«سلام عليكم أيها الشباب اليهودى الذى يدرك قيمة الحرية والتعبير والعدالة الاجتماعية نحن أيضًا نقدر قيمة هذه القيم السامية، إننا الشباب الذى انتفض وقام بالثورة المصرية إننا نحدثكم الآن ونعى جيدًا أن رسالتنا سوف تصل إليكم أسرع من غيركم من سائر الإسرائيليين» ماسبق هو جزء من التعليق الصوتى المصاحب للفيلم التسجيلى الذى يحمل اسم «رسالة من الشباب المصرى إلى الشباب الإسرائيلى» ماهى حكاية هذا الفيلم؟ قبل أن نورد الإجابة عن هذا السؤال ينبغى أن نعرف أولا موضوع الفيلم ورسالته والأسباب التى دعت شابين مصريين لصناعته وتوجيهه لنظيره من الإسرائيليين. وكلها (الموضوع والرسالة والأسباب) حملها التعليق الصوتى الموجه للمرسل إليه “الشباب الإسرائيلى” ويقول الفيلم لهم: لأنكم خرجتم فى مظاهرات مدوية وسلمية فى آن واحد ضد حكومتكم وما كان من النظام الإسرائيلى الا أن أوسعكم ضربا ومارس ضدكم وحشية مفرطة . إننا ندرك أن هذه الرسالة ستكون مؤلمة للغاية ، ولكنها تحمل قدرًا يسيرًا من الحقيقة التى يعمد الساسة وجنرالات الجيش والاعلام المتواطئ باذلين قصارى جهدهم حتى يطمسونها من أجل تحقيق مآرب دنيئة . فهم ينقلون لكم صورة سيئة للغاية عما يحدث فى مصر وسائر البلدان العربية وينشرون افتراءات لاحد لها عن الإسلام زاعمين بانه دين الارهاب والتطرف والجهل، بالله عليكم بماذا تشعرون وانتم ترون جيوشكم ترتكب هذا فى حق بنى جلدتكم ؟ . يجب ان تعلموا ان الوقت يمر وأن العالم العربى سيستيقظ من سباته العميق ، ويقوم برأب الصدع العربى من خلال اعادة فكرة القومية العربية الى نطاق التنفيذ، وإننا نعلم أن مثل هذه الفكرة قد تتطلب مايقرب من 5 او 6 سنوات وحينما يتم لنا ما نتمناه، فلن نخش ثانية من دبابتكم أو طائراتكم وأخيرا نود ان نقول لكم إنكم تستطيعون أن تغيروا هذا الواقع المزرى فيجب ان تعملوا عقولكم وليس قوتكم الحربية حتى نتمكن من بناء مستقبل أفضل فإن الوقت يمضى، إن الوقت يمضى). كان ذلك نص رسالة فيلم ( رسالة من الشباب العربى الى الشباب الاسرائيلى ) وهو فيلم تسجيلى قصير مترجم من العربية الى اللغة العبرية وقد كان له صدى واسع وأثار الجدل فى انحاء دولة اسرائيل وفى داخل مصر ايضا . والجدير بالذكر أن ثورة يناير كانت المفجرة لفكرة الفيلم بالإضافة إلى قيام عدد من المظاهرات فى إسرائيل للمطالبة بالعدالة الاجتماعية. الفيلم تجربة جديدة قام بها اثنان من شباب مصر أرادا المواجهة مع العدو لكن بلغة بعيدة عن الخطابة استخدما لغة الفن والصورة لكى يفهمها العالم كله. اثنان من طلبة كلية الالسن حاولا ترجمة ما يدرسانه فى الكتب إلى مشروع عملى جلب عليهم الكثير من المشاكل وهما عمرو الصيفى ومحمد طلعت.استطاع عمرو الصيفى رغم سنه الصغيرة أن يفكر فى إنتاج فيلم تسجيلى موجه إلى شباب إسرائيل والفيلم ليس حوارًا مع الشباب الإسرائيلى بل هو مجرد رسالة موجهه إلى الشعب الإسرائيلى من وحى ثورة يناير وحرب أكتوبر ...ولم يكن يتوقع أن فيلمه الذى شارَك فيه مع زميل له، سيثير ضجة كبيرة فى إسرائيل، لدرجة أن الجيش الإسرائيلى تدخل وحذفه من القناة التى عرضته. ويعتبر الفيلم هو أول فيلم مصرى موجه إلى إسرائيل باللغة العبرية. وقد تضمن الفيلم مشاهد كثيرة دموية لما يقوم به العدو الصهيونى ضد الأطفال والشيوخ وأساتذة جامعة وهم متخوفون من الثورة المصرية و يتحدثون عن النظام الاسرائيلى إنه نظام ظالم , مدة الفيلم 20دقيقة بدأت بالسلام على الشباب الإسرائيلى واستعراض ما يفعله الجيش الإسرائيلى فى العالم العربى، خاصة فى فلسطين، والأسرى الفلسطينين وما حدث فى حرب لبنان 2006 ثم عرض مشاهد من الاحتجاجات الإسرائيلية التى اندلعت ضد سياسات الحكومة والتى استعانت ببعض شعارات الثورة المصرية مثل “عيش، حرية، عدالة إجتماعية” واستعانوا بمشاهد تكشف عدوانية الجيش الإسرائيلى ضد أطفال غزة، ومع هذه المشاهد تم عرض مشاهد للحاخام الراف امنون يتسحاق، الذى تحدث عن خطورة الربيع العربى على إسرائيل، وأكد أن الشباب العربى يمكن أن يتجمهر ويدخل إسرائيل ويسقط كيان الدولة دون حروب أو أى صدام عسكرى ، ثم اختتم الفيلم بمليونية التحرير التى هتف فيها المتظاهرون “عالقدس رايحين شهداء بالملايين”... الفيلم عرض على موقع يوتيوب وعلى صفحات خاصة بإسرائيل على الفيس بوك. حيث كان الانترنت هو الوسيلة التى ساعدت على نجاح الفيلم وسرعة اختراقه داخل اسرائيل . ولقد تمت ترجمة الفيلم الى اللغة الفرنسية من إعداد طالبتى دراسات عليا كلية الألسن قسم اللغة الفرنسية كما تم إجراء اتفاقات مع اقسام “ روسى، انجليزى، صينى، ايطالى، اسبانى، ألمانى، يابانى) لترجمة الفيلم إلى عدة لغات. يرجع الفضل لخروج الفيلم إلى النور لعمرو الصيفى صاحب الفكرة وهو (بجانب كونه طالبًا بكلية الألسن جامعة عين شمس - قسم اللغات السامية - شعبة اللغة العبرية فهو حاصل على دبلومة من منظمة السلام والتعاون الإسبانية فى البحث الذى قدمه بعنوان “ لا للحرب والدمار نعم للحرية والسلام” وحقق لمصر المركز الأول على مستوى عشرين دولة). وقد قال عمرو إن الفيلم عبارة عن أسلوب مستحدث من الحرب النفسية حيث قرر مخاطبة الشباب الإسرائيلى عن طريق السينما . وأوضح أنه فى شهر واحد استطاع تجميع الصور والفيديوهات وكتابة النص، حيث كان دوره هو الإعداد والمونتاج والتحضير والإخراج، بينما قام محمد طلعت بمراجعة نصوص اللغة العبرية وتنقيحها . وأشار عمرو إلى أن الفكرة كانت موجودة من حوالى سنتين تقريباً، وهو فى السنة الثانية (عبرى) فى كلية الألسن، من خلال متابعته للإعلام الإسرائيلى من ناحية ومتابعته لأعمال القتل والتعذيب من قبل رجال الجيش الإسرائيلى. ووجد إن المؤسسات الإعلامية والساسة وجنرالات الحرب فى إسرائيل يخفون تلك الحقائق وعمليات القتل والتعذيب . أضاف عمرو: للأسف لم أكن قادرًا على تنفيذ الفكرة وتوجيه أية رسالة للمجتمع الإسرائيلى فى ظل نظام قمعى (نظام مبارك)، ولكن بعد قيام ثورة يناير وجدت أن البلد بدأ فى التغيير وأخدت خطوات بعد الثورة بجمع كل المعلومات فى السياسة بالإضافة إلى متابعة كل ما يحدث فى الكيان الإسرائيلى وتعلمت كيفية عمل المونتاج . وعن الهدف من الفيلم أشار عمرو إلى أن هدفه هو توجيه رسالة لإسرائيل بشكل عام وللشباب الإسرائيلى بشكل خاص لأننا من خلال تعمقنا فى الشأن الإسرائيلى وجدنا أن نظام الحكم (الحكومة الإسرائيلية) دائماً يعمد إلى عدم نشر ما يقوم به الجيش الإسرائيلى من جرائم ضد العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص وهذه الجرائم تتناقض مع حقوق الإنسان. وأضاف عمرو ان هذا العمل قاعدة تؤسس لسلسلة من الأعمال يجرى التحضير لها حالياً فى إطار الحرب النفسية. وأضاف عمرو أن هذا الفيلم تعددت أساليبه لإقناع الإسرائيليين بأن ما يفعلونه ضد كل الشرائع السماوية وحقوق الإنسان. فاستخدمنا الإقناع؛ أولاً بالعقل ثم الإقناع بالعاطفة لتمدد بالإقناع بالأمر الواقع لينتهى بالتعاطف والتأييد الدولى للقضية الفلسطينية. أما عن ردود الأفعال الإسرائيلية والمخاطر التى تعرضوا لها فيقول عمرو : كنا نعلم جيداً حجم المخاطر التى سنتعرض لها فمن تلك المخاطر وصل إلينا عدد كبير من الشتائم القبيحة على الحساب الشخصى على الفيس بوك . منها “ الموت للعرب”، ومنها “ألا تخشون الموت؟!!.. هتموتوا من الفقر...إلخ كما قامت جهة إسرائيلية ما بعمل هكرز على القناة التى تعرض الفيلم وذلك بعد انتشار الفيلم واقتناع عدد كبير من اليهود بما يحمله هذا الفيلم من معان. ولكن تم تأمين القناة ضد عمليات القرصنة والهكرز وتم عرض الفيلم مجدداً على اليوتيوب. وأضاف ان دافنى ليف “ من زعماء الإحتجاجات الإسرائيلية الأخيرة قال عن الفيلم “ وصلت رسالتكم أيها الشباب المصرى ، يجب أن نحافظ على السلام “ اما نداف إيال “ وهو محلل سياسى فى القناة العاشرة الإسرائيلية للشئون الدولية «أسلوب جديد فى التواصل.. رسالتكم وصلت أيها الشباب المصرى» . أما عن رأى عمرو كمحلل سياسى مبتدىء ودارس للوضع الفلسطينى من الاعتداءات على غزة فقال: إنه كان متوقعًا لهذا الاعتداء قبل الحدت بشهرين وكتب ذلك فى الصفحة الرسمية لجروب اسرائيل اليوم الذى انشأه على موقع الفيس بوك ...والسبب فى ذلك انة قبل شهرين ونصف وقعت حادثة رفح التى راح ضحيتها 16 ضابطًا ومن خلال استنتاجاته للعملية وجد أن هذه العملية ستكون تمهيدًا لضرب قطاع غزة فى المستقبل القريب. وعندما سألته عن توقعاته لنشوب حرب بين مصر واسرائيل فقال إنه لا يتوقع ذلك فى ظل الظروف الاقتصادية السيئة التى تعيشها مصر الآن. وأكد عمرو ان هناك حروبًا تأخذ أشكالاً مختلفة تقودها إسرائيل على مصر مثل الحرب الإلكترونية والحرب الاقتصادية وفى إطار فرض القوى الناعمة لجعل مصر فى نظر أمريكا والعالم الغربى دولة متخلفة على عكس إسرائيل التى تمثل التقدم وواحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط من وجهة النظر الإسرائيلية. الاعلام الموجه وتعليقا على تجربة عمرو ومحمد قال دكتور حسن عماد مكاوى عميد كلية الاعلام جامعة القاهرة إن التجربة متميزة ويشجعها شخصيا لانها من شباب لهم افكار جريئة وجديدة لمخاطبة الكيان الصهيونى بلغتهم الخاصة، مشيرا إلى أهمية دعم مثل تلك التجارب للمساهمة فى حل المشكلة المصيرية بين العرب واسرائيل. وأوضح مكاوى انهم شباب مصريون واعدون ولديهم نزعة وطنية ومخاطبة الكيان بالتشديد على حق الشعب العربى الفلسطينى من خلال تلك القنوات أفضل من القنوات الدبلوماسية التقليدية . وأضاف دكتور مكاوى أن إعلامنا ضعيف وله توجهه من الخارج ولا يخاطب المجتمعات الخارجية بلغتها الاصلية كما أنه ليس لديه استمالات اقناعية مؤثرة ليفهمها الجانب الآخر لعرض قضايانا بطريقة مؤثرة واوضح مكاوى انه لا يتفق مع من أتهم الفيلم بالتطبيع مع اسرائيل بل هو بعد انسانى متميز من شباب متميزين امتلكوا لغة العدو وعرفوا كيفية مواجهته بطريقة سلمية محترمة ولهذا يجب تشجيعهم وان يتم استخدام الوسائل الشعبية بدلاً عن الوسائل السياسية الدبلوماسية التى عجزت عن إيجاد الحلول . مشيرًا إلى أن الأسلوب جديد ومبتكر وسوف يؤدى إلى سلام حقيقى وليس مفتعلاً. وأكد د مكاوى على ضرورة تشجيع الاعلام الموجه ولكن من خلال قنوات شعبية تنقل الحقائق العربية أفضل من الاعلام الرسمى الذى أثبت فشله وعجزه. ومن جانبه قال الأستاذ الدكتور محمد الهوارى “ أستاذ الدراسات العبرية واليهودية بجامعة عين شمس “ إن هذا العمل يعد ثمرة من ثمار أقسام الدراسات العبرية فى مصر موضحًا أن الفيلم بالفعل عمل رائع ومجهود عظيم يحمل رسالة معبرة ومؤثرة، يشعر بها ذوو القلوب الرحيمة..وأضاف إننا فى إنتظار اليوم الذى يسود فيه العدل فى هذا العالم. ووقتها فقط سوف نشعر بالأمل فى حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وأشار إلى أن الشابين اللذين قدما هذا العمل (محمد طلعت وعمرو الصيفى) لهما التحية لأنهما قدما عملا رائعا يستحق كل التقدير والاحترام متمنيا تقديم اعمال مثل هذة بكثرة وتمنى لهما التوفيق والسداد فى أعمال أخرى مماثلة. أما الدكتور منصور عبد الوهاب - أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس- فشارك الدكتور الهوارى الرأى فى أنه عمل رائع، مضيفا أنه بالفعل فخور بالطالبين وطالبهما بمواصلة الإبداع لأن شباب اليوم هم أمل هذه الأمة. وأكد الدكتور طارق فهمى «رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط» أن العمل متميز ورائع وله رؤية وحرص على مشاهدته أكثر من مرة وأوضح أن تلك الأعمال سهل انتشارها خاصة فى وجود الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وتمنى أن يظهرمزيد من الأعمال الرائعة.