ما زال الصراع دائرا بين مسلمى ميانمار (الروهينجا) الراغبين فى حياة كريمة وآمنة وبين سلطة حاكمة غاشمة تشن حملات إبادة وسحق وقهر ضد أقلية بدائية مسالمة وسط صمت دولى مشبوه ومعيوب وغير مفهوم وكأن التاريخ الإنسانى قد نسى ما اقترفه (كورتيس) الغازى الأسبانى الذى أباد حضارة وشعوب المايا والأزتيك - قبائل من أمريكا الجنوبية - بالكامل من أجل حفنة ذهب ومازالت صفحات التاريخ حافلة بأسماء أباطرة الظلام الذين ارتكبوا المذابح التى لطخت التراث الإنسانى بعار لن يمحوه الزمان. وتعد مشكلة مسلمى ميانمار هى الأطول و الأقدم والأحدث والأغرب.. فهو صراع بدأ منذ عقود ولم يحسم حتى الآن. ميانمار حاليا (بورما سابقاً) هى إحدى بلدان الهند الصينية فى جنوب شرق آسيا يحدها من الشمال الصين ومن الجنوب خليج البنغال ومن الشرق الصين وتايلاند ومن الغرب خليج البنغال وبنجلاديش ويقطن المسلمون فى إقليم أراكان (راخين حاليا) فى الجنوب الغربى لبورما (ميانمار) ويختلف سكان بورما من حيث التركيبة العرقية واللغوية فمعظم السكان ينطقون باللغة البورمية ويطلق عليهم «البورمان» وأصولهم من التبت الصينية ويدينون بالبوذية وتأتى الأقلية المسلمة فى المرتبة الثانية من حيث عدد السكان ويبلغ عددهم حوالى 8 ملايين نسمة يعيش الكثير منهم فى إقليم أراكان - راخين حاليا - ويبلغ إجمالى الأعراق فى ميانمار حوالى 140 عرقاً وهم مختلفون فى الأديان والثقافات والعادات منهم (الشان وكشين وكارين وركهاين والماغ وغيرهم) وقد خضعت بورما للاحتلال البريطانى حتى حصلت على الحكم الذاتى عام 1940 بعد إجراء استفتاء عام لتصبح مستعمرة بريطانية مستقلة وقد استغل المستعمر البريطانى هذا التنوع العرقى والإثنى لزرع الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد وبدأ فى الوقيعة بين أكبر جماعتين وهما جماعة البوذيين وجماعة المسلمين فشرع فى إمداد البوذيين بالمال والسلاح وعزل المسلمين من وظائفهم وأملاكهم ووزعها على أقرانهم من البوذيين ونجح المستعمر فى خطته وارتكب البوذيون أول مذبحة ضد المسلمين عام 1942 وسقط أكثر من 100 ألف مسلم لتتوالى المذابح والممارسات القمعية حتى الآن ورغم ذلك انضم المسلمون لشركاء الوطن وبدأوا فى الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطانى حتى حصلت بورما على استقلالها عام 1948 ورغم الدور الوطنى الذى قدمه المسلمون فى مقاومة الاحتلال البريطانى فقد استمر عداء البوذيين للمسلمين ولحقهم المسيحيون والهندوس الذين تعرضوا للتهجير والتشرد والإبادة حتى عام 1962 لتنتهى الأحداث بانقلاب عسكرى تلقى الدعم بالمال والسلاح من الصين وروسيا. وتستمر حلقة الظلم والاضطهاد ضد المسلمين لأنهم الأقلية الأقدم والأكثر عدداً فى بورما خشية مطالبتهم بالاستقلال عن بورما والانضمام لبنجلاديش فبدأت خطة طمس الهوية الإسلامية بتدمير المنازل والمساجد والمدارس وتهجيرهم قسراً من أراضيهم وبعد اندلاع المظاهرات الرافضة للحكم العسكرى الذى استمر لمدة 45 عاماً انضم لقائمة المضطهدين آلاف الرهبان البوذيين والنشطاء السياسيين الذى رغبوا فى إنهاء الحكم العسكرى السلطوى لتتغير ملامح الصراع فى ميانمار وتصبح المصالح الاقتصادية هى المحرك للأحداث خاصة بعد توقيع عقود التنقيب عن الغاز والنفط لصالح الصين وروسيا، بالإضافة لتسهيلات عسكرية على خليج البنغال والمحيط الهندى وتبادل تجارى مع الجار الصينى تجاوز حجمه 25 مليار دولار مقابل تقديم الدعم المالى والسلاح وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التى أجريت وأسفرت عن فوز المعارضة ليستمر الحكم السلطوى يحكم البلاد بالحديد والنار ويتخذ من المسلمين كبش فداء لإظهار سطوته على أمور الحكم و تأديب الأقليات الأخرى التى ترغب فى المقاومة زاعماً تنفيذ الإصلاحات لامتصاص الغضب العالمى الذى طالبه بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية متجاهلاً ما يتعرض له المسلمون من مذابح واكتفوا بالشجب والتحذير الذى جاء فى تقارير منظمة العفو الدولية ورابطة الأسيان واعتراف بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة بأن الأقلية المسلمة فى ميانمار هى الأكثر تعرضاً للاضطهاد فى العالم وسط صمت إسلامى وعالمى.. ليستمر الوضع على ما هو عليه. وحتى يعرف أطباء التخاطب السياسى العالمى سبب ذلك البكم والصمم وعدم القدرة على التمييز تجاه كل القضايا المصيرية التى تخص العالم الإسلامى نأمل أن تكتشف الإنسانية ومنظمات العالم الحر لحقوق الإنسان دواء ناجعاً ضد مرض صمت القبور هذا.. ولا عزاء لأمة الإسلام.