الأقل نصف الكرة الأرضية.. وأن 73 دولة من بين 163 دولة صنفت بأنها دول فاسدة طبقًا لإحصائية منظمة الشفافية الدولية! وأظن أن من أهم الكتب وأخطرها الذى صدر فى نهاية العام الماضى ليفضح هذا الفساد العالمى ويكشفه هو كتاب «الفساد العالمى قوة المال والسلطة والأخلاق فى العالم الحديث» الذى ألفه الكاتب البريطانى «لورانس كروكروفت» وهذا الرجل الذى أخذ على عاتقه التصدى للفساد العالمى وفضحه كان يعمل أستاذًا لاقتصاد التنمية البريطانية.. وأحد مؤسسى منظمة الشفافية العالمية التى بدأت عملها فى أوائل التسعينات ورصدت الفساد الحكومى، وفضحت رؤساء الدول والحكومات ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الكبرى. وقال لورانس: إن هذا الفساد فى الدول أدى إلى التأثير على اقتصادها وأفقر شعوبها خاصة النامى منها.. وأن نظرية «العمولة» لعبت دوراً كبيراً ومهمًا فى تهيئة المناخ لانتشار الفساد.. وفى ظل هذه النظرية أصبح للفاسدين كل الحرية فى إنشاء الشركات المالية غير الخاضعة للرقابة أو المحاسبة أو الضرائب أو الجمارك. وأحسب أن هذا الكلام ينطبق تمامًا على ما فعله علاء وجمال مبارك وعصابتهما الذين استغلوا هذا المناخ الفاسد فى مصر فى الاستيلاء على أموال هذا الشعب الغلبان وفتح شركات وهمية فى جزر وبلاد لا ندرى عنها شيئًا لتهريب الأموال إليها وتحت أسماء غير معروفة لنا. وكأن لورانس كروكرفت كان يعيش بيننا عندما يقول فى كتابه إن الفساد أصبح وباًء عالميًا.. وإننا يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية للاعتراف بأننا قد تورطنا فيه بشكل أو بآخر وبأن واجب كل فرد منا مكافحته والتصدى له! ويضرب المؤلف المثل بالهند التى تعتبر من أكثر الدول فى العالم فى الفساد الحكومى. وأنها تحاول الخروج من مطاف الدول الفاسدة.وأنها قامت بإنشاء موقع رسمى باسم «دفعت رشوة» يقوم فيه المواطن بتوثيق الحالات التى دفع فيها رشوة لأى موظف فى الحكومة لقضاء مصلحته أو لأى مسئول كبير فى الدولة! واستطاع هذا الموقع أن يكشف العديد من المسئولين الكبار المرتشين والقبض عليهم والزج بهم فى السجون الهندية. ويلقى كروكرفت الضوء على منظومة الفساد العالمى الذى يتم من خلاله الاقتصاد الرسمى وتمويل الانتخابات ودور الشركات متعددة الجنسيات التى يكون لها دور كبير فى رفع الأسعار فى الدول، وكذلك الجريمة المنظمة. وهذه المحاور تشترك فيها جميع الدول المصنفة بالفاسدة وتزيد فيها عمليات الكسب غير المشروع وتقوم فيها استثمارات وأنشطة غير رسمية ولا تستفيد منها الدول ولا تخضع للضرائب وأن هذا الكسب يذهب لجيوب الفاسدين فقط! ورغم أن المؤلف يضرب المثل بنيجيريا والكونغو أنه تجرى فيهما تجارة غير قانونية فى مشتقات البترول التى تهرب إلى الأسواق الأوروبية وتخسر الدولتان حوالى 1.5مليار جنيه استرلينى سنويًا فى حين أنها تدخل هذه الأموال إلى الأسواق الأوروبية لتصب فى الاقتصاد الرسمى.. إلا فأننى أقدم له النموذج المصرى لبعض المستوردين والمؤسسات الكبيرة التى تضارب فى أسعار القمح والسكر والزيوت والمحتكرين أمثال أحمد عز الذى تحكم فى أسعار الحديد لسنوات طويلة. وفى نفس الوقت كان يتهرب من دفع رخص المصانع التى كان يقيمها على أراضى الدولة! qqq إن كتاب «الفساد العالمى» جدير بأن يقرأه كل مسئول فى الحكومة ليعلم أن الفساد العالمى لا يصب إلا فى جيوب النخبة الجشعة وفى الشركات المتعددة الجنسيات من أجل ما يعرف ب «اقتصاد الظل» وأن مصر كانت من إحدى هذه الدول. إننى أرفع القبعة لهذا المؤلف. ونقدم له عظيم التقدير والاحترام على فضحه لهذا الفساد العالمى الذى اشترك فيه رموز بلدنا للأسف الشديد وأتمنى ألا يتكرر!