قبل 24 ساعة من وقوع الأحداث المؤسفة التى شهدها ميدان التحرير الجمعة قبل الماضية.. كتبت تحت عنوان «الخروج من المائة يوم» أقول: ليس من مصلحة مصر أن يجتمع معارضو ومؤيدو الرئيس فى مظاهرة واحدة.. كانت القوى الليبرالية المعارضة لتيارات الإسلام السياسى قد دعت إلى مليونية أطلقت عليها اسم «جمعة كشف الحساب» وذلك بمناسبة انتهاء المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسى.. وفى نفس الوقت وبشكل مفاجئ دعا حزب الحرية والعدالة أنصاره ومؤيديه من شباب الإخوان لمليونية أخرى فى نفس المكان والزمان للتنديد بأحكام البراءة الصادرة فى قضية موقعة الجمل.. ثم دخلت أزمة النائب العام على الخط أو أدخلت على الخط!.. المهم أن الفريقين اجتمعا فى ميدن التحرير.. ووقع الصدام الذى توقعته.. ولم يكن أسهل من هذا التوقع.. فما الذى ننتظره من اجتماع النار والبنزين.. إلا الحريق!.. ولابد من الاعتراف بأن ما حدث فى ميدان التحرير له تداعياته الخطيرة التى يمكن أن تعصف باستقرار مصر وأمنها.. ليس من قبيل المبالغة القول بأن ما حدث كان يمكن أن يصل إلى مرحلة الحرب الأهلية.. وليس من قبيل المبالغة القول أيضاً بأن ما حدث يمكن أن تكون له آثارة السلبية على حركة الاستثمار فى مصر.. فمن هو هذا المجنون الذى يستثمر أمواله فى بلد يعادى نصف شعبه.. نصفه الآخر؟!.. مرة أخرى ليس فيما أقول مبالغة وأظننا سمعنا فى البرامج الفضائية.. تعليقا على أحداث التحرير.. من يتحدث عن ثأر ودم؟!.. لابد من الاعتراف أيضاً بأن ما حدث فى ميدان التحرير هو انعكاس طبيعى لحالة الفوضى والتخبط التى يتسم بها المشهد السياسى.. على جميع المستويات.. ونبدأ بالمعارضة أو القوى الليبرالية التى دعت إلى جمعة كشف الحساب وقالت إنها احتجاج على عدم وفاء الرئيس مرسى بتعهداته.. صحيح أن من حق الجميع التظاهر السلمى.. وصحيح أن حرية التعبير مكفولة للجميع.. لكن ما هى الفائدة من خروج هذه التظاهرات فى ذلك التوقيت؟.. قد يكون مقبولا أن تشغل قضية المائة يوم اهتمام الرأى العام.. وقد يكون منطقيا أن تفرض القضية نفسها على الإعلام.. خاصة أن الرئيس مرسى ألزم نفسه بها.. كل ذلك مقبول ومعقول لكن لماذا التظاهرات ولماذا المليونيات؟!.. ثم إن الوضع الاقتصادى وصل إلى مرحلة صعبة ومخيفة إن لم تكن مرعبة!.. والذى لا يرى من «الغربال» أعمى كما يقول المثل!.. فما الذى يمكن أن تؤدى إليه مثل هذه التظاهرات والمليونيات إلا مزيدا من التردى للوضع الاقتصادى المتردى؟!.. وهل تخفى كل هذه الاعتبارات عن الذين خططوا ودبروا لمثل هذا التصعيد؟!.. أليس معنى ذلك أن لهم مآرب أخرى غير «حساب الرئيس»؟! أليس ذلك كله خطأ فادحا؟.. لكن ليس معنى ذلك أن نتعامل مع هذه الأخطاء الفادحة بأخطاء أكثر فداحة.. ليس معنى ذلك أن نقابل الخطأ بخطيئة!.. *** كان غريباً أن يدعو حزب الحرية والعدالة أنصاره ومؤيديه إلى التظاهر فى نفس مكان وزمان تظاهرات «جمعة كشف الحساب».. بحجة التنديد بأحكام البراءة فى قضية موقعة الجمل.. السؤال: بأى منطق يتحدث الحزب الحاكم.. حزب الحرية والعدالة.. بمنطق العدالة الثورية أم العدالة القانونية؟!.. منذ بداية أحداث الثورة وهناك اتفاق وتوافق على مسألة العدالة القانونية.. القانون هو المرجعية فهل من العقل والمنطق بعد الانتخابات وبعد اختيار رئيس للجمهورية وبعد أن قطعنا شوطا فى طريق بناء مؤسسات الدولة.. هل من العقل والمنطق أن نطالب بالعدالة الثورية؟!.. هل من العقل والمنطق أن نتخلى عن شرعية القانون والدولة والرئيس ونستبدل ذلك بالشريعة الثورية؟!.. أليس معنى ذلك أن نسمح للشارع.. أو لمن يملك القدرة على حشد الشارع.. أن يسقط الرئيس والدولة كلها.. لأتفه الأسباب؟!.. أليس معنى ذلك أننا سائرون إلى الفوضى وعدم الاستقرار؟!.. وقد تكون أحكام البراءة فى قضية موقعة الجمل صادمة لكثيرين.. لكن الاحتجاج عليها بمظاهرات ومليونيات لا يفيد بل يضر.. والاحتجاج الصحيح يكون بالقانون.. بالاستئناف والنقض!.. ثم إنه إذا كان منطقيا ومعقولا أن المظاهرات هى وسيلة المعارضة للتعبير عن رأيها.. فأى عقل وأى منطق فى قيام الحزب الحاكم بتنظيم المظاهرات.. وهل من العقل والمنطق أن ينظم الحزب الحاكم مظاهرات ضد الحاكم؟!.. إلا إذا كان الهدف من تنظيم هذه المظاهرات هو إفساد مظاهرات جمعة كشف الحساب والتشويش عليها!.. حتى لو كان ذلك صحيحا.. وحتى لو كانت مظاهرات الإخوان بحجة أحكام البراءة فى قضية موقعة الجمل قد نجحت فى «سرقة الكاميرا» من مظاهرات القوى الليبرالية المعارضة للرئيس.. حتى لو كان ذلك صحيحا فى الجمعة قبل الماضية.. فهل سينجح نفس الأسلوب فى الجمعات القادمة؟!.. أحكام البراءة فى قضية موقعة الجمل كانت الحجة فى الجمعة قبل الماضية.. فما هى الحجة فى الجمعة القادمة.. أى جمعة قادمة؟!.. مليونية كشف الحساب كانت خطأ بكل المقاييس لكن الخطأ الأفدح هو حشد الإخوان فى نفس المكان والزمان.. أما الخطيئة فهى التصعيد والوصول لحالة الصدام التى شهدها الميدان.. الخطيئة هى الدم الذى أريق على أرض الميدان. ومن أخطاء وخطايا ميدان التحرير أنتقل إلى أخطاء وخطايا ميدان القضاء العالى! *** تابعنا جميعا موضوع النائب العام الذى تحول إلى مواجهة بين القضاة ومؤسسة الرئاسة.. تابعنا جميعا التصريحات «الرسمية» التى تتحدث عن تعيين النائب العام سفيرا بالفاتيكان.. ثم تصريحات النائب العام التى ترفض المنصب الجديد وتتمسك بالمنصب القديم.. ثم ردود فعل القضاة وموقفهم.. تابعنا ذلك كله وأصبحنا أكثر اقتناعا بأن مستشارى الرئيس يقعون فى أخطاء فادحة تخصم من رصيد الرئيس الذى نجح فى الحقيقة فى زيادة رصيده فى الفترة الأخيرة بمواقفه وقراراته.. ومنها قراراته الخاصة بالمجلس العسكرى والتى أدخلت مصر لأول مرة فى تاريخها الحديث وبعد قيام ثورة يوليو فى عصر الحكم المدنى.. تابعنا جميعا كل هذه الأخطاء الفادحة التى تهز بلا شك صورة مؤسسة الرئاسة.. لكن الخطأ الأفدح هو محاولات التبرير غير المقنعة التى لا تفعل أكثر من أنها تزيد الطين بلة!.. *** مصر فى خطر حقيقى.. مصر فى مفترق طرق ولا ينقصها أن يدخل نصف الشعب فى عداء مع نصفه الآخر.. كل ذلك لأننا نقابل الأخطاء.. بالخطايا!..