سقوط حائط كوبا الورقى.. كان هذا هو العنوان الذى اختارته صحيفة «لوس انجلوس تايمز» للتعبير عن ترحيبها بالخطوة التاريخية التى اتخذتها الحكومة الكوبية بتخفيف القيود المفروضة على سفر مواطنيها إلى الخارج حيث شبهت الصحيفة الأمريكية قانون الهجرة القمعى الذى كان يمنع الكوبيين منذ نصف قرن من مغادرة بلدهم بنسخة ورقية من حائط برلين الذى كان يفصل شرق ألمانيا عن غربها. وكانت الحكومة الكوبية قد فرضت فى عام 1961 قيودا على السفر إلى الخارج حيث ألزمت الكوبيين الراغبين فى مغادرة الأراضى الكوبية بالحصول على إذن خروج، أو ما يعرف بالبطاقة البيضاء من السلطات، والتى كانت تصدر قراراتها بشكل تعسفى دون توضيح سبب الرفض. كما كان عليهم إبراز خطاب دعوة من الخارج، ولم يكن يسمح لهم بالبقاء فى الخارج لأكثر من 11 شهرا ومن يتجاوز المدة المحددة يعاقب بمصادرة أملاكه وأمواله إذ تعتبره السلطات مهاجرا بصفة نهائية ولا يسمح له غالبا بالعودة إلى الوطن. وكان الهدف المعلن من القيود المفروضة على سفر الكوبيين هو تفادى «هجرة العقول» حيث يحاول آلاف المهندسين والأطباء والكوادر المهنية الشابة الأخرى فى كوبا مغادرة البلاد بحثا عن فرص معيشية ومهنية أفضل فى الخارج، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية العدو اللدود للزعيم الثورى فيدل كاسترو. وتمنح الولاياتالمتحدة سنويا، نحو 30 ألف تأشيرة دخول لمواطنين كوبيين أغلبهم من الشباب المؤهل علميا والراغب فى الهجرة. وقد هاجر مئات الألوف من الكوبيين بشكل غير قانونى فى العقود الماضية واستقر العديد منهم فى الولاياتالمتحدة حيث يعيش نحو 1,5 مليون كوبى وأبناؤهم فى الخارج، 80% منهم فى الولاياتالمتحدة، بينما يقدر عدد السكان فى كوبا بنحو 11,2 مليون نسمة. وفى ظل سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التى أدخلها راؤول كاسترو منذ توليه رئاسة البلاد عام 2008، كان إصلاح قوانين السفر إلى الخارج من أكثر التعديلات مطلبا فى كوبا. ويرى محللون أن تعديل كوبا لقانون الهجرة جاء نتيجة للحالة المتداعية للاقتصاد الكوبى، حيث تأمل كوبا أن يؤدى سفر المزيد من الكوبيين للعمل بالخارج إلى زيادة التحويلات المالية مما سيعود بالفائدة على اقتصاد البلاد. وبموجب التعديل الجديد بات بإمكان الكوبيين الراغبين فى السفر للخارج الاكتفاء بحيازة جواز السفر وتأشيرة البلد المضيفة حيث تم إلغاء شرط الحصول على إذن الخروج وخطاب الدعوة. كما تم مد مدة الإقامة المسموح بها فى الخارج إلى 24 شهرا. ولكن يبقى القانون الجديد على بعض القيود فمدة الإقامة المسموح بها بالخارج لا تزال محدودة، وأى طلب للتمديد يبقى البت فيه من صلاحية القنصليات الكوبية. كما أنه يفرض قيودا إضافية على ذوى المهارات النادرة كالعلماء والأطباء وكبار ضباط الجيش وذلك لحماية ثروة البلاد البشرية. ومن جانبها، رحبت واشنطن بقرار الحكومة الكوبية، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند إن الخطوة الكوبية تتماشى مع الميثاق العالمى لحقوق الإنسان الذى يكفل للجميع حق مغادرة أى بلد بما فى ذلك بلده والرجوع إليه. وفى هافانا، قوبل تعديل قانون الهجرة بالشك والريبة حيث يشير الكوبيون إلى أن القوانين الجديدة التى تم إقرارها مؤخرا- والتى تسمح على سبيل المثال ببيع الممتلكات وإقامة المشروعات- تم تحميلها فيما بعد بالقيود والضرائب مما حال دون استفادة أغلبية الشعب منها. ومع ذلك ترى افتتاحية لوس انجلوس تايمز أنه بالرغم من أن قوانين السفر الجديدة كان من الممكن أن تكون أفضل من ذلك، إلا أنها تمثل تحولا مهما نحو التغيير ويجب على واشنطن أن تقابلها بالتخلى عن بعض من قوانينها نحو كوبا والتى تعتبر من مخلفات الحرب الباردة، مشيرة إلى الحظر الاقتصادى والمالى الذى تفرضه واشنطن على كوبا منذ فبراير 1962، والذى تقول كوبا إنه يكلفها أكثر من 100 مليار دولار سنويا ويعتبر السبب الأساسى لمشكلاتها الاقتصادية.